تصعيدٌ دراماتيكيّ جنوباً يواكب ذكرى اغتيال الحريري… ودعوات دوليّة للتهدئة

بين الأمن والسياسة، مشهدان لا ثالث لهما، طَبَعا يوم أمس الأربعاء على الساحة المحلية. الأوّل، تمثّل باشتعال جبهة الجنوب، بشكل دمويّ غير مسبوق، والثاني، كان في وسط بيروت، مع إحياء ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما رافقها من مواقف سياسية ومحطات لافتة.

الميدان الجنوبي شهد تصعيداً إسرائيلياً شرساً، حيث أغار الطيران الحربي الإسرائيلي، على عدد كبير من القرى الجنوبية، خصوصاً بلدة عدشيت في قضاء النبطية، والصوانة في قضاء مرجعيون، والشهابية في قضاء صور، اضافة الى زحلتا وجبل الريحان وبصليا في قضاء جزين. فقضت أمٌّ وطفلان، في بلدة الصوّانة، فيما سقط قتيل في عدشيت، نعاه حزب الله لاحقاً.

ومساءً، استهدفت مسيّرة إسرائيلية شقّة في مبنى سكني بالنبطية ما أدّى الى انهياره على رؤس السكان، الذين قضَوا بين قتيل وجريح، ومنهم أفراد من عائلة واحدة.

من موقع الغارة على النبطية ليل أمس

وجاءت الاستهدافات المتتالية، بعدما انطلقت صباحاً رشقة من الصواريخ من جنوب لبنان باتّجاه بلدات في شمال إسرائيل، فأصاب بعضها، قاعدة عسكرية في “صفد”، ما أدّى الى مقتل مجنّدة إسرائيلية.

وقد قال الجيش الاسرائيلي إنّ ضرباته الجويّة طالت أهدافاً تابعة لـ “قوّة الرضوان” اضافة الى عدد من المباني العسكرية وغرف العمليات القتالية والبنى التحتية.

التصعيد في الميدان، واكبته تهديدات إسرائيلية جديدة بحق لبنان، حيث قال عضو حكومة الحرب بيني غانتس إن الردّ على عملية “صفد” سيكون قويّاً ووشيكاً، محمّلاً المسؤولية ليس الى “حزب الله” فحسب، بل أيضاً الى “الحكومة اللبنانية والدولة اللبنانية التي تسمح بإطلاق الصواريخ من أراضيها”، على حدّ تعبيره.

أمّا رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي، فأعلن أنّه وافق على سلسلة أهداف لضربها في لبنان، ردّاً على الهجوم الصاروخي على “صفد”، مشيراً الى أنّه في حال “اندلعت حرب في الشمال سيستخدم الجيش الإسرائيلي كلّ أدواته وقدراته”.

جهودٌ لمنع الحرب

كلّ ذلك تزامن مع دعوات دولية للتهدئة بين الطرفين. حيث اعتبر وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه، أنّ الوضع في لبنان خطير لكنّه لم يبلغ نقطة اللاعودة، مشيراً إلى أنّ فرنسا منخرطة في حلّ النزاع، بهدف تجنّب حرب جديدة في لبنان.

كما أبدى الناطق باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، قلق واشنطن من التصعيد بين الطرفين، ولكنّه قال إنّها لا تزال تحاول الدفع قدماً لحلّ هذه القضية ديبلوماسيّاً ومنع توسّع الصراع.

من جهته، دعا المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك الى ضرورة وقف هذا التصعيد الخطير، مشيراً إلى أنّ قوة اليونيفيل رصدت تحوّلاً في تبادل إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية و”حزب الله”، شمل استهداف مناطق بعيدة عن الخط الأزرق.

الحريري: “كل شي بوقتو حلو”

بعيداً من التدهور الأمني جنوباً، ضاقت ساحة الشهداء، منذ ساعات الصباح الأولى بآلاف اللبنانيين الذين تقاطروا للمشاركة في مراسم الذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، قبل أن يخترق الرئيس سعد الحريري الحشود، ويزور ضريح والده تحت زخّات المطر، وعلى وقع هتافات التأييد من أنصاره، الذين طالبوه بالعودة الى العمل السياسي.

كلمات مقتضبة قالها الحريري بالقرب من الضريح، فحواها: “حافظوا على البلد… وكل شي بوقتو حلو”… وهي العبارة التي عاد وكرّرها في كلمة ألقاها أمام مناصريه في بيت الوسط، وقال فيها: “سعد الحريري لا يترك الناس… وأنا لن أترككم… قولوا للجميع إنّكم عدتم إلى الساحة، ومن دونكم ما في شي ماشي بالبلد”.

ومساءً، أعلن في مقابلة مع قناة “الحدث”، أنّه لن يعود عن قرار ابتعاده عن السياسة، مشيراً إلى أنّ عودته ليست من أولويات الشعب اللبناني في الوقت الراهن. من جهة أخرى، وردّاً على سؤال بشأن موقفه من عدم تسليم المتّهم بقتل والده، قال الحريري: “بشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين، ولا بدّ أنّهم سيدفعون الثمن وهم يدفعونه الآن”.

وإلى بيت الوسط أيضاً، حضرت وفود من القوات والكتائب وأمل، فيما زار الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ضريح الحريري في وسط بيروت، حيث وضع باقة من الورد.

نتنياهو يتوعّد رفح

إقليمياً، إنسحبت لغة التّهديد الإسرائيلية تجاه لبنان، أيضاً على قطاع غزة، حيث توعّد رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو بعملية “قويّة” في رفح “بعد” السماح للمدنيين بمغادرة المدينة الواقعة في أقصى جنوب القطاع المحاصر، والذي رزح الأربعاء تحت قصف مكثّف، خلّف أكثر من مئة قتيل، خصوصاً في رفح وخان يونس.

من القصف الاسرائيلي على رفح أمس (أ ف ب)

في الغضون، تواصلت في القاهرة، المفاوضات الرامية إلى إبرام اتفاق هدنة جديد بين إسرائيل وحركة حماس، في وقت، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حماس والمجتمع الدولي، إلى الاسراع في إنجاز صفقة تبادل الأسرى من أجل تجنيب الشعب الفلسطيني، ويلات كارثة أخرى لا تُحمد عقباها.

إلى ذلك، زار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان القاهرة، للمرّة الأولى من أكثر عقد، وأجرى محادثات مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، تصدّرتها الحرب في غزة.

وقد اتّهم اردوغان حكومة نتانياهو بتبنّي سياسة القتل والمجازر، فيما أكد السيسي اتّفاقه مع نظيره التّركي على ضرورة “وقف إطلاق النار” في القطاع.

نداء الوطن

مقالات ذات صلة