عقوبة صغيرة لرونالدو وكبيرة للدوري السعودي!

قد تكون العقوبة التي تعرض لها النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو من لجنة الانضباط والأخلاق في الاتحاد السعودي لكرة القدم، رمزية وشكلية وصورية، لكنها في الواقع أثارت الجدل ليس محلياً فقط بين أنصار النصر ومنافسيهم، بل أيضا فتحت الباب على أكثر من سؤال شائك وربما محرج.

لجنة الانضباط السعودي أوقفت رونالدو لاعب النصر مباراة واحدة وغرّمته 30 ألف ريال (8 آلاف دولار)، منها 10 آلاف للاتحاد الكروي و20 ألفاً لنادي الشباب، بسبب «إثارة» الجماهير، خلال فوز فريقه على الشباب الأحد الماضي. والفعل أو «الاثارة» قد يكون عملاً صبيانياً لم يمتد الا لثوان معدودات، فعقب اطلاق الحكم صافرة النهاية، توجه النجم البرتغالي إلى مدرجات جماهير الشباب الذين هتفوا اسم النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي طوال المباراة، فقام بوضع يده على اذنه في اشارة إلى عدم تمكنه من سماعهم، قبل أن يقوم بحركة غير اخلاقية بيده اليمنى، ما دفع إدارة الأخير لتقديم شكوى لدى لجنة الانضباط. وفعلا لم يشارك رونالدو في مباراة الحزم التي تعادل فيها النصر مع صاحب المركز قبل الأخير 4-4 في مباراة أهدر فيها وصيف المتصدر نقطتين أغضب فيها جماهيره.

وفي حين برر رونالدو فعلته، عبر ما اعتبره البعض اعتذاراً منه، بافادة مضمونها «احترم كل الأندية… والحركة الصادرة في اللقطة تعبر عن القوة والانتصار، وليست مشينة، واعتدنا عليها في أوروبا»، فانه فتح الباب على مصراعيه للتفكير في نجاعة مشروعه، بل اعتبر مشكلة أكبر للسعودية كون العقوبة وتبرير رونالدو لفعلته كانا بمثابة اثارة للسخرية في العالم الغربي، فالعقوبة ليست رادعة مطلقا، وايقافه مباراة واحدة بمثابة راحة لجسده في مباراة في المتناول، أما الغرامة المالية، فبعملية حسابية فانها ستتطلب منه جهد 20 دقيقة فقط من يوم واحد لدفع قيمة الغرامة، قياسا بمداخيله الفلكية، والمعروف انها تفوق 200 مليون دولار سنوياً. وحتى افادته بان هذه الحركة المشينة «اعتدنا عليها في أوروبا»، فهذا الأمر غير صحيح بالمطلق، حيث ان أي ايماءة أو اشارة أو احتكاك من لاعب الى الجماهير، خصوصا بحركات مستفزة، فانها عادة تقود الى عقوبات رادعة.

المشكلة ليست في حركة «غير مقبولة» من نجم عالمي، في دوري يسعى جاهداً الى جذب العيون والاهتمام العالمي، بل كونها جاءت من ما يعتبر الأكبر في عالم كرة القدم، والانكى أنها ليست المرة الأولى، ولا حتى الثانية، لكن هذه المرة الثالثة التي يقوم فيها رونالدو بحركة مشينة للجماهير المنافسة، فالمرة الأولى فعلها بعد شهور على قدومه، وتحديداً في ابريل/نيسان 2023 عندما سمع جماهير الهلال تهتف مجدداً باسم ميسي، فقام بحركة مشينة خادشة للحياء أثناء خروجه من الملعب ودخوله نفق اللاعبين، ومرة أخرى فعلها قبل أسابيع، اذ في التاسع من شباط/فبراير الماضي وبعد خسارة النصر أمام الهلال 0-2، ألقى مشجعو الهلال قميص الفريق على الأرض، فالتقطه البرتغالي ووضعه داخل سرواله ثم عمد إلى رميه نحو المدرجات اثناء عودته إلى غرفة تبديل الملابس. وفي عدة مناسبات، غادر الملعب غاضبا، كما كانت الحال العام الماضي عندما ركل زجاجة ماء وقام بإيماءات غير اخلاقية بعد الهزيمة أمام الاتحاد.

اذا كان هذا هو النجم «الجوكر» الذي يسعى الدوري السعودي معه الى القفز الى مصاف العالمية، فللأسف أقول أن الأمر يحتاج أكثر من ذلك، ولا أعني المزيد من النجوم، بل المزيد من الاحترافية والجدية، فبعد مرور سنة ونصف السنة على قدوم رونالدو وزملائه النجوم الى دوري «روشن»، هل حقاً زادت المشاهدات والاهتمام بهذا الدوري، فرغم ان مساعد وزير الرياضة السعودي، رجاء الله السلمي، كشف أن نحو 40 قناة تلفزيونية تنقل الدوري السعودي لأكثر من 182 دولة، وأوضح أن الدوري السعودي يحظى بكثير من الاهتمام ليس في المملكة والشرق الأوسط فحسب، بل في العالم. ولو افترضنا أن هذه المعلومات دقيقة، هل حقاً هناك متابعات للمباريات ولمنافسات الدوري، أم هي متابعة فقط لما يفعله النجم ويكفي ملخصاً لأهدافه، بل ربما يكفي معرفة النتيجة على الانترنت لاشباع الاهتمام، والسبب في ذلك أن الدوري ما زال في مرحلة التكوين والتشكيل، والصراعات وحماواتها، هي نفسها التي نعرفها حتى قبل قدوم رونالدو، وبسبب فقدان التوازن وعدم القدرة على دعم كل الفرق بمبالغ متساوية، هذا يقود عادة الى الخلل وفقدان شرارة انجاح المنافسة الشرسة بين كل فرق الدوري، وهو ما قاد مدرب المكافح الوحدة، اليوناني جورجوس دونيس الى الخروج عن صمته، حيث تطرق الى أزمات إدارية يعاني منها الفريق. ووصف الوضع المادي في الوحدة بـ«السيئ» لافتا إلى أن آخر راتب حصل عليه الفريق كان في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ومنذ ذلك الحين لم يحصل أحد على راتبه، مشيرا إلى عدم وجود مكافآت فضلًا عن افتقار النادي لمنشآت أو أدوات لتحسين مسيرة الفريق.
نجاح الدوري السعودي عالمياً بحاجة الى وقت، والكثير منه، لكن أيضاً بحاجة الى جدية في فرض القوانين والمساواة في تقسيم المخصصات لخلق منتج متوازن يكتسب بمرور الوقت قوته من تنوعه وليس من شعبية نجومه وحسب.

خلدون الشيخ- القدس العربي

مقالات ذات صلة