فوضى وتخبط وتناقضات: لماذا ما يحق لعبد اللهيان لا يحق للراعي؟
جملة مفارقات ظهرت خلال الأيام الماضية تدل إلى المخفي والمضمور غير المعلن والمغاير للحقيقي الظاهر في المواقف المعلنة. تغلب الفوضى والتخبط والتناقضات في ما يسمعه اللبنانيون من قادتهم وحتى من المسؤولين الذين يزورون البلد من أجل اقتراح أفكار تساعد على خفض التوتر على الجبهة الجنوبية، في ظل الإدارة الدولية لأزمة لبنان. يفيض المشهد بالمواقف وعكسها.
في ما يخص الصراع الداخلي حول إعادة تكوين السلطة في البلد بدءاً بإنهاء الشغور الرئاسي، كي تتسلم الدولة اللبنانية فعلاً لا شكلاً، التفاوض على الحدود البرية والتوصل إلى «استقرار مستدام»، كما يقول المسؤولون اللبنانيون، بدا قول «حزب الله» إنه ليس الجهة المفاوضة في شأن الحدود، متناقضاً مع إعلانه أنه لا تفاوض إلا بعد وقف الحرب في غزة. فهذا الموقف وحده يقود إلى تجميد المفاوضات، ويبرر لخصوم «الحزب» حجتهم بأنه يملك ناصية التفاوض، بدليل أن بعض المسؤولين يستنسخون ما يعلنه قادته على هذا الصعيد، ولا يخفون أنّ التفاوض الفعلي لن يتم إلا بعد وقف الحرب على غزة، وبأنّ استماعهم إلى العروض التي يأتي بها وسطاء غربيون يقومون بنقل الأفكار والاقتراحات في شأن وقف النار على جبهة الجنوب بين بيروت وبين تل أبيب، هو تمهيد للتفاوض الفعلي الذي يبدأ عندما تضع الحرب ضد غزة أوزارها.
ثاني المفارقات التي تستدعي من البعض إعادة النظر ببعض المواقف السجالية التي كانوا بغنى عن تأجيج المشاعر بسبب إطلاقها، أن من اتهموا البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي بالتماهي مع المواقف الإسرائيلية ضد المقاومة لمجرد دعوته إلى وقف الحرب الدائرة في الجنوب، عليهم أن يراجعوا حملتهم عليه مع تكرار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن الحرب ليست الحل. فلماذا يحق للوزير الإيراني الحليف لـ»المقاومة» و»حزب الله» أن يقول هذا الكلام، الذي هو الرسالة الأساسية التي جاء لإطلاقها من منبر بيروت، على رغم تجديده التأكيد بدعم طهران للمقاومة، ولا يحق للبطريرك الماروني وغيره من قوى سياسية معارِضة الدعوة إلى وقف الحرب جنوباً، بموازاة إعلانها تضامنها الكامل مع غزة ووقوفها ضد ما تتعرض له من مجازر وإبادة جماعية؟
قد يقول قائل إنّ الراعي هاجم على طريقته المقاومة وهذا سبب ردة الفعل الخارجة عن المألوف في التخاطب مع مرجعية دينية، ما ترك آثاراً تزيد من عمق الانقسام اللبناني الطائفي وترفع منسوب الحساسية المسيحية الشيعية. وبصرف النظر عن رفض بعض مؤيدي الراعي، لكلام عبد اللهيان عن أن أمن لبنان من أمن إيران، فإنّ فحوى المواقف التي أعلنها البطريرك وأيده فيها مجلس المطارنة الموارنة وقوى سياسية عديدة، هو وقف الحرب التي اعتبر عبد اللهيان أنها ليست الحل وذهب إلى حد توقع الحل السياسي حتى للحرب على غزة «قريباً». هذه المفارقة تعزز حجة منتقدي التصعيد على جبهة الجنوب مع ما يرافقه من أضرار وخسائر فادحة دفعت الراعي إلى رفع الصوت. حجة هؤلاء أنّ هذه الجبهة فتحت بالتوازي مع جبهات أخرى في الإقليم، نتيجة حسابات إيرانية، ومن دون قرار من السلطة اللبنانية المفرغة من مكوناتها جراء شغور الموقع الأول الذي تبقى المؤسسات الدستورية مشلولة هي الأخرى، من دون ملئه. النتيجة من وراء هذه المفارقة هي أن ما يقوله البطريرك الماروني غير مقبول بالنسبة إلى الفريق الحليف لإيران، بينما ما يقوله عبد اللهيان يصبح مقبولاً، لأن مصلحة طهران تقتضي ذلك، مع ما يعنيه ذلك بأنها تحدد توقيت التصعيد ثم تختار فرصة التهدئة لأسباب تتعلق بحساباتها الإقليمية، وظروف تفاوضها مع أميركا.
وليد شقير- نداء الوطن