الحرب مختلفة عن حرب تموز وما سبقها: مصير “الحزب” هو الأصعب

هل الحرب ستنعكس تقويضاً لنفوذ إيران أو حلفائها في المنطقة، أم تكريساً لدورها ودورهم؟

تفرض حرب غزة إعادة النظر في مواقف وسياسات، وإعادة تحديد مصطلحات من قبل كل طرف لتسويق مفهومه للحرب. فإيران وحلفاؤها كانوا قد أعلنوا مسبقاً عن معادلة وحدة الساحات، ومارسوها بشكل أو بآخر. فيما الولايات المتحدة الأميركية تعمل على تجزئة هذه الساحات إلى ملفات منفصلة عن بعضها البعض، من خلال التعامل مع كل ساحة على حدة. ففي اليمن يندرج التحرك الأميركي في إطار الرد على تهديد الحوثيين للبحر الأحمر، ولا يربطه الأميركيون بالحرب على غزة. في العراق وسوريا، فتح الأميركيون مساراً جديداً يرتبط بالنقاش حول الانسحاب، وبالتالي سحب مسألة تصعيد حلفاء إيران نصرة لغزة إلى مفاوضات حول هذا الانسحاب. أما في لبنان، فالتفاوض يشمل البحث عن حلّ حدودي وإعادة تثبيت ترسيم الحدود بالإضافة إلى البحث عن حل سياسي للأزمة الداخلية.

حرب المصطلحات
إسرائيل أيضاً، لديها حرب مصطلحاتها، والتي لا بد من التعاطي معها باهتمام وتركيز. فما يعلن عنه الإسرائيليون يختلف عن ما يريدونه فعلياً. إذ يعلنون عن أن حربهم الوحشية التدميرية والتهجيرية، ليست بهدف التهجير بل في سبيل القضاء على الجسم العسكري لحركة حماس، ومن أجل إطلاق سراح الرهائن، ومنع قطاع غزة أن يكون مجدداً مصدر تهديد لأمن المستوطنات. اختار الإسرائيليون ثلاثة شعارات يمكن أن يكسبوا منها غطاءً دولياً، وهو ما حصل. ولكن في المقابل، فإن آلية عملهم العسكرية تدفع إلى تحقيق أهداف أبعد مما هو معلن، وبالتالي تدمير قطاع غزة كلياً، تهجير النسبة الأكبر من سكانه. وكلما طال أمد المواجهات العسكرية، أخذت اسرائيل فرصة للتدمير أكثر.

في حرب المصطلحات أيضاً، لا بد من المرور على أهمية قرار محكمة العدل الدولية، التي أدانت أعمال الإبادة الجماعية التي تقوم بها اسرائيل، وهذا هو مربط الفرص.

في خضم حرب المصطلحات هذه، يطرح سؤال حول نتائجها، وإذا كانت ستنعكس تقويضاً لنفوذ إيران أو حلفائها في المنطقة، أم تكريساً لدورها ودورهم؟ خصوصاً في ضوء الحديث عن تجديد المفاوضات الأميركية الإيرانية أولاً، والطروحات الأميركية حول الانسحاب من سوريا والعراق ثانياً.

تحولات الحرب
هنا يفترض إعادة تطوير آلية التفكير. فبدلاً من انتظار عملية توسع الحرب، والتي هي بالفعل توسعت، ولو على نحو يختلف عن الحرب التقليدية التي كانت تخاض سابقاً. فالإسرائيليون عملوا على تطوير هذا المفهوم تقنياً من خلال الأسلحة المستخدمة، واصطلاحياً من خلال تركيزهم على ضرب البنى التحتية لحزب الله. وبالتالي، الحرب مختلفة عن حرب تموز وما سبقها. مثل هذه الحروب يطول أمدها وتستمر، فيما لن تكون اسرائيل خاضعة لضغوط لوقفها، طالما أنها تعلن عن استهداف بنية حزب الله ولا تشن حرباً ضد مرافق عامة لبنانية أو تدمير مدن وبنى تحتية. من جهته يعمل الحزب على تطوير آلية رده وعملياته العسكرية.

كذلك فقد تغير العنوان في التعاطي مع الحوثيين، عبر جعل أي حرب معهم بمثابة رد على المخاطر التي يسببونها على الملاحة البحرية والتجارة العالمية. والأمر نفسه ينطبق على آلية التعاطي مع الميليشيات العراقية التي تستهدف مصالح أميركية.

عملياً، يمكن لهذه الحرب أن تكون قد غيرت من المفاهيم التي كانت سائدة سابقاً، وخصوصاً حول كيفية التعاطي مع حلفاء إيران. فسابقاً كانت النظرة لهذه القوى قائمة على تصغير أدوارها، واعتبار أن الاتفاق مع إيران يسهم في معالجة تأثير تلك القوى. وهذه النظرة التي كانت ترتكز عليها إدارة أوباما في مفاوضات الاتفاق النووي.

العودة الأميركية
إحدى نتائج هذه الحرب هي عودة الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً إلى المنطقة. فالأساطيل الأميركية تؤازر البواخر وتصد صواريخ الحوثيين، وترد على هجمات حلفاء إيران في العراق. وهذه تطورات معاكسة لسياسة أوباما. فقد كان الهدف الإيراني المرسوم للمنطقة منذ أكثر من عشر سنوات هو انسحاب الأميركيين من غرب آسيا، لكنهم الآن يعودون. وأي انسحاب أميركي من القواعد التي تتعرض للضرب في سوريا أو العراق، هو عبارة عن انسحاب تكتيكي وليس انسحاباً عسكرياً من المنطقة. ما يعني أن المواجهة ستكون مختلفة وغير مرتكزة على الوجود في القواعد، خصوصاً أن نظام حماية هذه القواعد يكلف الكثير مقارنة بالصواريخ المنخفضة الكلفة أو الطائرات المسيرة.

هناك من يعتبر أن الحوثيين يرتكبون خطأ استراتيجياً في جعل أنفسهم خطراً على التجارة العالمية والملاحة البحرية وخطوط النفط والغاز. وهذا ما يدفع للضغط في اتجاه التعامل العسكري مع الحوثيين. لأن المصالح الاقتصادية هي التي تحدد المسارات العسكرية، ولا يمكن التسليم للحوثيين بأن تبقى لهم اليد العليا في البحر الأحمر. وهذا أمر لا يمكن للأميركيين القبول به. الأمر نفسه ينطبق على الميليشيات العراقية الحليفة لإيران، والتي عملت على توجيه ضربات ضد المصالح الأميركية، فتم الرد عليها.

أما السؤال الأبرز والأصعب، فهو حول دور حزب الله، والذي يعتبر درة تاج المشروع الإيراني المتقدم في المنطقة، هنا لا يمكن التفريق بين الحزب وإيران. الأكيد أنه لا يمكن في لبنان ترتيب أي حل من دون تسوية. ولكن السؤال، هل هذه التسوية ستقود إلى تقويته، أم تعيد إحياء التوازن؟

قد تكون التسوية مرتبطة بكيفية إعادة التوازن للنظام اللبناني، لا حرب أو تصعيد مع الحزب، ولا منحه المزيد من المكتسبات في بنية النظام، أو على خط الاستحقاقات السياسية، كانتخابات رئاسة الجمهورية وغيرها.

منير الربيع- المدن

مقالات ذات صلة