الوجود الأميركيّ على شاطئ غزّة “منصّة” سياسيّة بوظائف عدّة… أمنيّة واقتصادية؟

ميناء عائم على شاطئ غزّة لاستقبال المساعدات الإنسانية؟ ما وراء البدعة التي أعلنها الرئيس الأميركي جو بايدن في ظلّ الوضع الكارثي في غزّة؟ قفزت إلى خيال كثيرين أسئلة مشروعة. وأطلقت تكهّنات حول الأهداف من ورائها. فهي جاءت مع انتشار صور المجاعة من شمال القطاع إلى خان يونس ورفح، والإجراءات الإسرائيلية تجاه الصلاة في المسجد الأقصى. فهل هي دعائية في شهر رمضان المبارك؟ هل هي سياسية تتّصل بخلافه مع بنيامين نتنياهو؟ أم بالتخطيط لليوم التالي في القطاع؟ أم هي أمنيّة أم اقتصادية…؟

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة في خطاب حالة الاتحاد أنّه وجّه “الجيش الأميركي لقيادة مهمّة طارئة لإنشاء رصيف مؤقّت في (البحر الأبيض) المتوسط على شاطىء غزّة”. الهدف “استقبال السفن الكبيرة التي تحمل الغذاء والماء والدواء وملاجئ مؤقّتة”، في إطار المساعدات الإنسانية لأهل القطاع.

لم يكن منطقياً أن تلجأ الدولة العظمى إلى مثل هذه الوسيلة الالتفافية المكلفة بالوقت والمال لنقل المساعدات الإنسانية إلى غزّة. “نيويورك تامز” نقلت عن مصادر البنتاغون أنّ سفينة انطلقت لبدء إنشاء المنصّة العائمة الذي يستغرق أسابيع. والبعض توقّع شهرين على الأقلّ كي تكون جاهزة.

منسّقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في غزّة سيغريد كاغ دعت إلى “تنويع طرق الإمداد البرّية لأنّها الأمثل، والأسهل والأسرع والأرخص. نعلم أنّنا بحاجة إلى مواصلة إيصال المساعدات الإنسانية لسكّان غزّة لفترة طويلة من الزمن”.

الوظيفة الداخليّة للمنصّة والخلاف مع نتنياهو

إذاً هناك وظيفة أخرى مفترضة خلف هذا القرار دعا مراقبون إلى البحث عنها. توزّعت قراءة الباحثين على الاحتمالات الآتية:

تعدّدت الأهداف السياسية التي يمكن للإدارة الأميركية أن تتوخّاها من الخطوة:

– أفرد بايدن مساحة أثناء تناوله حرب غزّة للوضع الداخلي ثمّ الانتخابات الرئاسية متحدّثاً بنبرة قويّة، متوقّعاً فوزه فيها. يرمي تركيزه على المساعدات الإنسانية للقطاع إلى تبديد الانتقادات في صفوف الحزب الديمقراطي، ولا سيما الشباب، لانحيازه لإسرائيل التي تمنعها. أراد إظهار تصميمه على إيصالها بشكل مستقلّ عن إسرائيل، وبالوسائل العسكرية الأميركية لإظهار قوّته إزاء اتّهامه بالضعف حيال إسرائيل. وجهة النظر هذه تعطي وظيفة داخلية انتخابية للإصرار على بناء المنصّة العائمة على شاطئ غزّة. بهدف إرضاء الناخبين ومنع اتّساع رقعة “غير الملتزمين” بالتصويت له. هؤلاء ازداد عددهم في ولايات حيث للحزب الديمقراطي نفوذ، ولأصوات العرب تأثير فيها. وصور أطفال يموتون بفعل المجاعة تنشر في وسائل إعلام أميركية وغربية. إلا أنّه أعقب خطابه ارتفاع في نسبة التمويل لحملته الانتخابية بـ10 ملايين دولار في غضون 24 ساعة.

– في وقت لا يقتنع متابعون عرب بتأثير المأزق الذي بلغته العلاقة الأميركية الإسرائيلية على ممارسات إسرائيل الدموية في غزّة. تزامن قرار بايدن مع خروج خلافه مع نتنياهو إلى العلن. في المقابلة التي أجراها في اليوم التالي لخطابه، مع محطة MSNBC”” اعتبر تسليح إسرائيل لدعمها ضدّ “حماس” خطاً أحمر. ورأى أنّ اقتحام الجيش الإسرائيلي رفح خطّ أحمر أيضاً. “نيويورك تايمز” ألمحت إلى مفارقة بين تسليح إسرائيل وتقديم المساعدات الإنسانية على شاطئ غزّة. فهو اتّهم نتنياهو “بالعمل ضدّ مصلحة إسرائيل” عبر استهداف جيشه المدنيين وإعاقة وصول المساعدات.

– نسب موقع “أكسيوس” الإخباري لمسؤولين في البيت الأبيض والخارجية قولهم إنّ نتنياهو كان “قليل الوفاء” على الرغم من الدعم “غير المسبوق الذي تلقّته إسرائيل واشنطن بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول)”. السبب عدم تجاوبه مع مشروع بايدن لدفع “صفقة” التطبيع السعودي مع إسرائيل مقابل الوعد بحلّ الدولتين. فقد سارع نتنياهو إلى رفضه وأحبط الفكرة التي ترى بعض وسائل الإعلام الأميركية أنّها تبتعد كلّ يوم. من أهداف بايدن عبر أوامره بإقامة المنصّة العائمة على شاطئ غزّة أن يظهر للدول العربية. التي تتّهم واشنطن بمسايرة نتنياهو. أنّه جادّ في إيصال المساعدات الإنسانية التي تلحّ عليها في كلّ مواقفها، بالتزامن مع شهر رمضان.

ماذا عن الأهداف الأمنيّة؟

في الأغراض الأمنيّة السياسية للميناء العائم نعدّد الآتي:

– التمهيد لدور أميركي أمنيّ سياسي في مرحلة ما بعد الحرب. والأمر يتّصل بالدعوات الأميركية المتكرّرة لإسرائيل إلى الكفّ عن استهداف الشرطة في غزّة على الرغم من أنّها تابعة لـ”حماس”. فواشنطن تريد الحفاظ على هذا الهيكل الأمنيّ من أجل ضبط الأوضاع في القطاع بعد أن تضع الحرب أوزارها.

– مع أنّ الرئيس الأميركي شدّد على أنّه “لن تكون هناك قوات أميركية على الأرض”، فإنّ وجود جنود أميركيين قرب الشاطئ الغزّيّ يقرّب هؤلاء من جغرافيا القطاع. مرحلة إدارة الوضع الأمني فيه في “اليوم التالي” سبق أن طرحت أمامها فكرة إرسال قوات دولية، أو عربية بغطاء دولي. وقد رفضتها إسرائيل كلّياً. فهل تطعيمها بقوات أميركية مع جنود من دول حليفة يوجب التحايل على الفكرة من الباب الإنساني؟ وهل هذا يتيح الضغط على إسرائيل كي توافق على إدارة دولية عربية للقطاع؟

البيان الذي أعلن عن الممرّ البحريّ للمساعدات من قبرص ضمّ المملكة المتحدة، المفوضية الأوروبية، قبرص، الإمارات العربية المتحدة، الولايات المتحدة، ألمانيا، اليونان، إيطاليا، وهولندا.

الدور الاقتصاديّ المحتمل لأميركا

لواشنطن اهتمامات اقتصادية عميقة في الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بالمنافسة مع الصين والوجود الروسي. وفي سياق التفتيش عمّا يمكن أن يخبّئه قيام المنصّة البحرية الأميركية طُرحت الاحتمالات التالية:

– سأل البعض: هل من علاقة بين الوجود الأميركي على الشاطئ الغزّي وبين مستقبل التنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة الفلسطينية؟ فاكتشاف إمكانيات استخراج الغاز وضع هذه المنطقة تحت مسؤولية السلطة الوطنية الفلسطينية لا “حماس”.

– يرى المتابعون لمستقبل الطاقة في المنطقة أن لا علاقة لخطوة بايدن بمسألة التنقيب عن الغاز بذاته… بقدر ما يمكن أن تكون على علاقة بالإشراف على سوق الطاقة. تصريف الغاز الفلسطيني وإدارة تسويقه وبيعه قد تتطلّب إدخاله في نظام تسييل الغاز والتصدير المصريَّين عبر معملَي تسييل الغاز على الأراضي المصرية. والغاز الغزّي هو الأقرب إلى المعملين المصريَّين. والغاز الإسرائيلي يتمّ تسييله في مصر.

– ذهبت تقديرات البعض إلى الربط بين الوجود الأميركي على الشاطئ الغزّي وبين المشاريع الاقتصادية السياحية لشرق البحر الأبيض المتوسط. بعد مشروع “رأس الحكمة” بين القاهرة وأبوظبي على الشاطئ المصري. وكلفته عشرات مليارات الدولارات. وقد يؤدّي هذا المشروع إلى ربط الشاطئ الغزّي به.

وليد شقير- اساس

مقالات ذات صلة