نحو الهاوية مجدداً: هل سيناريو الإنهيار سيتكرّر؟

شربل نحاس: التكيّف الذي يسمّيه ميقاتي «تعافياً» هو تدمير للإقتصاد والمجتمع ولثقة الناس بنفسها… فما يتبجّح به غير جميل!

كمال حمدان: الحقيقة العلمية تقول إنه إذا ميزان المدفوعات والحساب الجاري يعانيان من عجز ولم يتمّ تصحيح الوضع فالخطر يظل كامناً بشكل كبير

سجل لبنان أعلى نسبة تضخم في أسعار الغذاء بلغت 208 في المئة في 2023، بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي الاسبوع الماضي. في حين بلغ معدل التضخم السنوي لسنة 2023 نحو 221.3 بالمئة بحسب دراسة مؤشر أسعار الإستهلاك الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي. اما الخبير الاقتصادي ومدير مؤسسة البحوث والاستشارات في لبنان الدكتور كمال حمدان فيشير الى أن نسبة التضخم بلغت 204 بالمئة في الفترة بين كانون الأول 2022 وكانون الاول 2023، عازيا لـ»نداء الوطن» هذا التباين في الارقام «الى التثقيلات في احتساب النسب والارقام التي تختلف. اي كيفية توزيع نسب الاستهلاك على المأكل والملبس والطبابة والتعليم وغيرها من التفاصيل».

الهدف الاهم للاضاءة على هذه الارقام، هو السؤال عن الحكمة من تثبيت مصرف لبنان سعر الدولار على 89500، بعد إلغاء سعر المنصة الذي كان 85500 ليرة للدولار، فيما كان التثبيت أحد أبرز أسباب الأزمة المالية والمصرفية التي وقع لبنان في فخّها منذ أكثر من 4 سنوات. خصوصاً أن هذا التثبيت ترافق مع ارتفاع نسب التضخم واسعار السلع والخدمات (ارتفاع فواتير ورسوم مثل فواتير الخلوي والكهرباء، على سبيل المثال لا الحصر). ولذلك يصبح السؤال مشروعاً هل سيجد اللبنانيون أنفسهم أمام نفس السيناريو الذي عاشوه بعد 17 تشرين 2019؟

يجيب حمدان «نداء الوطن بالقول: «في ما يتعلق باجراءات مصرف لبنان الحالية فهذا القرار ليس ارادياً، بل هناك معطيات اقتصادية وماكرو اقتصادية تسمح بأن يتراوح سعر الدولار بين 89000 ليرة و90000ليرة»، مشدداً على أن «هذا التدبير يتوقف على الوضع الماكرو اقتصادي، أي اذا كان ميزان المدفوعات والحساب الجاري يعانيان من عجز، أي الدولارات التي تدخل الى لبنان أقل من الدولارات التي تخرج منه، فهذا يعني أن هذا التثبيت يمكن أن ينفع لفترة قصيرة، ولكن الازمة ستنفجر حتما كما حصل بعد 2011، حين أقفلت كل «الحنفيات» التي كانت تدخل الدولار الى البلد (استثمارات وتصدير وخدمات). ففي ذلك العام حصل للمرة الاولى عجز وصار يتراكم، وحاولت الطبقة السياسية – المصرفية تغطيته عبر مد اليد على ودائع الناس بالدولار الى أن حصل الانهيار».

ويؤكد أن «القصة ليست مربوطة بأخلاق الشخص المسؤول، ولكن بحقيقة علمية تقول اذا ميزان المدفوعات والحساب الجاري يعانيان من عجز ولم يتم تصحيح الوضع، فالخطر يظل كامناً بشكل كبير»، موضحاً أن «تثبيت النقدي تم استخدامه في تجارب كثيرة وبعد فترات انهيارعملة ونسب تضخم كبيرة في دول كثيرة، ولكن له شروط كثيرة منها ضبط الانفاق العام وتعزيز الانفاق الاستثماري على حساب الانفاق العادي، وتحقيق نوع من توازن او فائض في ميزان المدفوعات، وغيرها من الشروط الاساسية وهذا الامر لم يحصل قبل الانهيار».

يجزم حمدان أن «كل هذه الشروط لم تطبق في لبنان، بل حصل تثبيت للدولار وتم الايحاء للناس انهم يتمتعون بمداخيل عالية، ولكن كل الاجراءات التي اتخذت كانت لحماية الوضع غير الطبيعي وتم صرف دولارات الناس لدعم السياسة الخاطئة».

ويختم: «أيّ تثبيت للسعر لا يترافق مع الشروط التي ذكرناها أعلاه، وضبط العجز في الموازنة وتخفيف الانفاق الجاري، وتعزيز الانفاق الذي يخلق فرص عمل وطاقات انتاجية خلال وقت قصير، فتثبيت النقد لا معنى له وكأننا ذاهبون بطريق لا رجعة فيها نحو المهوار».

يرى أمين عام «مواطنون ومواطنات في دولة» والخبير الاقتصادي شربل نحاس أن «هناك اخطاء تتكرر في لبنان وتدفع للتساؤل هل سبب تكرارها هو نتيجة قلة معرفة أو تشويش على اللبنانيين»، شارحاً لـ»نداء الوطن» أن «التضخم هو ارتفاع اسعار المنتجات والسلع المستوردة والمنتجة محلياً. السلع المستوردة خاضعة للأسعار العالمية ولا يمكن التحكم بها، لكن حين يرتفع مؤشر الاسعار خلال العام الماضي بشكل فظيع في الوقت الذي كانت فيه الاسعار عالمياً مستقرة، فهذا يعني أنه ضمن هذا المؤشر أسعار سلع تستورد من الخارج ثابتة، مقابل زيادة اسعار الخدمات والمنتجات التي تنتج في لبنان بشكل أكبر بكثير من سعر المؤشر الاجمالي للتضخم».

ويؤكد أن «هذا الموضوع لا علاقة له بتثبيت الليرة والدولار، لأن عملتنا هي الدولار وكل المعاملات والسلع يدفع ثمنها بالدولار. وما حصل فعلياً هو ليس تثبيت سعر الصرف بل تحويل الاقتصاد اللبناني الى الدولار علناً، ولم يعد لليرة اللبنانية دور الا «فراطة» للدولارات تستعمل في السوبرماركت، ولم تعد الوحدة النقدية التي تتحكم بالتعاملات بين الناس»، معتبراً أن «الابشع من ذلك أن اسعارنا ترتفع بالدولار وهذا يعني أنه في الميزان الاقتصادي، كلفة الانتاج والمعيشة أغلى من كل دول العالم ولا يمكن تصدير الا الشباب اللبناني والكفاءات التي يتمتعون بها».

يضيف: «من جهة ثانية هذا الوضع يعني أن أي منتج نستورده من الخارج نجده رخيصاً، ويدل على أننا نستنفد كل ما تبقى من مدخرات عامة وخاصة. ومن جهة ثالثة هو تنظيم الشحادة والهجرة لجلب الدولارات والاستيراد من الخارج»، لافتاً الى أنه «لم يعد هناك مؤسسات واعمال في لبنان، ولم يعد هناك مؤسسات ومصارف للتسليف كي تتمكن الناس من البدء بمشاريع جديدة وخاصة. وهذا التكيف الذي يسميه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تعافياً، هو تدمير للاقتصاد والمجتمع ولثقة الناس بنفسها وهذا أمر غير جميل ما يتبجح به». ويختم: «السؤال هو هل ما يقومون به عن غباء أو عن أذى ؟ هذا سؤال برسم الشعب اللبناني».

باسمة عطوي- نداء الوطن

مقالات ذات صلة