مطالبات لبكركي والأحزاب المسيحية إلى التوقف عن مسايرة حزب الله وعقد لقاءات حوارية معه

البطريرك مستمر في رفع الصوت ضد الخلل والاعوجاج ولن يبدّل مواقفه

لم تتوقف حملات التخوين التي يشنها جمهور حزب الله على القيادات اللبنانية التي ترفض تفردّه بقرار الحرب والسلم وأي توريط للبنان من قبله بحرب مدمرة تحت عنوان «مساندة غزة وإشغال العدو الإسرائيلي في الشمال». ويرى البعض في حملات التخوين هذه والاتهامات بالعمالة هدراً للدماء كما حصل مع المعارض الشيعي لقمان سليم الذي وجد مقتولاً في مثل هذا اليوم عام 2021 بسبب مواقفه المعترضة على أداء حزب الله.

وإذا كانت هذه الحملات طالت أخيراً كلاً من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل اللذين لا يغادران معراب وبكفيا لأسباب أمنية كي لا يكون مصير أي منهما كمصير سواهم من قيادات 14 آذار الذين طالتهم الاغتيالات قبل سنوات، فإن التمادي بالحملات بلغ حد مهاجمة بطريرك الموارنة مار بشارة بطرس الراعي لأنه اقتبس كلاماً من إحدى رسائل أبناء المنطقة الحدودية حول «ثقافة الموت التي لم تجر للبنان سوى الانتصارات الوهمية والهزائم المخزية» الأمر الذي أغضب البيئة الحاضنة لحزب الله، فأخرجت ما تختزنه في نفوسها من سُخط وكراهية واستقواء تجلّت في تعليقات عشوائية انحدرت إلى مستويات متدنية وتجاوزت آداب التخاطب والاحترام.

واللافت أن هذه الحملة التي استهدفت البطريرك الماروني والتي لم يأسف لها حزب الله ولم يتخذ أي إجراء بشأنها جاءت بعد سلسلة خطوات اتخذها الصرح البطريركي للإعراب عن تضامنه مع غزة ومع أهالي الجنوب، وحملت البطريرك على التوجه إلى منطقة صور على رأس وفد من المطارنة للتعبير عن تعاطفه مع معاناة الجنوبيين من دون أن تشمل هذه الزيارة القرى المسيحية الحدودية كرميش وعين إبل والقليعة ودبل والقوزح وعلما الشعب والتي أبدى أهلها عتباً على الراعي. كما جاءت هذه الحملة بعد أيام قليلة فقط على لقاء بين مسؤول الملف المسيحي في حزب الله أبو سعيد الخنسا مع مسؤول الإعلام في بكركي وليد غياض في منزل النائب فريد هيكل الخازن لإبقاء خطوط التواصل والحوار مفتوحة بين بكركي والضاحية الجنوبية رغم كل الاعتراضات في الوسط المسيحي على مثل هذه اللقاءات التي لم تقدم ولم تؤخر ولم تجعل قيادة حزب الله تأخذ بعين الاعتبار التحفظات المسيحية على كيفية تعاطي الثنائي الشيعي مع ملف رئاسة الجمهورية أو مع ملف الأراضي التي يضع مناصرو الحزب يدهم عليها وخصوصاً في لاسا الجبيلية.

وفي تعليق على هذه الحملة، رأت أوساط كنسية «أن كلام البطريرك الراعي لا يحتاج إلى تفسير وهو نقل معاناة أهالي القرى الحدودية الذين يحملون هواجسهم إلى بكركي انطلاقاً من اعتبارها ملجأهم الدائم». وأكدت أن «من أولى مسؤوليات البطريرك رفع الصوت في سبيل تقويم الاعوجاج وتصحيح الخلل في التوازن الوطني» سائلة «هل من خلل أكبر من الذي نعيشه حالياً سواء على مستوى تغييب موقع رئيس الجمهورية وتعطيل الاستحقاق الرئاسي وتفريغ الإدارات في الدولة وحاكمية مصرف لبنان وصولاً إلى محاولات تغيير هوية الأرض وعدم مواجهة جدية لخطر النزوح السوري؟ وأين احترام الميثاقية والشراكة الوطنية المتوازنة في إدارة الحكم؟». وتضيف الأوساط الكنسية «إذا كان أحد يعتقد أن مثل هذه الحملات ستدفع البطريرك إلى تبديل مواقفه وخياراته الوطنية فهو مخطئ، لأن البطريرك الـ 77 للكنيسة المارونية يمثّل الحلقة التي لن تنكسر بعد البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، وسيبقى ثابتاً في خياراته الهادفة إلى تقويم الاعوجاج وتصحيح المسار حفاظاً على لبنان الواحد في ظل السياسات الخاطئة التي تتمادى في ضرب الشراكة ومقومات الوحدة الوطنية».

وإذا كان العديد من الأحزاب والشخصيات المسيحية دان ما تعرّض له البطريرك الراعي، فإن شخصيات سنية ودرزية استنكرت بدورها التطاول على مرجعية مسيحية وطنية، ورفضت سياسات الاستقواء التي رهنت الدولة ومؤسساتها واختطفت قرارها. ويراهن البعض على عودة الرئيس سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده في 14 شباط/فبراير الحالي في ظل تعليق مناصري «تيار المستقبل» الآمال على هذه العودة لانتشال لبنان والطائفة السنية من المأزق كما فعل والده الرئيس رفيق الحريري بعد الحرب الأهلية، علماً أن سعد الحريري سبق وأعلن لدى تعليق عمله السياسي أن «لا فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني».

ولعل ما أدى إلى توسّع النفوذ الإيراني وتمدد هيمنة حزب الله على القرار اللبناني هو التسويات تحت عنوان منع الحرب الأهلية. وهذا ما يدفع ببعض المسيحيين إلى مطالبة بكركي والأحزاب المسيحية إلى التوقف عن مسايرة حزب الله وعقد لقاءات حوارية معه كما فعل سعد الحريري لأن التسويات جاءت على حسابه باعترافه هو. واللافت أن العديد من النخب المسيحية يرفعون الصوت منادين بالانفصال الحبي أو تطبيق الفيدرالية في كل مرة تتعرض رموزهم إلى التخوين والحملات والترهيب السياسي انطلاقاً من مبدأ أنه بين الحرية والعيش المشترك يختار المسيحيون الحرية وبين ثاقافة الموت وثقافة الحياة يختار المسيحيون ثقافة الحياة.

سعد الياس- القدس العربي

مقالات ذات صلة