التعميم 166 وعقار المرِّيخ: لماذا كل ما تقوم به الإدارة الجديدة للحاكمية لا تُقابل بأي انتقاد؟

قصَّة حقيقية:

في أحد معارِض الكتب التي تقام سنوياً على الواجهة البحرية لبيروت، كان هناك جناحٌ لافِت للزوار، لم يكن يتضمَّن سوى كرة ملوَّنة لكوكب المرِّيخ، على غرار الكرة الأرضية، وكانت عليها أرقام، دخلَ أحد الفضوليين وسأل المسؤول عن الجناح عن سبب وجود كوكب المرّيخ معروضاً، فأجاب المسؤول: «نحن نبيع عقارات في المرّيخ ونعطي شهادة لصاحب العقار»، ذُهِل السائل وسأل مجدّداً: «ولكن متى تسلِّمون الشاري عقاره؟»، أجاب المسؤول في الجناح: «حين نصل إلى المرّيخ».

يشبه التعميم 166 الصادر عن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، بيع عقارات في المرّيخ، فمَن اشترى عقاراً من جناح معرض الكتاب، عليه أن ينتظر تسلُّم عقاره بعد عشرات السنين، هذا إذا وصل الإنسان إلى المرّيخ وكانت هناك حياةٌ عليه. فكلّ ما فعله الحاكِم بالإنابة، هو أنه أتاح إعطاء المودِع مئةً وخمسين دولاراً، شهرياً، من وديعته، ولا يحصل على آخر دفعة من وديعته إلا بعد وصول الإنسان إلى المرّيخ وتسلّم عقاره.

ماذا يعني ذلك؟

المودِعون الذين ادَّخروا جنى عمرهم لتأمين «آخرتهم»، شعروا بأنّ «آخرتهم» دَنَت من خلال هذا التعميم، فـ»الإعاشة» الشهرية لا تكفي ثمن دواء واحد، ولا حتى «دخلة» سوبرماركت. التعميم ساوى بين»الودائع المؤهَّلة» و»الودائع غير المؤهلة». ماذا يعني ذلك أيضاً؟

هناك مودِعان لدى كلٍّ منهما عشرة آلاف دولار في حسابه، الأول راكم حسابه من خلال توطين راتبه، والثاني اشترى شيكاً، قيمته عشرة آلاف دولار، بألف وخمسمئة دولار «فريش»، بعد التعميم 166 تتمتّع الوديعتان بالقيمة نفسها، فمَن اشترى شيك العشرة آلاف دولار، يسحبه عشرة آلاف دولار فريش، فيما لم يكلّفه سوى ألف وخمسمئة دولار فريش، فيكون رَبِح 8500 دولار فريش، فأين العدالة في الحسابيْن؟

ثمة همسٌ أنّ الكثير من الحسابات المصرفية الصغيرة الحجم، تعود لفئة معيَّنة، وأصحاب هذه الحسابات هم أكثر المستفيدين من التعميم 166، وهذا ما دفع «مراجع معينة» إلى القبول به، ولو لم تأتِ هذه الموافقة، لَما كان التعميم صدر.

يعود خبراء اقتصاديون بالذاكرة إلى سلسلة الرتب والرواتب التي تمَّ إقرارها عام 2017، على الرغم من التحذيرات من كلفتها المرتفعة والتي لا طاقة لخزينة الدولة على تحمّلها، لكن «المراجع المعيَّنة نفسها» ضغطت في اتجاه إقرار السلسلة، والسبب في ذلك يعود إلى أن «شريحة المستفيدين» معظمهم من فئة معينة. قيل للمعنيين إنّ السلسلة لا تكلِّف أكثر من 800 مليون دولار سنوياً وإنّ بالإمكان تأمين إيراداتها، ليتبيَّن أنّ الكلفة فاقت ملياراً ومئتي مليون دولار، ولم يكن بالإمكان تأمين هذا المبلغ.

ما هو الجواب الذي سيعطيه الحاكم بالإنابة وسيم منصوري عن مصير أصحاب الودائع التي يستلزم تحصيلها عشرات السنين؟ فوديعة المئة ألف دولار، على سبيل المثال لا الحصر، يستلزم تحصيلها خمسة وخمسين سنة، أي أن صاحب هذه الوديعة يقبض آخر 150 دولاراً سنة 2080، أي بالتزامن مع وصول الإنسان إلى المرّيخ وتسلّمه عقاره. هكذا يكون الحاكم بالإنابة قد طبَّق الكابيتول كونترول، ولو بشكلٍ مقنَّع.

يبقى السؤال الأساسي: لماذا كل ما تقوم به الإدارة الجديدة لحاكمية مصرف لبنان لا تُقابل بأي انتقاد؟ وإذا حصل فإنه لا يتعدَّى التغريد على منصة «إكس» وأحدث التغريدات لجمعية صرخة المودعين «مبلغ 150 دولاراً سخيف ومُعيب ولا يكفي لتأمين مصروف لأسبوع واحد في بلدٍ هو الأغلى بتكلفة المعيشة في العالم». السؤال هنا: ماذا بعد التغريد؟ المودعون يفوق عددهم المليون ونصف مليون مودِع، هل تكفي مليون ونصف مليون تغريدة لاسترداد الودائع؟

جان الفغالي- نداء الوطن

مقالات ذات صلة