وسط بيروت بحضور نابض و”مناداة” بعودة سعد الحريري
يتيح إحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري متنفّساً عابقاً للمناصرين والمحازبين بهدف التأكيد على الأسس السياسية المنادية بالتمسّك في بقاء الرئيس سعد الحريري بعدما أتوا من كافة المناطق الصارخة بالحضور الأزرق وصدحوا بالأصوات المبتهلة في استحضار زمن رفيق الحريري وأكثروا المناشدات الداعمة مجيء خلفه بعد مضيّ سنة غيابيّة لم تشهد عمق متغيّرات تحوّلية في الصورة السياسية التي تكاد تخلو من تطوّرات متبلورة من ناحية استحقاقات أساسية شمولاً في انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية وبلورة الإصلاحات.
وكادت الدروب إلى وسط بيروت تختصر في الباصات والسيارات التي تحمل لافتات وصوراً مرحّبة بحضور رئيس تيار “المستقبل” إلى لبنان ومستذكرة الرئيس الشهيد، وكأنّ تعليق العمل السياسي لم يغيّر في الانطباعات الشعبية التي لا تزال نابضة بصفحات الحريريّة السياسية منذ التأسيس الذي كان له أن دشّن بداية مرحلة إعادة الإعمار والاستقرار بعد الحرب. وثمة من لا يغيب عن باله حاجة لبنان إلى استعادة مبادئ مشروع رفيق الحريري في مناسبة ذكرى استشهاده، ما اعتبر بمثابة الاستحضار الأكثر شموخاً، وفق ما نادى به حاضرون أمام الضريح، في زمن تغيّر أحوال البلد نحو قحولة اقتصادية واجتماعية ومناوشات حربيّة متأجّجة جنوباً.
لم يكن جميع المحتشدين على جهوزية تامة للأمطار الهاطلة التي فاجأت زخّاتها بعض الوافدين الذين همّوا في البحث سريعاً عن سقف خلافاً لآخرين كانوا أحضروا مظلاتٍ أو تابعوا تحت الشتاء المتسارع حيناً والمنحسر أحياناً في انتظار اللحظة المنتظرة التي يطأ فيها سعد الحريري الطريق إلى ساحة الشهداء. ولم تتأخر تلك البرهة التي تزامنت مع خفوت للمتساقطات وتراصٍّ للمنتظرين الذين طالبوا في عودة رئيس تيار “المستقبل” عن قرار اعتكاف عمله السياسي بالمعنى التقليدي. ولم تحدّ الترجيحات المسبقة بهطول أمطار سماء العاصمة بيروت من إقدام المواطنين الذين واظبوا وأتوا رغم عناء المسافات وقذاعة الطرقات في زحمة الشتاء. وعندما وصل الحضور الشعبيّ إلى الذروة كان له أن شكّل تعدّدية لافتة في الفئات المجتمعية على تنوّعها. وبعدما وصل الرئيس سعد الحريري انتهى الانتظار، وكانت له كلمة مقتضبة قال فيها إن “نبض البلد هنا فحافظوا على النبض وحافظوا على البلد، نحن معاً وأنا إلى جانبكم”. وأكّد أيضاً أنّ “كلّ شيء بوقته حلو”.
وإذا كان لا بدّ من البحث عن مميزات طبعت المشاركة في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري هذه السنة عن تلك السابقة، فإنّ المعطى الحضوريّ في ذاته شكّل قفزة عددية أكّدت على جماهيرية تيار “المستقبل” وعدم تأثّر المناصرين في الاعتكاف السياسي الذي أبقى الشعلة متقدة رغم مرور عامين. وقد تكون المحفّزات التاريخية الأكثر تحريكاً للشارع في مناسبة مفعمة بألقٍ وطني لا يموت رغم الحزن الشاحب في تفاصيلها. وازدانت الشعارات التي دعمت ضرورة عودة الرئيس سعد الحريري عن اعتكافه السياسيّ بحيوية العام الحالي، بعدما كانت منحسرة في الأشهر التالية للانسحاب ولم تكن صادحة بالصدى نفسه في المكان ذاته قبل عام. وكانت الانطباعات التي سطّرها الحاضرون أكثر أهمية من ناحية ترجيحهم عودة سياسية ممكنة في مرحلة مقبلة للرئيس سعد الحريري، خصوصاً بعد الحراك السياسي الذي رسّخه سريعاً بعد وصوله إلى بيروت في لقاءاته السياسية والمجتمعية على حدّ سواء خلافاً للاقتضاب الذي شهدته المناسبة الحضورية السنة المنصرمة.
قد تكون المكونات الشعبية المطالبة بعودة الرئيس سعد الحريري السياسية أكثر سعياً للهدف هذا العام رغم حضور تيار “المستقبل” المناطقي والنقابي، وفق ما اتضح جلياً في النداءات الجماهيرية وسط الفراغ السياسي الذي تركه الاعتكاف خصوصاً على نطاق الداعمين. هكذا طبعت ذكرى استشهاد رفيق الحريري هذه السنة آفاقاً خلال إحيائها، بما يشمل تأكيد حضور النهج التاريخي الذي أسسه الرئيس الشهيد وانتظار أن يتّخذ سعد الحريري خطوات تدريجية تسهم في العودة السياسية بعد اتضاح بعض المتغيرات خلال أيام حضوره في لبنان.
مجد بو مجاهد- النهار