الذكاء الاصطناعي: حكّام «روبوت» ومحلّلون رقميّون!
يسرّع القيمون على كرة القدم وتيرة الاعتماد على التكنولوجيا. اقتصر الأمر بدايةً على التحكيم، وهو يمتد تدريجياً ليشمل الكادر التدريبي ككل. الطفرة التكنو – كروية الحاصلة أخيراً تثير الضبابية حول مستقبل «اللعبة»، وسط مخاوف بأن يقوم الذكاء الاصطناعي باستبدال اللاعبين أنفسهم!
مع امتداد السنوات، تجرّدت كرة القدم من بساطتها. لم تعد «اللعبة» تقتصر على هيكلها التقليدي المكوّن من لاعبين وطاقم تحكيمي ومديرين فنيين ـ إداريين وجماهير… حيث انتزعَ الذكاء الاصطناعي مكاناً رئيسياً له داخل المستطيل الأخضر.الإقبال الكبير على كرة القدم جعلها عرضة للتغيرات. ولإبقاء «المنتج» جذّاباً في أعين المستهلكين، ارتأى القيّمون ضرورة إقحام التكنولوجيا المتقدّمة.
بدأ الأمر باعتماد معدات متطورة تساعد الحكّام على تقليل الأخطاء خلال المباريات، فانتشرت تقنية «عين الصقر» ذات الدقة العالية على خط المرمى، والتي تبيّن تجاوُز الكرة للخط بقطرها الكامل من عدمه.
وبعد النجاح النوعي الذي حققته تقنية خط المرمى، تم التسويق لتقنية الحكم المساعد «VAR» والتي تتيح للحكم إعادة اللقطات قبل إعطاء القرار النهائي في شرعية بعض القرارات الحاسمة، مثل الطرد أو التسلل… وبالنظر إلى عدم دقّة «VAR» في التسلل تحديداً، أُدخلت تقنية التسلل شبه الآلية (SAOT) التي تعتمد على استخدام كل الكاميرات الموجودة على أرض الملعب لمراقبة مراكز اللاعبين وأوضاعهم، مع إنشائها نماذج ثلاثية الأبعاد لأجساد اللاعبين بهدف حسم حالات التسلل في وقتٍ قصير.
هذه التقنيات وغيرها قسمت الوسط الرياضي بين مؤيدٍ ومعارض. رأى البعض أن اللعبة أصبحت أكثر عدلاً، رغم استمرار ارتكاب بعض الأخطاء، فيما اعترض آخرون على الوقت المهدر مع كل لقطة يعاد النظر في أمرها، مستنكرين المشاعر المتضاربة قبل اتخاذ القرار النهائي وأثناءه وبعده.
تفاوت في الآراء لن يوقف القيّمين عن تعزيز إدخال التكنولوجيا في «اللعبة»، حيث يتطلع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إلى زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في ما يتعلّق بالعقوبات والأخطاء ولمسات اليد والتدخل مع حراس المرمى، تبعاً لموقع «The Athletic» المختص بالرياضة.
إقبال متزايد
وبعيداً عن الهيئات الكروية الحاكمة، توجّه العديد من الأندية واللاعبين إلى اعتماد الذكاء الإصطناعي بهدف تحسين نسقها.
في أغلب الأندية، يتم جمع كميات ضخمة من البيانات لتحليلها باستخدام تقنيات التعلم الآلي. وبالتالي، يتمكن المدربون من استخدام هذه التحليلات لفهم أنماط اللعب ونقاط القوة والضعف وتحسين الأداء العام للفريق. إضافةً إلى ذلك، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل أداء المنافسين وتطوير استراتيجيات التفاعل معهم.
حتى اللاعبون أصبحوا قادرين على معرفة تفاصيل أدائهم بشكل مستقل خلال التدريب وعلى أرض الملعب من خلال تطبيقات متخصصة توفّر لكل لاعب فرصة الوصول إلى بيانات أدائه الفردي، مع تقديم نصائح للتحسن.
ومن الأندية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، يبرز ليفربول الإنكليزي الذي دشّنَ قبل أيام شراكة مع «DeepMind» التابعة لشركة «Google» بهدف اعتماد تقنية «TacticAI»، وهي عبارة عن نظام ذكاء اصطناعي متقدم مصمَّم لتغيير الطريقة التي يتعامل بها مدربو كرة القدم مع الركلات الركنية.
يتطلّع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إلى زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي
ويعمل نظام «TacticAI» كمستشار تكتيكي، إذ درّبهُ المطوّرون باستخدام بيانات من 7176 ركلة ركنية لـ «ليفربول». وقوبلت قدرته على تقديم رؤى استراتيجية حول تحسين إجراءات الركلات الركنية بموافقة ساحقة من خبراء كرة القدم، حيث فضَّلَ الخبراء في ليفربول اقتراحات الذكاء الاصطناعي بنسبة 90% من الوقت مقارنةً بالإعدادات التكتيكية التقليدية.
وفي ما يتعلّق بمخاوف البعض حول استبدال الأفراد بالذكاء الاصطناعي، أوضح الباحث في «Google DeepMind»، بيتر فيليكوفيتش، أن النموذج الذكي لا يستهدف أن يحلّ مكان المديرين الفنيين البشريين «حتى وقتنا الحالي»، وإنما هو بمثابة خطوة من جانب قطاع غوغل البحثي لتعزيز قدرات البشر ورفع كفاءة أدائهم، بدلاً من استبدالهم. وفي التصريح نفسه، أردف قائلاً: «هذا لا يمنع من توسيع النظام ليشمل أجزاء أخرى من كرة القدم، بل حتى الرياضات الأخرى».
هي خطوة كبيرة جديدة في عالم الذكاء الاصطناعي – الرياضي، الذي يُتوقّع أن تصل قيمة سوقه إلى 22 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030. ورغم تفوّق الإيجابيات حتى اللحظة، تستمر مخاوف البعض من التبعات السلبية للتقنيات المتقدمة مستقبلاً، وخاصةً في حال إفراط الاعتماد عليها.
الاخبار