شبلي لموقعنا ضمن فقرة “من أهل البيت”: لمَنْ سنُهدي “إنتصاراتنا المزعومة”؟!

نحن لا ندّعي التكريم أو التبجيل في فقرتنا “من أهل البيت”.. بل نوجّه تحية وكلمة شكر لأهل مهنة المتاعب.. فننحني إجلالاً أمام قدير نتعلّم منه.. ونصفّق لزميل برع وأجاد ونجح.. ونحاول أن نسلّط الضوء على مغمور علنّا نكون باب عبور.. من صنّاع الخبر والرأي إلى الجمهور والقرّاء..

ننقل إليكم خبرات أجيال متنوّعة ونستقرئ آراءهم في واقعنا الإعلامي.. السياسي.. الفني.. أو الاجتماعي.. عارضين لواقع مهنة المتاعب بعدما أصبحت “صناعة الخبر” لا تحتاج لأكثر من هاتف.. بينما الخبر اليقين يناضل من أجله الصحافي الحقيقي.. واللقاء اليوم مع الباحث والكاتب السياسي المخضرم الصديق ياسين شبلي.

*********************

ياسين شبلي لموقعنا: *أسلوبي نقدي تحليلي موضوعي وبعيد عن الحقد السياسي أو الإيديولوجي
*عُقَدْ لبنان سببها العُقد التي تحكّم الطوائف وحلّها بالدولة المدنية العلمانية
*أنصار “محور الممانعة” يعيشون اليوم وهماً ونكراناً للواقع بانتصاراتهم
*إلى الشيعة اقول “تخلّوا عن القوقعة المذهبية، والغرور الناجم عن فائض القوة”
*”السيّد” يحمّل لبنان ما لا طاقة له عليه… والتاريخ يحكم
* لم أتعرّض للترهيب في بيئتي … وأتحاشى النقاش السياسي لاختلاف المنطلقات الفكرية

                                                                        ************************

من مغترب أمضى ردحاً طويلاً من السنوات خارج الحدود اللبنانية.. لكن حب الوطن متجذّر فيه إلى أعماق الأعماق..
يعشق كل تفصيل لبناني.. كالطفل الذي فصلته عن أُمّه وأرضه وعائلته.. ورغم ذلك يعود ويعود إلى وطنه مرة واثنتين وثلاث في عام واحد.. ليرتوي من هوائه..
يعيش مأساة المغترب المنفضل جسداً عن وطنه وأسرته الكبيرة والصغيرة.. يكدّ ويعمل ويتعب.. بينما أبناؤه كبروا بعيداً عن عينيه.. ليكفل لهم مستقبلاً لا يدمّره زعماء المحاور..
من رجل أعمال لبناني غارق في أعماله “الإفريقية”.. إلى كاتب وباحث ومحلل سياسي متبحّر بيوميات وطنه وشغوف بلبنانيته التي لا يسمح أن تغيب عنه ولو شاردة منها..

بمناسبة توقيعه كتاب “الشيعية السياسية: عقدة المظلومية وولاية الفقيه” كان لنا هذا الحوار الشيّق معه قبل مغادرته لبنان.. حيث وجّه مجموعة أسئلة إلى “بيئته الشيعية الصامتة”.. والتزم الصمت تجاه الآخر الشيعي الملتزم!!

حاورته رئيس التحرير إيمان أبو نكد:

*من رجل أعمال إلى باحث وكاتب سياسي، فما الذي ربط العالمين ببعضهما البعض في شخصية باسين شبلي؟!

– … كشف شبلي أنّه كثيراً ما يطرح عليه هذا السؤال، لافتاً إلى أنّه شخصياً لطالما طرحه على نفسه، لكن لم يجد له جوابا إلا كونه مواطناً لبنانياً عادياً مغترباً عن وطنه منذ منتصف السبعينيات، أي مع إرهاصات الحرب الأهلية، التي “أعتقد أنّها كانت الحافز لي على المتابعة السياسية اليومية خاصة أنّني ومنذ صغري أتمتّع بشغف قراءة كل ما يقع بين يدي من كُتُب أو مجلات وصحف، ومع اندلاع الحرب كان من الطبيعي أن أتابعها في اللقاءات مع الأصدقاء في المهجر، حيث كنّا نجتمع حول المذياع خاصة “إذاعة لندن”، حيث لم تكن الفضائيات موجودة آنذاك، وحتى الصحف والمجلات كانت تصل إلينا بعد أكثر من شهر على صدورها”.

هكذا وفي العام 1978، انطلق المشوار، خاصة مع بدء انتظام وصول مجلة “الوطن العربي” الأسبوعية، الصادرة في باريس، إلى ساحل العاج حيث أقيم، فسارعت إلى الاشتراك بها، كي أضمن وصولها لي أسبوعياً، ثم استهوتني فكرة التعبير عن رأيي في باب “بريد القراء”، حيث نُشِرَتْ أوّل مقالة لي – من عدّة أسطر على ما أذكر – وكان وقعها طيّباً في نفسي، خاصة أنّني ما زلتُ بعمر الـ16 عاماً تقريباً، وهكذا كانت بداية تجربتي مع الكتابة السياسية .

*أولاً مبروك توقيع كتابكم الثاني “الشيعية السياسية: عقدة المظلومية وولاية الفقيه” ، ولكن ما قصة “العِقدة” في عنواني الكتابين، وكيف ولدت فكرتهما؟
– بالنسبة للكتاب الصادر حديثاً، سبق وأصدرتُ خلال العام الماضي كتاباً أوّل عن “المارونية السياسية وعقدة الإصلاح والرئاسة لديها”، وهو كما الإصدار الحالي عن “الشيعية السياسية وعقدة المظلومية لديها”، مجموعة من المقالات التي نُشِرَتْ في موقع “جنوبية” الإلكتروني، تناولت فيهما (الكتابين) بأسلوب نقدي تحليلي – أزعم أنّه موضوعي وبعيد كل البُعد عن الحقد السياسي أو الإيديولوجي- ممارسات “الثنائي الماروني” في الأوّل، و”الثنائي الشيعي” في الثاني، وتأثير هذه الممارسات على الوضع اللبناني العام، الذي كان لهما خاصة في السنوات الأخيرة، اليد الطولى مع الآخرين بالطبع، في ما وصل إليه الوضع اليوم من انهيار، ومن باب الموضوعية، وكي لا نُتّهم بأنّنا منحازون لطرف ضد آخر ومن باب “الميثاقية”، كان الكتاب الثاني وقد يتبعه ثالث عن السنية السياسية بالطبع.

غنّي عن القول إنّ تعبير المارونية أو الشيعية أو السنية هنا هو تعبير سياسي ولا يعني الطائفة كطائفة ببُعدها الديني أو الوطني، أما تعبير العقدة في الكتابين، فهو “مقصود” لأنّني أعتقد بأنّ عُقَدْ لبنان للأسف تأتي من العُقَد التي تتحكّم بكل طائفة من طوائفه، وهي عُقَد لن يحلّها برأيي المتواضع، إلا التوجّه إلى دولة مدنية علمانية، يتساوى فيها المواطنون أمام القانون، والقانون فقط، بعيداً عن التدخّلات الطائفية، التي تستجلب الاستفزاز والتعصّب لكل طرف بمواجهة الطرف الآخر، مع الحفاظ على خصوصيات كل طائفة واحترامها داخل الفضاء العام اللبناني.

مع العلم أنّ الكتاب صدر عن مؤسسة “ألف ياء” للنشر، وكان من ضمن معروضاتها في المهرجان اللبناني للكتاب، الذي تنظّمه “الحركة الثقافية في أنطلياس”، وسنسعى ليكون في متناول القرّاء قريباً سواء في المكتبات أو المنصات المخصصة للتوزيع، حيث سيتم الإعلان لاحقاً عن التفاصيل .

*ما بين زمن الخيبات (الذي أشرت اليه في كتابك) وزمن الانتصارات الذي يتباهى به محور الممانعة.. الحق مع مين؟!
– من الطبيعي أنْ يكون تقييم كل شخص لتجربته في الحياة بحسب الهدف الذي كان يود تحقيقه، فهدف جيلنا كان ولا يزال “لبنانياً” قيام دولة العدالة والمواطنة، و”عربياً” الوحدة العربية وتحرير فلسطين، لكن كانت أولى الخيبات في اغتيال “المُعلّم” كمال جنبلاط، وهزيمة المشروع الوطني الذي تجسّد في البرنامج السياسي المرحلي للحركة الوطنية اللبنانية، وبعدها كان الاجتياح الإسرائيلي الأوّل عام 1978، حين احتُلَّ جزء من الجنوب، ومن ثم الخيبة الكبرى، مع الاجتياح الصهيوني الثاني الذي وصل إلى بيروت “أم العواصم” عام 1982، ومن ثم زلزال “14 شباط” الذي أطاح بما تبقّى من الحلم، وصولاً حتى يومنا هذا، وما يكابده الشعب اللبناني من نكبات ومآسٍ لا ينكرها إلا كل مكابر ومنفصل عن الواقع.

عربياً، كانت النتيجة خلافات وصراعات بين الأنظمة، زيارة السادات للقدس والحرب العراقية – الإيرانية وتداعياتها، الاجتياح العراقي للكويت الذي أورث المنطقة الكثير من المشاكل، وهكذا أرى أنّ جيلنا كان جيل الخيبات؛ أما ما يراه البعض بأنّنا في زمن الانتصارات، وغالبيتهم من أنصار “محور الممانعة”، فهم من وجهة نظري في وهم ونكران للواقع، لاسيما أنّ عواصم الدول التي يسيطر عليها هذا المحور تقبع في أسفل قوائم المؤشّرات العالمية في كل المجالات سواء في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن للأسف، فأين هي الانتصارات؟ وما هي وظيفتها؟ وما حاجتنا إليها إنْ لم تخدم الشعوب وتساهم في تنميتها على كل الصعد؟!

* ما هي الأسئلة المُلحة التي يوجهها “أبو رامي” إلى أهل الجنوب عموماً، والشيعة خصوصاً؟
– هي في الحقيقة ليست أسئلة بقدر ما هي دعوة للأكثرية الشيعية الصامتة للعمل بجد من أجل العودة إلى “الأصالة الشيعية الوطنية العروبية”، بعيداً عن سياسة المحاور في المنطقة، التي دفع لبنان والشيعة بشكل خاص ثمناً باهظاً بسببها. لن أغوص كثيراً في التاريخ، بل أدعو للعودة إلى تعاليم السيد موسى الصدر الوطنية، ووصايا الشيخ محمد مهدي شمس الدين، التي تدعو الشيعة للاندماج في مجتمعاتهم الوطنية بعيداً عن القوقعة المذهبية، وبعيداً عن الغرور الناجم عن فائض القوة، التي إنْ وُجِدَت فيجب أنْ تُستثمَر في خدمة الوطن بأسره، عبر الانفتاح على الآخر والمشاركة الإيجابية في بناء المجتمع والوطن. وإذا كان لا بد من سؤال فهو السؤال الشهير لوليد جنبلاط: إلى أين؟، ولمَنْ سنُهدي هذه “الانتصارات المزعومة”؟!

*بأسطر قليلة ماذا يمكن أنْ يقول الباحث ياسين شبلي عن السيد حسن نصرالله؟!
– على المستوى الشخصي لا شك في أنّ السيد حسن نصرالله رجلٌ مميّزٌ وذو شخصية “كاريزماتية” قلَّ نظيرها، وهذه الميزة تُمثِّل جزءاً لا يتجزّأ من المعركة التي يخوضها الرجل سواء في الداخل اللبناني بمواجهة الخصوم، أو على مستوى المنطقة بمواجهة الأعداء. على المستوى السياسي لا يختلف إثنان بأنّه لعب ويلعب دوراً مؤثّراً، وقد يكون مصيرياً في لبنان والمنطقة، وهو دور نابع من الثقل الجماهيري، الذي يُمثّله “حزب الله”، الذي توسّع دوره تحت قيادته المستمرّة منذ أكثر من 30 عاماً، كما من الدعم الذي توفّره له حاضنته الإيديولوجية إيران. هذا الدور نحن نختلف معه حوله، ونرى في بعض جوانبه خطراً على لبنان، من حيث إنّه يحمِّل لبنان من الأعباء ما لا يُطاق داخلياً وخارجياً.. والتاريخ يحكم.

*هل تعرّضت من بيئتك – لأنك نوعاً ما مختلف عنهم – للظلم، المحاربة، الإلغاء، أو حتى إلى ضغوطات وقمع واعتراضات؟!
– صِدقاً لم أتعرّض – حتى الآن على الأقل – لأي مُضايقات أو تهديدات سواء مباشرة أو غير مباشرة طيلة هذه السنوات، لكن الأمر لا يخلو من بعض النقاشات الحادّة مع بعض الأصدقاء الذين يجدون صعوبة في تقبل الرأي الآخر، وأتحاشى النقاش السياسي مع الكثيرين لاختلاف المنطلقات الفكرية والسياسية بيننا، ولعدم قدرتهم على تفهّم أنّ الخلاف في الرأي هو حق طبيعي لكل إنسان، ولا يجب أنْ يُفسِد للود قضية، فتقتصر الأحاديث على العموميات.

خاص Checklebanon
رئيسة التحرير: إيمان ابو نكد
مدير التحرير: مصطفى شريف

مقالات ذات صلة