“14 شباط” جديدة ترفع لبنان… الحريري: شكراً للأوفياء

كأن الذين سمعوا المفتي عبد اللطيف دريان يقول: “لا حياة سياسية في لبنان من دون سعد الحريري” احتشدوا أمس في ساحة ضريح الرئيس رفيق الحريري، لا ليقولوا فقط للراحل الكبير إن غيابك يوجعنا، ويوجع هذا الوطن المطعون في حاضره ومستقبله، بل أيضاً ليشهدوا أن البلد “مشتاق” الى سعد الحريري ليس كشخص فقط، بل كزعامة قادرة على أن تكون “بيتاً وسطاً” حاضناً لكل الخيارات الوطنية الصادقة.

“شكراً” من القلب قال سعد الحريري للذين حضروا أمس لاحياء الذكرى الـ19 لإغتيال الرئيس، الوالد، المعلم، المعمر، رفيق الحريري. ومن دون أن يكسر قرار تعليق عمله السياسه ارتقى بكلامه الى الفضاء الوطني الصادق، الأرقى من التعابير السياسية، وكأنه يعلن ولادة “14 شباط” جديدة عنوانها الوفاء والاعتدال.

طوفان بكل ما للكلمة من معنى حل ببيروت أمس، هو طوفان المحبة والوفاء من جمهور احتشد من كل لبنان وصدح بعبارات مختلفة “وحدها الحريرية تمثلنا” و”وحده سعد الحريري وريثها”.

الطوفان الأزرق بدأ باكراً صباح أمس في وقت متزامن من كل لبنان، من الشمال والجنوب مروراً بالبقاع ‏وجبل لبنان والشوف، وصولاً الى بيروت، سار المحبون نحو ضريح الرئيس الشهيد، توالوا على قراءة الفاتحة ثم انتشروا في محيط الضريح وسط العاصمة، بانتظار أن يطل “السعد” ليطالبوه وجهاً لوجه بالعودة عن تعليق العمل السياسي، بعد سنتين طوال ذاقوا خلالهما مرّ غياب الاعتدال والوطنية وصعود التطرف والأجندات المشبوهة والتبعية للخارج.

وصل الرئيس الحريري إلى الباحة فعلت صيحات عشرات الآلاف مرحبة به، صعد الدرجات المؤدية إلى الضريح وقرأ الفاتحة، وما إن مسح وجهه حتى اشتد المطر، وكأن السماء تفاعلت مع قلوب جماهيره المطالبة بعودته، فما كان منه إلا أن نزل بينهم يحييهم على وفائهم غير مبالٍ بالمطر الذي جعل ثيابه تعتصر بالمياه، ولمح لهم عن عودته قائلاً: “كل شي بوقته حلو”.

من الضريح إلى “بيت الوسط” أسرعت الجماهير الخطى علها تلاقي محبوبها سعد، اكتظت باحة البيت ومحيطه بها، ولم يخيّب الرئيس الحريري آمالها، أطل عليها، وتوجه بالشكر إلى كل من نزل إلى الساحة وقرأ الفاتحة. “أريد أن أشكر كل الطوائف وكل من قدم لي التعزية بالأمس واليوم. أنا أفديكم بالروح والدم، وأريد أن أشكر كل اللبنانيين وأقول لكم اني حيثما كنت سأبقى إلى جانبكم ومعكم”.

في النتيجة، كما تقولون: “كل شي بوقته حلو، وسعد الحريري ما بيترك الناس، وأنا لن أترككم”. وأضاف: “قولوا للجميع انكم عدتم إلى الساحة، ومن دونكم ما في شي ماشي بالبلد، حفظكم الله وحفظ لبنان واللبنانيين واللبنانيات، وإن شاء الله كل شي بوقته حلو، وأنا أشكركم من كل قلبي”.

وفي مقابلة مع قناة “الحدث”، قال الحريري: “لم أخرج من محبة اللبنانيين ووجودي بينهم وهذا الأمر سيستمر خصوصاً على الصعيد الانساني”.

وأشار إلى أن لحظة تعليقه للسياسة أتت للأسباب التي عبّر عنها، ورأى أنّ لبنان يمرّ في مرحلة خطرة “وما زلنا في مرحلة خطرة إذ لا انتخاب للرئيس ولا أي شيء في هذا المجال”.

وعن الذين اغتالوا رفيق الحريري، قال: “بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين، أنا مؤمن بربي وأعلم أنّ من اغتال رفيق الحريري سيدفع الثمن ولو بعد حين”.

أما في ما يتعلق بما يحصل في الجنوب، فلفت الحريري إلى أن من الواضح أنّ “(رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين) نتنياهو يريد تحويل الوضع في لبنان إلى سيناريوهات مختلفة”، معتبراً أن “حزب الله” وإيران لا يريدان الحرب مع إسرائيل اليوم، ونحن علينا الوقوف مع غزة وعدم إبعاد المشهد عنها”.

وفي الشأن الداخلي، أكد الحريري “أنا لن أعود عن قراري الآن وقلت: كل شي بوقته حلو”، مشيراً إلى أن ما من انفراج في موضوع انتخاب الرئيس.

وقال: “نحن جربنا كل شيء في تاريخنا وربما آن الأوان لأنّ نجرب السلام في ما بيننا كدول عربية والتطرف لا يعود بأيّ شيء. الشيء الذي يأتي بالنعمة هو الاعتدال والوسطية”.

وتوجه الى الجمهور الذي جاء أمس بالقول: “شكراً دائماً لهذا الوفاء وأتمنى أن يقدرني ربي وأعيده لكم”.

وبعدها نشر الرئيس الحريري عبر حسابه على منصة “إكس” صورة للحشود التي جاءت لاحياء ذكرى اغتيال والده، ومطالبته بالعودة الى العمل السياسي وكتب فوقها “من القلب شكراً”.

لقاءات
واستمرت اللقاءات السياسية في “بيت الوسط”، فاستقبل الحريري أحزاب “الكتائب” و”القوات” وحركة “أمل” وهيئات من تيار “المستقبل” ورئيس الجمهورية السابق أمين الجميل.

وخلال لقائه المستقبليين، توجه اليهم قائلاً: “حين علقت عملي السياسي كان كثير منكم ضد هذا القرار. وخلال السبعة عشر عاماً التي عملت فيها بالسياسة، قمت بالعديد من التسويات، والكثير من الداخل والخارج انتقدني وصورني على أني عميل وخائن، ولكن إذا نظرنا إلى المشهد اليوم نتأكد أننا في بلد يعيش فيه مسلمون ومسيحيون، ولا يمكن أن نعيش في تناحر. التحديات كبرى، ولذلك هناك العديد من الدول التي تسعى إلى تصفير مشكلاتها في ما بينها، من دول خليجية وغيرها. والأزمات التي تحصل لا يستفيد منها إلا تجار الأسلحة”.

لهيب الجنوب
وفيما كانت الجماهير محتشدة في وسط بيروت، اشتعل الميدان الجنوبي، بعد تعرض منطقة صفد المحتلة، البعيدة 14 كيلومتراً عن أقرب نقطة حدودية إلى قصف صاروخي. وذكرت وسائل الاعلام الاسرائيلية أن صفد تعرضت لـ 8 صواريخ أحدها أصاب مبنى إصابة مباشرة، وأدى الى مقتل جنديين اسرائيليين، ووقوع 5 إصابات أحدها في حالة خطرة. واللافت أن لا “حزب الله” ولا أي فصيل حليف تبنى العملية.

ولم ينتظر العدو الاسرائيلي بيان التبني، اذ سارع الى توسيع رقعة الاعتداءات، فطال القصف الشهابية وعدشيت ومرتفعات الجبور والصوانة، ما أدى الى مقتل رضيع وأخيه البالغ من العمر 13 عاماً، ووالدتهما.

وبعد الاعلان الاسرائيلي أن الرد على ضربة صفد انتهى، نفذ الطيران الحربي غارات طالت مناطق خارج قواعد الاشتباك، فاستهدف دير سريان، وطال القصف مجدداً عمق مدينة النبطية، ما أدى الى انهيار جزء من المبنى المستهدف في حي المسلخ، فيما أفادت المعلومات عن وقوع عدد من الاصابات بين قتلى وجرحى.

لبنان الكبير

مقالات ذات صلة