تواصل الحريري منقطع سياسيّاً: “مسافات شخصية” لا مكانية فقط بين الحريري وأقطاب سياسيين

يخفت الحديث عن ماهية العودة الحضورية للرئيس سعد الحريري إلى بيروت على نطاق أروقة الأحزاب السياسية، التي لم يعد يجمع غالبيتها أيّ تواصلٍ مباشر أو شخصي مع رئيس تيار “المستقبل” الذي اتخذ قرار تعليق العمل السياسي قبل عامين. وينحصر تواصل القوى السياسية المتلاقية مع “التيار الأزرق” في المبادئ الأساسية مع مسؤولين أو منسّقين خصوصاً خلال الاستحقاقات الانتخابية النقابية. ويتّضح أن الحريري يبتعد عن السياسة وأحزابها على حدٍّ سواء، متّخذاً قراره في المضيّ باعتباراته من دون متغيّرات أو تحوّلات. وثمّة “مسافات شخصية” لا مكانية فقط بين الحريري وأقطاب سياسيين بما يشمل بعض أولئك الذين لطالما كانت جمعتهم وإياه محطات تحالفية وتاريخية. وبالكاد في الإمكان العثور على سياسيّ يجمعه تواصلٌ مسهب مع الحريري في هذه المرحلة تحديداً. حتى النائب آلان عون الذي أخذ على عاتقه بمفرده مناداة الرئيس المعتكف ومناجاة غيابه في خضمّ مناقشة مشروع الموازنة، كان التواصل الأخير له معه عندما التقاه شخصياً قبل حوالي عامٍ في “بيت الوسط”. ويعتبر نائب تكتل “لبنان القوي” أنّ تصريحه يندرج في سياق منطقيّ ناتج عن افتقادٍ لسعد الحريري مع “تحبيذ عودته وأن يعتلي مكانه الشاغر في المعادلة الوطنية ما يسهم في إعادة حال التوازن، لئلّا يتراكم تأثير غياب مكوّن أساسيّ من ميزاته الليونة والصراحة والقدرة على عدم التعنّت وشجاعة المبادرة”. وإذا كان النائب عون انطلق في كلمته البرلمانيّة من فحوى شخصيّ بحت، إلّا أنّه يعبّر عن تلاقيه في ما قاله مع تياره السياسيّ الذي كان أعرب في مناسبات سابقة عن معنى مماثل.

لا يوجد تواصل شخصي بين رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع والرئيس سعد الحريري في هذه المرحلة لأنّ الأخير بعيدٌ عن السياسة. وينطلق الموقف الرسمي لـ”القوات اللبنانية” من اعتبار أن عودة الحريري عن تعليق عمله السياسي مسألة متعلّقة به شخصياً بعدما اتخذ قراره الاعتكافيّ، لكنّ تيار “المستقبل” لا يزال موجوداً في الحياة النقابية وأمينه العام يتحرّك مناطقياً على النطاق التنظيمي. ويشكّل “المستقبل” تياراً سياسياً عابراً للمناطق وحاضراً ضمن تحالف قوى 14 آذار تاريخياً، بالنسبة إلى “القوات اللبنانية”. ولم ينحسر التحالف السياسي بين “القوات” و”المستقبل” رغم التباينات الطبيعية بين المكونين إلّا أنهما تحالفا أيضاً في انتخابات نقابية، وتنسيقهما النقابيّ سيحصل في استحقاقات مقبلة أيضاً. لا تواصل بين حزب الكتائب والرئيس سعد الحريري منذ اتخاذ الأخير قرار الاعتكاف السياسيّ، إنّما ثمّة مشاورات مع مسؤولين من تيار “المستقبل” وتنسيق في بعض النقابات، استناداً إلى ما علمت “النهار”. ولا يلغي غياب التواصل مع الحريري تأكيد الموقف الرسمي الكتائبي تحبيذ عودته، لأنّ “مكانه الطبيعي في وطنه بين مناصريه وأهله؛ ولا بدّ من وجود لكلّ الأفرقاء المؤثرين في صلب الحياة الوطنية خلال هذه المرحلة الحرجة”.

ليست العلاقة السياسية في أوجِها بين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار “المستقبل” في هذه المرحلة تحديداً، وخصوصاً بعد التأزم الناتج عن اختلافٍ في الآراء نتيجة قرارات كان اتخذها وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي واعتبرها “المستقبل” جائرة وتنفيذاً لما سمّاه “أمر عمليات سياسيّ”. ويتبيّن أن التواصل بين قيادتي التقدمي الاشتراكي و”المستقبل” منقطع منذ استحقاق الانتخابات النيابية الماضية، وفق المعطيات التي تخفّض “سقف الترجيحات” في إمكان أن تطرأ متغيرات سريعة على الأوضاع المكفهرّة بين الفريقين السياسيين. ولا ينحصر الخلاف حول المقررات التربوية حصراً. وكانت البرودة قد بدأت منذ استحقاق الانتخابات النيابية الماضية، حيث لم تحبّذ رئاسة التقدمي طريقة تعامل رئاسة تيار “المستقبل” وما أدّت إليه المفاوضات حينذاك. وهذا ما اعتبره البعض بمثابة “عدم أخذ في الاعتبار لكلّ المراحل التي كان فيها وليد جنبلاط سنداً سياسياً لسعد الحريري”.

تنتظر حركة “أمل” قرار الحريري في العودة عن اعتكافه السياسي وتؤيّد ذلك مع تساؤلات تبديها حيال إذا كانت الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ قرار تعليق عمله السياسي قد انتفت حالياً. فهل بات رئيس “المستقبل” حاضراً لاستهلال نشاطه السياسيّ؟ لا إجابة لدى أوساط حركة “أمل” على هكذا تساؤل حالياً، علماً أنّ ثمّة انتقادات وجّهها بعض المتابعين السياسيين لناحية ما قاله النائب آلان عون في خضمّ مناقشة مشروع الموازنة تحديداً من دون أن تكون انتقادات موجّهة لشخص النائب عون تحديداً. ويرجع السبب إلى اعتبارهم أنّ الخلافات مع رئاسة “التيار الوطني الحرّ” كانت إحدى أسباب اعتكاف الحريري عن العمل السياسي، ولأنّ الجلسة مخصصة لإقرار الموازنة.

في غضون ذلك، لم يتحدّد حتى اللحظة إذا كانت مشاركة الرئيس سعد الحريري في ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري ستشمل اجتماعات سياسية يعقدها مع التكتلات النيابية على غرار ما حصل عند حضوره إلى لبنان العام المنصرم. ولم تتبلّغ القوى السياسية بمواعيد حضورية رغم تحبيذ بعضها الاجتماع به للإشارة إلى دعم مزاولته السياسة، رغم علمها بأنّ أسباب اعتكافه لم تنتفِ، مع انتظار ما يمكن أن يتبلور في الأيام المقبلة لناحية تحديد مواعيد سياسية من عدمها.

“النهار”- مجد بو مجاهد

مقالات ذات صلة