موظفو “ألفا” و”تاتش” حصلوا على مطالبهم بضغط سياسي

ليس مستغرباً أن تفضي العشوائية التي اعتمدتها الدولة في زيادة الرواتب والأجور للقطاع العام والمؤسسات التابعة لها عقب الأزمة، الى مزيد من الإشكالات والإضرابات في القطاعات الخدماتية.

فبعد حراك المتقاعدين العنيف في الشارع، تحرك موظفو شركتي الخليوي، فتوقفوا عن العمل مطالبين بتصحيح رواتبهم وأجورهم مع الإصرار على نيل حقوقهم المالية “بالفريش دولار”، وفق ما كانوا يتقاضونه قبل الأزمة عام 2019، كونهم حاليا يتقاضون نصف الراتب “بالدولار الفريش” والنصف الآخر بالدولار المصرفي.

ليست المرة الأولى يطالب فيها موظفو الخليوي بتصحيح مداخيلهم، وليست المرة الأولى التي يوافق فيها وزير الإتصالات على الجزء الأكبر منها، لكنها المرة الأولى التي سقطت فيها مقاومة الوزير أمام مطالبهم كافة.

ماذا بعد؟ وكيف ستكون صورة التحركات المطلبية في المؤسسات التابعة للدولة اللبنانية في المستقبل القريب؟

موظفو الخليوي نالوا مرادهم، بالضغط والتهويل والدعم السياسي، وما “حصّلوه” لا يكفي للعيش بكرامة في ظل الإنهيار الشامل على جميع المستويات، لكنه أفضل بأضعافِ أضعافِ ما يحصل عليه موظفو القطاع العام وبعض المؤسسات التابعة.

من هنا تسأل مصادر متابعة عن موقف الحكومة ورئيسها و”معالي” وزرائها إذا ما اندلعت الإضرابات غداً في جميع المؤسسات المملوكة من الدولة وتخضع لسلطة ووصاية وزير ما، مطالبة بزيادات أجور تعادل ما كان قبل الأزمة، وحقوق مالية “بالفريش دولار” أسوة بموظفي الخليوي، وما “حدا أحسن من حدا”.

ماذا لو تحرك موظفو الريجي؟ الميدل إيست؟ أجيرو؟ المرفأ؟ مصرف لبنان؟ وغيرهم الكثير من المصالح والمؤسسات العامة، مطالبين بحق مساواتهم بأترابهم من موظفي الخليوي؟ ومَن سيتحمل عندئذ مسؤولية تعطيل الخدمات العامة والضغط على مالية الدولة ومواردها، في حال استجاب وزراء الوصاية لمطالب القطاعات التي يرعونها؟ هل تتحول الدولة إلى دولة “كل مين ماليتو إلو”؟ وكل وزير هو وزير مالية، ومجلس نيابي، وحكومة، مستقل بقراراته فيزيد ويرفع ويعطي ويمنح الإضافات على الأجور وفق قناعاته وعلاقاته السياسية والشخصية؟

مع عميق الإقتناع بأن معظم الرواتب والأجور والعطاءات لا ولن تكفي للعيش بكرامة وفق ما يبتغيه كل موظف وأجير، إلا أن المصادر نفسها تؤكد أن “الإستنسابية في العطاءات على نحو منعزل عن استراتيجية رواتب وأجور عامة وشاملة لجميع العاملين في الدولة ومؤسساتها التابعة، وحتى القطاع الخاص، تهدد بتفلت المطالب والإضرابات وتنذر باهتزاز في ديمومة بقايا الخدمات الشحيحة من جهة، وخسارة المزيد من مداخيل ووارداتٍ بالليرة و”الفريش دولار” لخزينة الدولة من جهة أخرى، في ما لو استجاب جميع وزراء الوصاية كما استجاب وزير الإتصالات.

لماذا تجاهل تقرير ديوان المحاسبة؟

صحيح أن مطالبة موظفي الخليوي حقّ لا جدال فيه، بَيد أن تلبية هذه المطالب لا يمكن أن تتم من دون العودة إلى تقرير ديوان المحاسبة الصادر في العام 2022 والذي يتناول بالتفصيل التوظيف والرواتب في شركتي الخليوي في الصفحات 32 و33 و34 و35 من التقرير، إذ ورد حرفياً: “…اتسمت سياسة التوظيف التي اتُّبعت من قِبل الشركات المشغّلة لقطاع الهاتف الخليوي بعد استرداد القطاع خلال الفترة التي باتت فيها النفقات التشغيلية على عاتق الدولة اللبنانية بصفة لافتة (بعد قرار الوزير نقولا صحناوي في العام 2012) ألا وهي الافراط في التوظيف وبموافقات من الوزراء المتعاقبين على وزارة الاتصالات (كما تبينه الجداول أدناه) من دون وجود ما يبرر الزيادات الحاصلة في أعداد الموظفين، لا سيما في ظل الانخفاض الملحوظ في الايرادات، وفي ظل غياب أي دراسة أو تقرير”… وتاليا تؤكد المصادر “ضرورة إعادة النظر بجميع التوظيفات التي حصلت في شركتي الخليوي بعد العام 2012 والزيادات الكبيرة على الرواتب، ومن ثم تصحيح وضع الموظفين المستحقين، إذ من غير المقبول بعد الذي حصل في لبنان من أزمات أن يتغاضى المسؤولون عن تقارير أجهزة الرقابة وإيداعها في الأدراج، بدل العمل بها والعودة اليها لاتخاذ القرارات المناسبة”.

وقد ورد في تقرير ديوان المحاسبة حول تطور الرواتب لدى شركة MIC1 (#ألفا) انه نتيجة بعض قرارات وطلبات الوزارة ارتفعت الكلفة الاجمالية للموظفين بنسبة 13.4% (7 ملايين دولار) خلال العام 2014 وبين الاعوام 2010 و2019 بلغت نسبة الزيادة 141% من التكاليف المدفوعة على الموظفين خلال العام 2010. وبين الأعوام 2010 و2020 انخفضت نسبة الزيادة لتصبح 95% من الكلفة المدفوعة على الموظفين خلال العام 2010، وطبعا أحد أسباب انخفاض هذه النسبة هو التسرب الوظيفي الحاصل لدى الشركة بسبب الأزمة الاقتصادية.

أما تطور الرواتب لدى شركةMIC2 (تاتش) والمتمثل بتطور كلفة الموارد البشرية كالرواتب وملحقاتها من العام 2010 الى العام 2020، فيلاحَظ أن نسبة الزيادة الحاصلة في الإنفاق على الموارد البشرية كالرواتب وملحقاتها في الشركة بين الاعوام 2010 و2018 بلغت 172.1% من الكلفة المدفوعة خلال العام 2010، وهي نسبة مرتفعة جدا، أي ان كلفة الموظفين في العام 2018 تقارب ثلاثة أضعاف كلفتهم خلال العام 2010 وترتبط بشكل وثيق بازدياد عدد الموظفين لدى الشركة خلال تلك الفترة.

أما نسبة الزيادة بين الاعوام 2010 و2020 فتعادل 120.7% من كلفة الموظفين خلال العام 2010، وهي نسبة مرتفعة بطبيعة الحال، لا سيما أن الرواتب محددة بالعملات الأجنبية.

كما تجدر الاشارة الى الارتفاع في عدد العاملين في شركة MIC1 مقارنة مع شركة 2 MIC، علما ان عدد المشتركين متقارب لدى الشركتين، لا بل إن شركة MIC2 استقطبت عددا أكبر من المشتركين (مثال، عدد المشتركين لدى شركة MIC2 نحو2.419.000 مشترك بينما1 MICلديها نحو 2.039.000 مشترك خلال العام 2018).

يضيف تقرير الديوان انه بطبيعة الحال ينعكس الارتفاع في عدد الموظفين لدى الشركتين 1 MIC و MIC2 ارتفاعا في التكاليف المدفوعة للموارد البشرية كالرواتب وملحقاتها من مكافآت، والشهر الثالث عشر، والتأمين، وتكاليف نقل وانتقال، وتعويض نهاية الخدمة وغيره، والتي تتحملها الدولة اللبنانية ضمن النفقات التشغيلية للشركتين، لا سيما أن الرواتب هي بالدولار الأميركي وتدفع خلال الأزمة الحالية وفق سياسة ما يُعرف بالـ”لولار” أي على سعر 3900 ليرة في العام 2020 وحاليا على سعر 8 آلاف ليرة (عند كتابة التقرير في العام 2022)، وهذا السعر يفوق 5 أضعاف السعر الرسمي للدولار الأميركي (في العام 2022) الذي يعادل وسطيا 1507.5 ليرات، مما ضاعف حجم كلفة الموارد البشرية في السنوات الأخيرة بالرغم مما تشكو منه الشركتان من ان الأزمة المالية ألقت بظلها على جهاز العاملين لديهما مما دفع بأعداد كبيرة منهم الى ترك العمل ومعظمهم من أصحاب الاختصاص.

ويشير التقرير الى أنه “إذا احتسبنا الزيادة الحاصلة في العدد الإجمالي للموظفين بين العامين 2010 و2013 لوجدنا ان الزيادة الحاصلة تزيد عن 59.7% من عددهم خلال العام 2010”. ومن الأسباب المباشرة لذلك هو التعديل الحاصل لجهة تحمّل الوزارة للمصاريف التشغيلية وتحويل العقد مع الشركة الى عقد إدارة فقط، وذلك بالاشارة الى القرار الذي اتخذه الوزير نقولا صحناوي في العام 2012 من خلال تعديل عقد الإدارة لتصبح مصاريف التشغيل بما فيها رواتب الموظفين والتعويضات على عاتق الدولة اللبنانية.

مسؤول سابق في قطاع الخليوي أكد لـ”النهار” أن موظفي الخليوي يتقاضون رواتبهم من المال العام شأنهم في ذلك شأن موظفي القطاع العام، “حتى أن رواتبهم تتأتى من ضريبة تُجبى من جيوب الناس لا من خدمات يقدمونها للمشتركين، إذ إن أكثر من 95% من المشتركين في شبكتي الخليوي عليهم شحن خطوطهم شهريا حتى لا يتم احراقها. عدا عن ذلك، فإنهم يتقاضون 50% من رواتبهم “فريش”، وهذا أمر ليس معمولا به عند موظفي القطاع العام، من دون ذكر التعويضات والامتيازات التي يحصلون عليها في الشركتين”، لافتا الى أن ثمة فائضا في عدد الموظفين بما ينعكس على تدنّي انتاجيتهم، فيما معظم الخدمات التي تقدمها الشركتان تقوم بها شركات من القطاع الخاص بذريعة عدم قدرتهما على القيام بها.

وأكد أن “تلبية مطالب الموظفين ستكبد الشركتين أموالا طائلة، خصوصا أن ثمة رواتب تصل الى 15 ألف دولار”، لافتا الى ان “المعالجة من المعنيين تتم على القطعة وبطريقة ترقيعية”.

وتعليقاً على التدخل السياسي لتلبية مطالب الموظفين، أكد المسؤول ان “معايير الادارة الرشيدة والحوكمة سقطت عند تدخّل السياسيين الذين لا شأن لهم بالقطاع وانتاجيته والعاملين فيه، لتنتهي المعالجة بالمَونة والمحسوبيات… ومرّقلي تمرّقلك”.

المصدر – النهار

مقالات ذات صلة