بكركي «»«صوت صارخ في البرِّية» ولا من سامع ولا من مجيب… هل مجدُ الرئاسة لم يعُد لها؟
لأنّ مجلس النواب مقفَل، استعيض عنه بأكثر من قاعة، من قاعة بكركي إلى قاعة قصر الصنوبر إلى قاعة سائر السفارات، القطرية والسعودية والمصرية، وكل ذلك لأن الطبخة الرئاسية لم تنضج بعد، وكل يومٍ يطرأ جديد فيراكم ما سبقه.
بعد السابع من تشرين الأول الفائت، باتت الأولوية لحرب غزة ولجبهة الإشغال في جنوب لبنان، لا هدنة في جنوب لبنان ما لم تتوقف الحرب في غزة، ولا رئاسة جمهورية ما لم يهدأ الجنوب، إذاً كل الأمور أصبحت مترابطة ببعضها البعض، وبناءً عليه، فإن كل ما يحكى عن انتخابات رئاسية هو من باب تقطيع الوقت. صحيح أن بكركي معنيّة بالدرجة الأولى بهذا الإستحقاق، لكنّها منذ العام 1988، أيّ منذ ستة وثلاثين عاماً، لم تعد صاحبة الكلمة الفصل:
حمل الموفد الأميركي ريتشارد مورفي أسماء من بكركي إلى سوريا، ولم يكن البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير موافقاً على إرسال أسماء لولا الإلحاح، فكان الرد صاعقاً، أعطى الرئيس الأسد اسماً من خارج لائحة البطريرك، النائب مخايل الضاهر، وكانت العبارة الشهيرة: «إمّا الضاهر وإمّا الفوضى».
رئيس الطائف، الرئيس رينيه معوض، اغتيل قبل أن يحكم، فجاء الرئيس الياس الهراوي، الذي كانت بكركي تفضِّل غيره، لكن الظروف الدموية حتّمت القبول به.
لم ترضَ بكركي بانتخاب الرئيس إميل لحود الذي كان بعيداً عن الصرح، سواء في التوجّه السياسي أو في المناسبات. تسوية إيصال الرئيس ميشال سليمان جاءت من الدوحة، ثم تسوية الرئيس ميشال عون جاءت من تقاطعات عدّة لم تكن بكركي أحد مفاصل هذه التقاطعات.
اليوم ينطبق على بكركي، ما قاله ستالين عن بابا روما:
«كم يملك البابا من دبابات؟». اليوم لا يملك البطريرك مار بشارة بطرس الراعي سوى صوته، وهو «صوت صارخ في البرِّية» ولا من سامع ولا من مجيب.
المرّة الأخيرة التي كانت فيها انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان ملفاً لبنانياً، كانت في انتخابات العام 1970، بعد ذلك تحوَّلت الانتخابات إلى استحقاق عربي ودولي، من انتخاب الرئيس الياس سركيس، في ظلّ صراع بين «أبو عمار» وحافظ الأسد، إلى انتخاب بشير الجميل، في ظلّ صراع أميركي إسرائيلي من جهة، وسوري سوفياتي من جهة ثانية، إلى انتخاب أمين الجميّل كاستمرارية لظروف انتخاب بشير الجميل، إلى انتخاب رينيه معوض في ظلّ تقاطع أميركي سعودي سوري فاتيكاني، مع بكركي، وفرنسي، إلى الياس الهراوي كاستمرارية لظروف انتخاب رينيه معوض، إلى إميل لحود كمطلب سوري وموافقة أميركية، إلى ميشال سليمان، كحصيلةٍ لمؤتمر الدوحة، إلى ميشال عون كتقاطع إيراني سوري أميركي وتسويات داخلية.
في كل ما سبق، لم تملك بكركي حقّ الفيتو ولا حق الاقتراح، وبلغ بها الأمر عدم القدرة على الضغط لفتح المجلس لانتخاب رئيس.
فهل مجدُ لبنان أعطي لغيرها؟
جان الفغالي- نداء الوطن