ضغط على «حزب الله» ومحاولة تثبيت الردع… ولا مؤشرات لحرب كبرى!

خرج وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ليُعلن أنه أبلغ نظيره الأمريكي لويد أوستن والمبعوث الخاص آموس هوكشتاين، خلال زيارته واشنطن الأسبوع الماضي، بقرار زيادة وتيرة العمليات وتوسيع المعركة على الجبهة الشمالية، وأنه أوعز به إلى القيادة الشمالية، وليقول: «انتقلنا من ضرب حزب الله إلى ملاحقته. سنصل إلى كل مكان يتواجد فيه، في بيروت، وبعلبك، وصور، وصيدون، والنبطية، وإلى كل امتداد الجبهة، وأيضًا إلى أماكن بعيدة أكثر مثل دمشق وغيرها. سنعمل في كل مكان يتطلّب منا ذلك». اقترن الإعلان مع تنفيذ حملة من الضربات الجوية فجر يوم الجمعة (29 آذار/مارس) استهدفت مواقع عسكرية بينها مستودعات لـ«حزب الله» قرب مطار حلب الدولي، وأوقعت عشرات القتلى.

كلام غالانت، عالي السقف والنبرة، جاء عملياً عقب جلسة تقييم الأوضاع في الشمال الإسرائيلي بعد زيارة مقر القيادة الشمالية، وتلقّي إحاطة حول عمليات الاغتيال التي يتمّ تنفيذها على المستوى الاستخباراتي، والتي تتناول كوادر ميدانية وعسكرية لـ«الحزب» وآخرها ما أعلنته إسرائيل في اليوم نفسه عن اغتيال نائب قائد الوحدة الصاروخية.

حال لسان المقرّبين من «حزب الله» لا يتغيّر كلما زاد التهديد الإسرائيلي بتوسعة العمليات على الجبهة الشمالية الإسرائيلية، وجوابهم: «لبنان ليس غزة، وحزب الله ليس حركة حماس». حتى الآن، لا يصل التقييم في أوساط «المحور» إلى مؤشرات إسرائيلية فعلية لتحويل المواجهة إلى حرب شاملة. ما يجري يندرج أكثر في إطار لعبة التهويل والضغط على «الحزب» من أجل القبول بحل سياسي يُنهي وضع الجبهة الشمالية، حيث يضغط المستوطنون للعودة إلى بيوتهم في مستوطنات الشمال، ولكنهم يريدون أولاً إيجاد حل للتهديد الذي يُشكّله «حزب الله» من جبهة لبنان الجنوبية.

قواعد الاشتباك سقطت

في رأي متابعين، أن إسرائيل تسعى لنقل المواجهة إلى مستوى جديد في محاولة لتثبيت أن المبادرة الميدانية النارية بيدها. فما بعد 8 تشرين الأول/أكتوبر، تاريخ انخراط «حزب الله» في حرب «إسناد غزة» سقطت قواعد الاشتباك التي كانت مرسومة بين «الحزب» وإسرائيل، سواء في لبنان أو في سوريا. كانت التحذيرات تسبق أي ضربات لشحنات أسلحة أو مخازن أو قواعد عسكرية لإخلاء العناصر بغية عدم سقوط ضحايا. في المعلومات سقط لـ«حزب الله» في سوريا منذ بداية حرب غزة 40 عنصراً، وسقط في لبنان 270 عنصراً؛ وهو عدد يمكن لـ«الحزب» أن يتحمّله على قاعدة «البعد الأخلاقي» في دعم غزة والصبر الاستراتيجي في إطار المعركة الأكبر.

تخوض إسرائيل عملياً مواجهة راهنة مع ثلاث أذرع عسكرية لـ«الحزب» وهي المضاد للدروع، والمسيّرات، ووحدة الدعم الصاروخي؛ وهي توسِّع ضرباتها في المكان الذي يستهدف هذه الأذرع مهما بلغ عمقه داخل لبنان وداخل سوريا. ولكن ما يجري، وفق عارفين، لا يزال مُحتسَباً ضمن الإطار الكلاسيكي للضربات، مع الإطاحة بالقواعد السابقة على كل الجبهات، ثمّة قواعد اشتباك جديدة فرضت نفسها في الميدان.

يقول مطلعون على مسار العمليات إن إسرائيل و«حزب الله» ملتزمان بعدم توسعة الحرب، ورغم حماوة المواجهات في اليوم الأول، فإن حالة من الانضباط والتقلّص تليها في اليوم التالي، ما يعني أن الطرفين يدركان الحدود المتاحة لهما. وهي نتاج تفاهمات إيرانية – أمريكية غير مُعلَنة بأن الحرب لن تتوسّع على الجبهة الإسرائيلية – اللبنانية بضمانة الأمريكيين. ويضيف هؤلاء: «على هذا الأساس تمّت التهدئة في العراق، ويستمر الانضباط في لبنان وسوريا».

ما يفعله الجيش الإسرائيلي أنه يُوسِّع الهوامش التي يُسمّيها «مرحلة جديدة» إنما في اللعب على حافة الهاوية، قد تتدحرج الأمور وتنفلت بشكل غير محسوب. في قراءة «حزب الله» أن الإسرائيليين لا يستطيعون التورّط باستدراج عملياتي طويل الزمن يفرض عليهم شكلاً من أشكال «الاستنزاف الغزاوي» قد يضرب في الصميم قدرة الردع لديه. ومن المنظور الإسرائيلي، لا بدَّ لأي دخول ناري أن يكون خاطفاً وساحقاً في أيام قتالية متتالية على غرار حرب تموز 2006. ولكن هذا ليس هو منظور «حزب الله» الذي يعتبر أنه بعد الأشهر الستة من «إسناد غزة» لم يستخدم أي من قدراته الاستراتيجية المرتبطة بالحرب مع إسرائيل. لا وهم أن لدى إسرائيل «بنك أهداف واسعة» وأن لديها القدرة على تدمير منشآت حيوية في لبنان، ولكن إذا بادرت إسرائيل إلى فتح هذه المواجهة، فإن «الحزب» لن يلتزم بأي من السقوف، وسيذهب إلى استخدام ما لديه من سلاح الصواريخ الدقيقة الذي ينقل المواجهة إلى مكان آخر.

يعود القريبون منه (أي «الحزب») إلى التأكيد «أن لبنان ليس غزة» بمعنى أن لبنان – بواقعه الاستراتيجي والجيوسياسي – مفتوح من إيران إلى العراق إلى لبنان، و«حزب الله» ليس «حماس» بمعنى أن أذرع «المحور» من العراق إلى سوريا ستكون مشاركة في الميدان ما دامت الساحات متصلة جغرافياً. وفي أي مواجهة، سيتم العمل على جرّ إسرائيل إلى حرب برية، حيث المستنقع لها، ولن تُترك فقط لتخوض المعركة بسلاح الجو غير القادر عملياً على حسمها.

حتى إن القريبين العارفين في كواليس «المحور» يجزمون بأن إيران لا يمكنها أن تبقى على الحياد في حال كان القرار شن حرب على «حزب الله» وما جرى تسريبه من أن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله قال في لقاء مع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني بأن «الحزب» سيخوض الحرب وحيداً ليس دقيقاً، وأنه إذا تركت طهران «حزب الله» في 2006 يخوض تجربته وحيداً، فذلك لن يحدث مجدداً وكما يحدث مع غزة، ولا سيما في هذا التوقيت، حيث المنطقة بأكملها في قلب الصراع، وعلى أبواب التشكّل من جديد.

في قناعة «المحور» أن «حزب الله» هو اختصار لكل ما يُمكن أن يُطلق عليه تسمية المدى الحيوي لإيران في جغرافيا المنطقة، وهو حامي أبواب طهران. وبالتالي ضرب «حزب الله» وسقوطه يعني ضرب أذرع إيران خارجها، وسقوطها في الخارج يعني سقوط نظام الجمهورية الإسلامية في الداخل. إنها معادلة حسابية بسيطة؛ فهذه الحرب الكبرى لا يمكن أن تحصل من دون أمريكا، ولا يمكن لليمين الإسرائيلي ولا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يجرَّ واشنطن إلى مثل هذا التحدّي على توقيت تل أبيب. فهذه مواجهة غير مأمونة الحسابات والعواقب للجميع، وهي مستبعدة.

رلى موفق- القدس العربي

مقالات ذات صلة