انتخاب رئيس للجمهورية يحتاج واحد من ثلاثة مستحيلات!

لن تكون هناك انتخابات رئاسيّة قريبة، في لبنان. “حزب الله” لم يكن، قبل “طوفان الأقصى” في هذا الوارد، ولن يكون في أثنائها، كذلك، إلّا إذا أُعطي له ما يُريد منها، بموافقة داخلية وإقليمية ودولية.

لا شيء يمكن أن يدفع بـ”حزب الله” الى التنازل عن المواصفات التي وضعها لمن يمكن أن يشغل القصر الجمهوري، فهو يريد ضمان الإستمرار بالإمساك بالسيادة اللبنانية، حتى يبقى رائدًا في “جبهة المقاومة”.

هو لم يفتح جبهة الجنوب اللبناني ويُقحمها في حرب، ليضعف في الداخل بل ليقوى، ولا يقدّم خسائر من أجل أن يتقهقر بل من أجل أن يتعزّز.

وهذه حقيقة يُدركها الجميع، وجلّ ما يمكن أن يفعله الآخرون، سواء كانوا دولًا أو قوى سياسية محليّة، هو الصمود في وجهه.

“الخماسيّة الدوليّة” التي كلّفت نفسها إنجاز الإستحقاق الرئاسي، تُدرك حدودها، وتتصرّف على أساسين: إبقاء لبنان على جدول الإهتمام الإقليمي والدولي،
و”الإستمراريّة” ولو في ظل العجز عن “الحسم”.

و”الإستمراريّة” مهمة بالنسبة لهذه “الخماسية” التي تضم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، لأنّه لما أنّها تملك الأكثرية المطلقة في المجلس النيابي، من خلال صداقاتها مع القوى السياسية والنيابية، عليها أن تحافظ على هذه الأكثرية المطلقة حتى يحل زمن القرار الذي لن يكون منفصلًا عن تسوية كبرى.

والتسوية الكبرى تفترض أن يدخل على الخط من يتحكمون بالنصاب الرئاسي، المؤلف من ثلثي مجلس النواب اللبناني. وهذا النصاب هو بيد “الثنائي الشيعي” داخليًّا، وبيد الجمهورية الإسلامية في إيران، خارجيًّا.

وحتى تاريخه، لا شيء يوحي بتوافق لبناني بين مالكي الاكثرية المطلقة والمتحكمين بالنصاب. هم، وفق ما يؤكده ظاهر الحال وما يتم تسريبه من الكواليس، على خطي نقيض. الأكثرية المطلقة مستعدة، منذ اليوم الأوّل لانتخاب رئيس بالتوافق. “النصابيّون” مصرّون منذ اليوم الأوّل على تحقيق الإنتصار.

الرغبة بالإنتصار تمتلك دائمًا من يشعر أنّه الأقوى. و”حزب الله” يتصرّف مع نفسه ومع الآخرين على أساس أنّه الأقوى. وبالنسبة للأقوى، لا ضرورة للمساومة، لأنّه لا مجال للخسارة.

إنّ “حزب الله” لا يرى أنّ هناك قدرة لأحد على إلحاق هزيمة به. إذا ضعفت الدولة ازدادت قوّته، لأنّه، وحتى اللحظة التي يُحكم فيها سيطرته الكاملة، وبالدستور، على الدولة، ستبقى هذه الدولة منافسًا له.

وهو، على سبيل المثال لا الحصر، حين قرّر فتح جبهة الجنوب وضمّها الى “طوفان الأقصى”، إستفاد من عوامل انهيار الدولة: تمّ تغييب الجيش اللبناني فغابت معه “اليونيفيل” المرتبطة به. لم يخرج صوت اعتراضي واحد في السلطة، على مصادرة قرار الحرب، لأنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إذا تفوّه بما لا يُرضي “حزب الله”، تحوّل الى “خيال صحراء”، إذ إنّه حينها يستحيل على مجلس الوزراء الإجتماع، فإنتاجيّة حكومته مرهونة، إذن برضى “حزب الله”. في هذا الوقت، لا يجد الموفدون الدوليّون محاورًا لهم في لبنان، من أجل وضع حدّ لحالة الحرب على الجبهة الجنوبيّة، لأنّ وهن السلطة الشرعية حوّلها الى “صندوق بريد” بين الوسطاء من جهة و”حزب الله” من جهة ثانية.

والحالة هذه، لا شيء يمكن أن يدفع بالقوة التي تضع يدها على روح الدولة، أي على سيادتها، أن تتنازل للآخرين، خصوصًا إذا كانت لا تأبه لا بالرفاهية ولا بالحياة. ويكفي للمراقب أن يتّأمّل بوضعية اللبنانيّين في الجنوب، قتلًا ودمارًا ونزوحًا وفقرًا، ويقارنها مع فخر “حزب الله” و”مرجلاته” و”سعادته”، حتى يعرف أنّ “الجزرة” حرام في عقيدة “حزب الله”.

إنّ الإنتخابات الرئاسية، حتى تحصل، يجب أن يتوافر لها واحد من ثلاثة مستحيلات، حاليًّا: توازن القوى، بحيث لا يعود “حزب الله” يتصرّف على قاعدة أنّه الأقوى، أو انتفاضة شيعيّة، من أجل الرفاهية والإستقرار والأمان، أو تحويل الجزرة التي تلوّح بها “الخماسيّة” الى عصا!

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة