كرسيّ الزعامة شاغر: الحريري العائد إلى جمهوره تثبيت استحالة شطبه من زعامة السنة

أقل من أسبوعين يفصلان اللبنانيين عن محطة أليمة في وجدانهم، فقدت في العامين الماضيين الكثير من وهجها ورمزيتها، بغياب رئيس الحكومة الأسبق ووريث الحريرية السياسية سعد الحريري، بفعل قرار قسري اتخذه بتعليق عمله السياسي، وابتعاده عن الساحة اللبنانية، التي خلت بغيابه من الزعامة السياسية للطائفة، كما لتيار “المستقبل”.

هذا الفراغ، معطوفاً على مناشدة شعبية عفوية للحريري للعودة، كان بدأ يتردد صداها قبل نحو ثلاثة أشهر، وتبلورت أخيراً بعدما تلقفتها كوادر التيار الأزرق، وساعدت في تنظيمها لإعطاء الذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد رفيق الحريري بعداً جديداً ورمزية تنطلق من رحم معاناة الطائفة السنية من الفراغ والشغور اللذين استعصى على أي شخصية أخرى ملؤهما رغم توافر الظروف والحوافز لذلك.

يعود الحريري هذه المرة ليبقى لأكثر من ٧٢ ساعة وعلى جدول أعماله إلى جانب زيارة ضريح والده، حرص على لقاء قاعدة مشتتة، وساعية وراء من يعيد للطائفة موقعها ومكانتها في المعادلة السياسية الداخلية، رغم أن لهذه الطائفة امتدادات واسعة في المحيط العربي، انقطعت أوصاله بفعل التخلي السعودي عن الحريري. يأتي الحريري مستمعاً، ساعياً إلى لملمة تداعيات خروجه قبل عامين، من دون أية وعود أو آمال كبيرة يمكن التعويل عليها لعودة دائمة، قد تكون في الواقع رهن حجم الحشد الشعبي الآتي لملاقاته تحت شعار يحمل الكثير من المعاني “تعوا ننزل ليرجع”، أي إن الجمهور الأزرق، الى جمهور عابر للطوائف تجسّد في حركة الرابع عشر من آذار، بات يعي أن عودة الحريري تصبح واجباً وواقعاً لا يمكن تجاوزه، إذا أثبتت قواعده أنه حالة لا تنتهي بفعل تعليق العمل السياسي، وأنه حاجة في ظل الغياب المدوّي على الساحة السنية، كما تقول أوساط قريبة من بيت الوسط التي تستوقفها مشهديتان، الأولى ما وصفته بالتحرك الشعبي العفوي للنزول والمشاركة في إحياء ذكرى ١٤ شباط، والثانية مطالبته لا بالعودة إلى البلد، بل بالعودة إلى العمل السياسي. وقد لفت هذه الأوساط في هذا السياق، كلام النائب في تكتل “لبنان القوي” الآن عون في جلسة مناقشة الموازنة العامة الذي استذكر شجاعة الحريري في فتح الثغرات، معرباً عن “اشتياقه له، لأنه لو كان موجوداً لكانت الأمور اختلفت كثيراً”.

لا تعني دعوة الحريري إلى العودة في رأي مصادر سياسية، إلا دعوة داخلية وحتى خارجية إلى عودة ما تمثله الحريرية السياسية من الاعتدال السني في وجه التطرّف الذي بدأ يتفشى في ظل الفراغ على الساحة المحلية كما في المنطقة، إضافة إلى الدعوة إلى توفير عوامل الاستقرار من خلال إعادة التوازن إلى التركيبة السياسية في البلاد التي اختلت موازينها بتهميش المسيحيين واستهداف السنة.

كان لافتاً أن الكلام عن عودة الحريري ولو لأيام أو أسابيع قليلة ربما ترافق مع الإعلان عن استقبال نائب وزير الخارجيّة الروسي ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاصّ للرئيس سعد الحريري، جورج شعبان الذي عرض وفق بيان صادر عن الخارجية الروسية، “رؤية الحريري وتصوّره إزاء تطوّر الأحداث في لبنان ولا سيما مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية”.

وترى المصادر السياسية في هذه الاشارة حرصاً روسياً على استعادة الحريري دوره وموقعه في أكثر المسائل الشائكة والساخنة التي يواجهها لبنان اليوم: التطورات الأمنية والاستحقاق الرئاسي. ولا تستبعد أن تكون المملكة العربية السعودية على دراية تامة وعدم اعتراض على عودة الحريري اليوم، ولو موقتة، تمهيداً ربما لعودة تدريجية، انطلاقاً من حقيقة أن العامين الماضيين شكّلا اختباراً لمدى إمكانية استبداله، وأنه لا يمكن الإمعان أكثر، ولو في شكل غير متعمد، في تهميش الطائفة وإبعادها عن موقع القرار، وضرب صلاحياتها كما هو حاصل في رئاسة الحكومة أو في المؤسسات الأخرى، على نحو يعزز المنحى المتطرّف على حساب الاعتدال السنّي، علماً بأن تراجع الاهتمام السعودي بالساحة اللبنانية في المرحلة الماضية لم يدفع المملكة إلى العمل أو البحث عن البديل، ما ترك كرسيّ الزعامة شاغراً، تماماً كما هي حال كرسيّ بعبدا، وسط تهميش تتعرّض له طائفتا الاعتدال وصمام الأمان والاستقرار!

سابين عويس- النهار

مقالات ذات صلة