شغور بعد سفر القائد: مرسوم تعيين اللواء عودة لن يَصدر ووزير الدفاع: Inexistant!

لم يُنشَر مرسوم تعيين رئيس الأركان اللواء حسّان عودة في عدد الجريدة الرسمية الصادر يوم الخميس الماضي. التعيين بحدّ ذاته، وإشكالية “النشر”، والتحاق اللواء عودة بمكتبه فوراً بالقرب من مكتب قائد الجيش العماد جوزف عون، جملة من الوقائع ستُثبّت رقعة الخلاف بين عون ووزير الدفاع موريس سليم على الرغم من سلّة التفاهمات “العسكرية” التي تلاقى عليها الطرفان أخيراً، وقد تفتح الباب أمام مزيد من الإشكاليات القانونية والإرباك داخل المؤسّسة العسكرية.

عَلِم موقع “أساس” أنّ وزير الدفاع لن يطعن بالقرار الصادر عن مجلس الوزراء في 8 شباط الجاري بتعيين اللواء عودة رئيساً للأركان، لكنّه سيتعاطى مع القرار كأنّه منعدم الوجود بالقانون، أي inexistant en droit، بسبب مخالفته، برأيه، للعديد من النصوص القانونية والدستورية.

 

شغور بعد سفر القائد؟

سيُرتّب هذا الواقع نتائج قد تنعكس مباشرة على أداء المؤسّسة العسكرية حيث سيتمنّع ابن المؤسّسة العسكرية الوزير سليم عن تسلّم أيّ مراسلة موقّعة مباشرة من رئيس الأركان أو بالوكالة، وهو ما يحمّل الحكومة نفسها مسؤولية عدم التحسّب لهذا الاحتمال الذي يبرّره قريبون من وزير الدفاع بأنّه خطوة قانونية مئة في المئة في مواجهة إجراء غير قانوني وغير دستوري. وقائد الجيش الذي يتحضّر للسفر إلى الخارج قريباً أبلغَه وزير الدفاع صراحةً، بعد لقاءٍ جمعهما، أنّه خلال غيابه لن يتسلّم أيّ معاملة من رئيس الأركان الذي سيكون في هذه الحال ممارساً لجميع صلاحيات القائد بالوكالة.

وزير الدفاع لن يَطعن

وفق المعلومات لم يكن الوزير سليم ليتّخذ أيّ قرار قبل صدور المرسوم في الجريدة الرسمية. لكن مع أو من دون صدور المرسوم عن مجلس الوزراء، لم يكن الطعن من ضمن الاحتمالات القائمة، حيث ذهب وزير الدفاع أبعد باعتبار القرار لم يصدر أصلاً.

حتى إنّ من ضمن الفريق القانوني للوزير من يرى أنّ من غير الجائز تقديم طعن من قبل وزير الدفاع، حيث ينحصر الأمر بالضابط “صاحب الصفة والمصلحة” الذي ليس بالضرورة أن يكون درزيّاً لأنّ هذا الأمر اعتُمد بالعُرف وغير منصوص عنه بالقانون.

تشكيلات وحلّ لـ “المحكمة العسكريّة“

يوم الخميس الماضي صدرت تشكيلات عسكرية عُيّن بموجبها العميد الركن ناجي جديداني (ضابط درزي) مكان اللواء عودة قائداً للّواء الـ11 ومقرّه عوكر، كما تمّ “تشكيل” عدّة ضباط أُلحقوا بمكتب اللواء المُعيّن.

لكنّ أهميّة هذه التشكيلات أنّها أنهت أزمة “تشكيلات” المحكمة العسكرية بين وزير الدفاع وقائد الجيش المستمرّة منذ بداية العام الحالي والتي اقتضت تجديداً مُتكرّراً لعمل الهيئات الحالية حتى نهاية شباط.

رُصِد في هذا السياق سلسلة خطوات إيجابية بين الوزير والقائد سهّلها بعض الوسطاء، وقد ترجمت بزيارة قائد الجيش لوزير الدفاع في مكتبه بناء على طلب الأخير يوم الثلاثاء الماضي، فيما يتوقّع بأن يبادر سليم بداية الأسبوع المقبل للقاء عون لاستكمال البحث في شؤون المؤسسة العسكرية وذلك ضمن سياق محاولة مشتركة للرجلين لـ “تقطيع” مرحلة التمديد بالحدّ الأدنى من التنسيق و”المشاكل”!

مسار الحلحلة بدأ فعلياً بإيعاز العماد عون في 5 شباط إلى الضبّاط المَعنيّين في المحكمة العسكرية الالتحاق بمكاتبهم بعدما كان منعهم من ذلك ردّاً على عدم توقيع الوزير جزءاً من اقتراحات التعيين الصادرة عن المجلس العسكري بسبب عدم حيازة بعضهم إجازة بالحقوق.

فتحت خطوة “القائد” الباب عمليّاً أمام الحلّ النهائي الذي تكرّس يوم الخميس من خلال التشكيلات التي ضمّت الضبّاط موضوع الخلاف بعد استكمال وزير الدفاع التوقيع على الجزء الباقي المرتبط بالقضاة المنفردين العسكريين والضبّاط الأعضاء في غرفتَي محكمة التمييز العسكرية الناظرتين بالجنايا والجنح وفق الاقتراح المرفوع من المجلس العسكري.

في المقابل، تفيد معلومات بأنّ امتحانات تلاميذ الكلّية الحربية المعلّقة على طريق الحلّ، فيما أزمة تعيين رئيس الأركان بعد تجاوز اقتراح وتوقيع وزير الدفاع لن “تقطع” بسهولة، و”الخدمات الاستشارية” لمحامي وزارة الدفاع منذ نحو 40 عاماً ناجي البستاني لا تزال سارية المفعول في “مكتب الوزير” بعد قرار الاستغناء عن خدماته في “مكتب القائد”.

لماذا لم يُنشَر المرسوم؟

ماذا عن تداعيات عدم صدور مرسوم التعيين عن مجلس الوزراء كما باقي مراسيم التعيين؟

قانوناً كان يُفترَض عند التعيين أن يَصدر عن مجلس الوزراء مرسوم منح اللواء عودة قُدماً للترقية مدّة خمسة أشهر وترقيته إلى رتبة لواء، إضافة إلى مرسوم تعيينه موقّعاً من وزير الدفاع ووزير المال ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية (أو وكالة عن رئيس الجمهورية في الحالة الراهنة)، ثمّ نشر المراسيم بالجريدة الرسمية.

وفق الدراسة القانونية للأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكّية اتخذت قرار الحكومة بالتعيين، بعد تجاوز رفع وزير الدفاع اقتراحاً بالاسم كما يفرض قانون الدفاع، إلى واقع الظروف الاستثنائية و”الحربية” ومبدأ استمرارية المرافق العامّة ونظريّة “الشكليّات المستحيلة”(Formalities impossible) وتخلّف الوزير عن القيام بواجباته، لكنّ الدراسة عينها عرضت الأسباب الموجبة لعدم صدور مرسوم التعيين عن مجلس الوزراء وفق الآتي:

– تشير الدراسة إلى أنّه “بعد صدور التعديل الدستوري عام 1990 أصبحت كلّ مقرّرات مجلس الوزراء بما فيها تلك التي تحتاج إلى صدور مراسيم تتمتّع بصفة النفاذ على اعتبار أنّ صدور المرسوم لا يتعدّى كونه إجراءً شكليّاً للإعلان عن القرار”.

– تستند دراسة القاضي مكّية إلى نصّ المادة 65 من الدستور، “وفحواها أنّ صلاحية التقرير النهائي هي لمجلس الوزراء، وأنّ هذه المادّة استخدمت مصطلحين لهما دلالاتهما: “صلاحية يُمارسها مجلس الوزراء”، و”يتّخذ مجلس الوزراء القرار”. بالتالي قرار مجلس الوزراء ليس عملاً تمهيدياً بل قرار نهائي نافذ ويُنشئ مفاعيل قانونية ويرتّب حقوقاً للمُخاطَبين به”.
تفيد معلومات بأنّ امتحانات تلاميذ الكلّية الحربية المعلّقة على طريق الحلّ، فيما أزمة تعيين رئيس الأركان بعد تجاوز اقتراح وتوقيع وزير الدفاع لن “تقطع” بسهولة

– تحدّثت المادّة 56 من الدستور، وفق الدراسة، عن “قرار مجلس الوزراء ولم يذكر النصّ الدستوري مرسوم مجلس الوزراء”. كما يشير مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء رقم 2552 بوضوح إلى “الطبيعة الإلزامية والنفاذ الذاتي لقرارات مجلس الوزراء في المادّتين 24 و28 منه”.

– تستند الدراسة أيضاً إلى التوصية التي أصدرها مجلس النواب عام 2000 في شأن الاستجواب المقدّم آنذاك من النائب نقولا فتّوش، حيث حَسَم المجلس النيابي النقاش بالتصويت بالإجماع معتبراً أنّ “قرارات مجلس الوزراء تُنشئ الحقّ والمراسيم تُعلنها”.

تبديل وزاريّ بحقيبة الدفاع!

في السياق نفسه، كان لافتاً أنّ الدراسة في سياق البحث عن الخيارات “المحتملة” لتجاوز اقتراح وزير الدفاع كرّست الدور المركزي للوزير بعملية التعيين “في الحالات العاديّة” استناداً إلى نصّ المادة 66 من الدستور.

 

أمّا في الحالات الاستثنائية فـ”لا يمكن أن تبقى الحكومة رهينة موقف الوزير”. طَرَحَ مكيّة “احتمال تبديل الحقيبة الوزارية للوزير” باعتباره عملاً دستورياً يتّخذه رئيس الجمهورية بناءً على اقتراح رئيس مجلس الوزراء. وهذا يعني لو رسا القرار على هذا الخيار لكنّا أمام المشهد الآتي: يقترح نجيب ميقاتي ويوقّع نجيب ميقاتي وكالة عن رئيس الجمهورية.

مع ذلك، سلّمت الدراسة بأنّ “أيّ حلّ مهما كان لن يتّصف بالكمال ولن يكون بمنأى عن الانتقاد وحتى الطعن”.

ملاك عقيل- اساس

مقالات ذات صلة