هل “التيّار الوطني الحرّ” مطمئنّ الى الحراك المتجدّد للخماسية؟

منذ أن أنهت الخماسية “عطلتها” القسرية بفعل التطورات الساخنة الاخيرة في الإقليم، وعاوت حراكها عبر اجتماع أولي لسفرائها في بيروت في خيمة السفير السعودي، ومن ثم لقائهم مجتمعين قبيل نحو 36 ساعة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، أسهم كثر في سريان موجة من التكهنات في الأوساط السياسية والإعلامية يغلب على أكثرها التفاؤل ومسحة الإيجابية تبشر بقرب دنوّ موعد ملء الشغور الرئاسي الفارض نفسه في قصر بعبدا منذ أزيد من عام.

والبارز أن الجزء الاكبر من هذه الموجة التفاؤلية مبني على عامل أساسي وهو أنه ما كان لأعضاء الخماسية أن ينطلقوا في رحلة حراكهم المتجدد تلك ثم يطوّروها على أكثر من مستوى من دون أن يحصلوا على وعود مسبقة ومؤشرات صلبة تؤكد بالملموس أن ثمة فرصة ذهبية قد لاحت في الآونة الأخيرة وتضمن انتخاب رئيس للجمهورية يكون انتخابه حجر الأساس لإعادة تكوين السلطة في لبنان وإعادة بعث الروح في جسد الدولة اللبنانية المتهالك والآيل الى سقوط حتمي وشيك ما لم يتم تدارك الأمر.

واللافت أن حراك الخماسية، التي أخذت على عاتقها منذ أشهر بعيدة أن تساعد اللبنانيين على انتخاب رئيس، المنطلق لتوّه بزخم ودينامية، قد اقترن مع موجة كلام تفيد بأن هذا الحراك إنما جدّد نفسه على خلفية تطوّرين بارزين:
الأول: أنه جزء لا يتجزأ ممّا يسمّى ترتيبات “اليوم التالي” لوقف المواجهات الدائرة في الإقليم منذ السابع من تشرين الأول الماضي، انطلاقاً من فرضية أن هناك ولا شك مرحلة مختلفة ستبدأ للتوّ في الإقليم الساخن ومنه بل في مقدمه لبنان، إذا ما صحّت التوقعات بأن الأمور في غزة وقطاعها ماضية بخطى ثابتة خلال فترة وشيكة نحو صفقة تهدئة ستكون مقدمة لصفقة إقليمية أكبر وأشمل وأثبت، بناءً على ما أفرزته التطورات الساخنة على جبهتي غزة والحدود الجنوبية اللبنانية من وقائع ومعطيات عديدة.

الثاني أن تحرك الخماسية وإن كان يتجنب الدخول في تزكية اسم مرشح بعينه فإنه يضع نصب عينيه التأسيس للخيار الرئاسي الثالث الذي من شأنه إن صح وصدق أن يطوي صفحة المرشحين الاثنين اللذين استأثرا بالمرحلة الماضية.

أين “التيار الوطني الحر” وتكتله النيابي من موجة التفاؤل السارية أخيراً هذه؟ وكيف يتفاعل مع الحراك المتجدّد رئاسياً وهو المطمئن أصلاً بأن لا رئيس جديداً على نحو يخالف مشيئته؟
عن هذه التساؤلات يجيب القيادي المخضرم في التيار وعضو “تكتل لبنان القوي” غسان عطا الله فيقول: “أخشى أننا لا نتفق مع أولئك الذين سمحوا لأنفسهم بالإفراط في إظهار التفاؤل وعقد الرهانات على اعتقاد بأن ثمة مستجدات حاسمة قريباً. صحيح أن الخماسية عاودت حراكها واجتمع سفراؤها في بيروت بعضهم مع بعض أولاً ومع الرئيس بري ثانياً، لكن ذلك المعطى على أهميته وبلاغته لا يوحي بأن النهايات السعيدة لموضوع الشغور الرئاسي صارت وشيكة جداً، إذ لم يعد خافياً أن الخماسية منقسمة على نفسها وكل من أعضائها له وجهة نظر ومقاربة مختلفة عن الآخر”.

أضاف عطا الله “إن حركة أعضاء الخماسية مهمة ومشكورة ونحن لسنا من دعاة عرقلتها، ولكن باعتقادنا إن التقدم أو الجمود في موضوع ملء الشغور الرئاسي هو حصراً بيد الرئيس بري، فإن هو قرّر أن يفتح باب التقدم والانفراج لهذا الملف فعندها تُزال العقد وتسهل الأمور، وغير ذلك من شبه المستحيل أن نتوقع انفراجاً ونعد أنفسنا بحلول، وفي تقديري إن السفير المصري عضو الخماسية هو الأكثر واقعية وموضوعية عندما يقول صراحة إننا (كخماسية) نحاول ونسعى ولكن الكرة في نهاية المطاف ما زالت في الملعب الداخلي اللبناني، وفي ظل هذه الانقسامات المتجسدة في مجلس النواب يصعب حدوث خرق. فضلاً عن ذلك ما زال أعضاء الخماسية عند رأيهم المعروف سلفاً بأنهم يحاولون إنتاج صيغة داخلية تكفل هي تزكية رئيس وأنهم إنما يعرضون بعض الأسماء ولكن ذلك من باب التشاور لا من باب الفرض”.

وعن مصير العرض الذي سبق للتيار أن أطلقه وأعلن استعداده للتحاور مع الثنائي الشيعي والقائم على فكرة الاستعداد للتحاور حول مرشح ثالث؟ أجاب عطا الله: “هذا هو برأينا الطرح الأسلم إذ يتعيّن أن نتجنب فكرة طرح رئيس الأمر الواقع لأن ذلك من شأنه أن يخلق مشكلة في البلاد للأعوام الستة المقبلة”.

واستدرك قائلاً “أما في حال الإصرار على هذا الطرح لكونه الخيار الوحيد الذي يقبل به ويريدون أن نسير معهم فيه ونصوّت وإياهم فإن شرطنا الأساس هو ما أعلناه سابقاً بأن عليهم أن يعطونا مسبقاً اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الائتماني وبعدها نقبل بأي شيء لأن هذا ما نريده من الرئيس المقبل، أما إن كانت هناك نيّة للوصول الى تفاهم على اسم ثالث فنحن من المرحبين بشدة لاعتبارات عدة أبرزها أننا نرى ضرورة الإتيان برئيس غير استفزازي، وهذا يتعيّن أن يحوز الصفات الآتية:
– أن تكون لديه حاضنة مسيحية.
– أن يجد قبولاً إسلامياً.
– وأن يحوز ثقة الخارج.

ونحن نشدد أيضاً على أن لا يكون مستعداً لطعن المقاومة أي لديه فهم لموضوع صون السيادة الوطنية، وأن يتمتع بعقلية اقتصادية منفتحة ومستعدة لإنقاذ البلاد من أزماتها على هذا الصعيد”. وأضاف “أعتقد، خلافاً لكل ما يقال، أن في الوسط الماروني العديد من الشخصيات التي تتوافر فيها هذه المواصفات والمزايا”.

ثم ختم “إذا بدأنا حواراً ثنائياً أو ثلاثياً على هذه الأسس فإننا حتماً سنسهل مهمة الخماسية، وإلا فإنني أخشى أن يكون رهاننا على اختراق وشيك ومضمون تؤمنه الخماسية في غير محله”.

ابراهيم بيرم- النهار

مقالات ذات صلة