تفهّم أميركيّ لاقتحام رفح: هل لجأ قياديو “حماس” إليها… وماذا عن السنوار؟
تحت ستار دخان العمليات العسكرية المتصاعدة في الضفة الغربية وجنوب لبنان واليمن والعراق وسوريا، تخضع المفاوضات حول صفقة التبادل الجديدة بين إسرائيل و”حماس” لتجاذب يدلّ على مدى صعوبة الاتفاق وتعقيداته في ظلّ الإصرار الإسرائيلي على الاحتفاظ بالمبادرة لمواصلة الحرب، واقتحام رفح لفرض أمر واقع أمنيّ على الوسطاء، لا سيما مصر في المرحلة التي تلي الحرب.
تتحكّم بالمفاوضات عقدة ما بعد الهدنة على صعيد الأوضاع الداخلية، سواء في إسرائيل أو في غزة أو في الولايات المتحدة أو في الدول التي فُتحت الجبهات فيها تحت شعار “مساندة غزة”.
الوعد بالدولة مؤجّل إلى “يوم ما”
بات “اليوم التالي” لما بعد الهدنة يتعلّق بموقع كلّ من فرقائها في المعادلة الداخلية، وليس التمهيد لمسار سياسي يفضي إلى قيام دولة فلسطينية، يُنظر إليها على أنّها عملية تحتاج إلى تحوّلات دراماتيكية في موقف الحكومات الغربية وفي إسرائيل قد تمتدّ سنوات.
يكفي قول وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون أثناء جولته في المنطقة الأسبوع الماضي: “يوماً ما سنعترف بالدولة الفلسطينية”، إضافة إلى أنّ الاعتراف لا يعني مباشرة إجراءات قيام الدولة، ولا يعدو كونه وعداً بقيامها، وعداً مؤجّلاً إلى “يوم ما”.
معادلة نتانياهو العبثيّة
كلٌّ من بنود مسوّدة الهدنة يحتاج من أجل تنفيذه إلى مفاوضات مضنية.
نتانياهو يريدها هدنة ترافق الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين تحت ضغط الداخل وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يهدف إلى استقبال ستّة أميركيين من بينهم في واشنطن، كإنجاز يوظّفه انتخابياً، على ألّا تتعدّى مدّتها 45 يوماً، من أجل استئناف الحملة العسكرية على غزة بأيّ ثمن.
ما يهمّ نتانياهو هو الآتي:
– ألّا تنسف بنود الهدنة حكومته لتجنّب استبدال ائتلافه مع إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، بزعيم المعارضة يائير لابيد. المعادلة العبثية بالنسبة إلى زعيم الليكود أنّ ما بعد الحرب يفرض استمرار الحرب لا وقفها. وصيانة الائتلاف اليميني الحالي تعني استمرار اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى واعتداءاتهم على فلسطينيّي الضفة ومواصلة الجيش عمليّاته لتطويع مخيّماتها وبلداتها.
– تجنّب الإفراج عن القادة الفلسطينيين الثلاثة الرئيسيين الذين تشملهم لائحة “حماس”: عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” مروان البرغوثي، الأمين العامّ للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد السعدات، والقيادي في “حماس” عبد الله البرغوتي. وأكثر ما يقلق الجانب الإسرائيلي خروج مروان البرغوثي الذي يتمتّع برمزية يمكن أن تسهم في استعادة الزخم لوحدة الموقف الفلسطيني، لا سيما في الضفة الغربية.
أمّا “حماس” فتريدها على ثلاث مراحل، كلّ منها لـ45 يوماً، لإطالة أمد تجميد العمليات العسكرية الإسرائيلية، لعلّ هذه المدّة تُفقد الجيش الإسرائيلي الزخم الذي رافق انطلاقتها. فبنود الهدنة من نوع إعادة تمركز القوات الإسرائيلية، إتمام التبادل على مراحل ومراقبة تنفيذه، وقف اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، تكثيف إدخال المساعدات الإنسانية، عودة النازحين، فتح المعابر، إخراج الجرحى للعلاج في الخارج، إدخال معدّات رفع الأنقاض، ترميم وإعمار المستشفيات والمخابز، إدخال مساكن مؤقّتة ومئات آلاف الخيم لإيواء النازحين المنكوبين تمهيداً لخطط إعادة الإعمار، استئناف خدمات المنظمات الدولية والأونروا، وتزويد القطاع بالمياه والكهرباء… وهذه البنود تتطلّب آلية عربية دولية فائقة التعقيد، وموافقة إسرائيلية عليها، غير متوافرة.
اقتحام رفح: واشنطن لا تعترض
الجيش الإسرائيلي يتّفق مع نتانياهو على الرغم من التباينات معه، وبينه وبين بعض أعضاء مجلس الحرب، على مواصلة التوغّل في محافظة خان يونس، وعلى شنّ هجوم واسع على منطقة رفح ومدينتها، التي باتت تحتضن أكثر من مليون ونصف مليون نازح، معظمهم هرب من شمال ووسط القطاع، وتكثَّف قصف منازل ومدارس يحتمون بها في الأيام الماضية. والمعطيات في هذا الصدد تشير إلى الآتي:
– على الرغم من الحديث عن خلافات بين نتانياهو ومعه حلفاؤه، الذين هاجموا عقوبات واشنطن على مستوطني الضفة، وبين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال زيارته الأخيرة، أشارت المعلومات إلى أنّ الجانب الأميركي لا يعترض على العملية العسكرية ضدّ رفح، بل على امتناع رئيس الحكومة الإسرائيلية عن إعطاء ضمانات بوقف استهداف المدنيين في المدينة المكتظّة.
– الإدارة الأميركية للحرب تتمّ منذ بدايتها تحت سقف مساعدة إسرائيل على استعادة القدرة الردعيّة، وتجريد “حماس” من قدراتها وشلّ قيادتها، في حين تعتبر قيادة الجيش أنّه لا بدّ من تطهير رفح التي يُعتقد بأنّ قياديين من “حماس” لجأوا إليها ومعهم جزء من الرهائن، بعدما فشل رهان المستوى العسكري في تل أبيب على محاصرة رئيس الحركة في القطاع يحيى السنوار والقائد العسكري لكتائب “عز الدين القسّام” محمد الضيف في مدينة خان يونس، إذ لم يُعثر على أيّ منهما. فتل أبيب تجهد لتحقيق انتصار معنوي ونفسيّ إمّا بقتل قيادة الداخل، بالقبص على بعضهم، أو بترحيل رموزها إلى الخارج.
ما الضمانات للسنوار؟
فيما تحتاج “حماس” إلى هدنة، أكثر من إسرائيل، نظراً إلى الكارثة الإنسانية الهائلة التي ضربت القطاع جرّاء همجية الجيش الإسرائيلي، فإنّ قيادة الداخل تحتاج في أيّ هدنة إلى ضمانات بوقف ملاحقتها أمنيّاً من الجانب الإسرائيلي، بعد أن يتمّ الإفراج عن الدفعة الأخيرة من الرهائن الإسرائيليين التي تضمّ ضبّاطاً من رتب عالية ومتوسطة، يشكّلون درع الحماية لهذه القيادة.
تهدف المفاوضات الجارية منذ يومين في القاهرة إلى إيجاد مخرج يضمن أوضاع قيادة “حماس” في الداخل، وعدم إلقاء القبض على أيّ من رموزها من الجانب الإسرائيلي… وهذا أيضاً من حسابات العلاقات الداخلية بين قيادات الحركة.
وليد شقير- اساس