الموت المتواصل هو المبدأ والمبتدأ والخبر: المقابر مفتوحة… حتى إشعار آخر
وقف إطلاق النار في قطاع غزة لا يزال مستبعداً، في حين تتواصل جرائم إسرائيل ضد المدنيين. المشهد بشع ومخيف مع اصطياد أبرياء تدافعوا ليحصلوا على خبزهم كفاف يومهم في جنوب القطاع. المشهد بشع ومخيف، لأنّ رهان الممانعة على حصد انتصارات ما بعد «عملية الأقصى» يتساقط تحت وطأة الضربات الإسرائيلية القاضية، كما أنّ كل الجهود للتوصل إلى هدنة لا تزال متعثرة. لم ينفع الصمود ولا التصدي ولا توحيد الساحات ولا الرأي العام الدولي لإنهاء حرب الإبادة بحق الغزاويين.
وبحرقة قلب، لا بد من الإقرار بعجز الممانعة عن الحسم حيال الإمعان الإسرائيلي في ارتكاب المجازر، وكأنّها تنتحر جراء الإصرار على مواجهة غير متكافئة. ففي حين تملك الدولة العبرية وسائل صمود مواطنيها، فلا تضطرهم إلى التدافع نحو شاحنات الغوث والمساعدات، وتعمد إلى اجلائهم عن المناطق الساخنة وتخلي المستوطنات الحدودية وتؤمن لهم أماكن إقامة بديلة ولائقة وملاجئ تحميهم، وتُفعِّل دوي صفارات الإنذار لتنبيههم إلى الأخطار المحتملة جراء قصف مناطقهم، لا تملك فصائل الممانعة، سواء في جنوب لبنان أو في القطاع صفارة إنذار واحدة أو ملاجئ منيعة وآمنة، أو أي وسيلة لحماية المدنيين الذين يعيشون خطراً وقهراً يفوق ما عاشوه منذ العام 1948.
فالرهان على استغلال فظاعة ما ترتكبه إسرائيل لتغيير المعادلات يتهاوى، كما تتهاوى محاولات الاستنهاض وضخ المعنويات. وليس انتصاراً التباهي بأنّ صفارات الإنذار في المستوطنات دوّت، وأنّ الحكومة الإسرائيلية صادقت على تمديد إخلاء المستوطنين من المستوطنات الحدودية مع لبنان وغزة، إلى شهر تموز من العام الجاري، مقابل سقوط أكثر من 100 قتيل ونحو 1000 مصاب في غزة، في حين تخطّى عدّاد القتلى 30 ألف شخص منذ عملية «طوفان الأقصى».
وفي لبنان الأمر ليس مبشراً، فعدد قتلى «حزب الله» إلى ارتفاع مستمر وبوتيرة يومية، وسقوط الضحايا من المدنيين متواصل كأضرار جانبية لا تقيم لها آلة القتل الإسرائيلية وزناً، بل تتابع إجرامها، وسع الجغرافيا اللبنانية والسورية، وتنسف المقولات التي روَّجت لها الممانعة من أنّ هناك إرادة لدى إيران، كما لدى الولايات المتحدة، بعدم توسيع الجبهة اللبنانية مع إسرائيل. فهذه الجبهة تزداد سخونة مع اعتماد إسرائيل استراتيجية التصعيد المتدرج بهدف تقليص قدرات «حزب الله»، وتدمير بنيته التحتية العسكرية واستهداف مخازن أسلحته في لبنان وسوريا.
بالتالي، يبدو أننا دخلنا في المحظور، ولم تعد سارية المفعول صلاحية طمأنة اللبنانيين بشأن عدم توسيع الجبهات مع تدفق المعلومات والتسريبات والرهانات على حركة الموفدين والترويج عبر منصات الممانعة للخطة الأميركية التي يعمل عليها المبعوث آموس هوكشتاين، مع تلميح يرجح قيام إسرائيل بعملية برية ممهدة للبدء ببحث جدي لتسوية هوكشتاين وتنفيذ القرار 1701، وترسيم الحدود، وتحرير مزارع شبعا وبلدة الغجر، والنقاط المتنازع عليها… وإلى آخره.
وحتى تتوضح الرؤية، يبقى الموت المتواصل هو المبدأ والمبتدأ والخبر، كأن الشرق الأوسط ملعون ومحكوم بالبقاء من العراق الى سوريا ولبنان وفلسطين أسير موت متواصل، تتخلله تفاهمات موقتة في انتظار جولة جديدة من دورات العنف. بالتالي، لا يهم إذا تجاوز عدد ضحايا المجازر الإسرائيلية 30 ألفاً في غزة، وإذا أفلتت الأمور من نصاب قواعد الاشتباك في لبنان لتنفجر الجبهات وتشتعل في مواجهة مفتوحة لا يعود مهمّاً من ينتصر فيها، ما دامت القوى الإقليمية والدولية بحاجة إلى مزيد من سفك الدماء حتى تحقق مصالحها وتنضج صفقاتها فتقرر أوان التوصل إلى تسويات نهائية.
وفي انتظار هذه التسويات، المقابر مفتوحة… حتى إشعار آخر.
سناء الجاك