البرلمان يقرّ الموازنة من دون معرفة النواب حقيقة الأرقام
أنهى مجلس النواب جلسة مناقشة موازنة العام 2024 بعد يوم ماراتوني غير مسبوق لا من حيث طريقة المناقشة ولا من حيث الأسلوب الذي اعتمده النواب في المناقشة، لدرجة أن المجلس أقرّ الموازنة من دون التصويت بالمناداة نتيجة الهرج والمرج الذي ساد الجلسة في ساعتها الأخيرة.
وقد جرى تعديل بعض المواد وإلغاء البعض الآخر لدرجة يصعب معها معرفة حقيقة الأرقام التي رست عليها الموازنة بشكل نهائي، وقد سجّل كل طرف أو فريق سياسي مواقفه التي يمكن وصفها بالمبارزة الشعبوية من خلال تقديم إقتراحات خلال المناقشة رغم أن لجنة المال درست المشروع وعقدت 26 جلسة لهذه الغاية.
ورغم مرور يومين من الكلام المباشر وكلام 41 نائباً إلّا أنّ بعض المواد التي أُقرّت في الموازنة لحظت رفع الرسوم البلدية بين 10 و20 ضعفاً بين السكني وغير السكني، كما أقرّت ضريبة إستثنائية 10% على عمليات الدعم التي قام بها مصرف لبنان وكذلك ضريبة بنفس النسبة على عمليات صيرفة التي تمّت سابقاً من خلال مصرف لبنان.
ولم تصل الإقتراحات التي تم تداولها بشأن السحوبات ورفع المبلغ من 15 ألفاً إلى أرقام جديدة على خلفية أن هذا الأمر ليس من صلاحية مجلس النواب وإنما يتمّ بالتفاهم بين مصرف لبنان والمصارف.
كذلك لم تعالج الموازنة والجلسة كل ما يتعلق بتصحيح الرواتب والأجور وتعويضات نهاية الخدمة على أن تأتي في مشاريع قوانين منفصلة. وشهدت الجلسة عدداً من السجالات كان أبرزها وأقواها ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري ردّاً على كلام النائب سليم عون حول مسألة تبني الموازنة باقتراح قانون من قبل التكتل، بأن هذا الأمر غير دستوري وغير قانوني ومخالف للنظام الداخلي وسبق وقلت للزميل جبران أنه لن يمرّ.
حوالى سبع ساعات استمرّ النقاش العقيم تحت قبة البرلمان في جوّ من «التشليع» وليس التشريع على حدّ وصف النائب جهاد الصمد، حيث هدّد بري أكثر من مرّة برفع الجلسة بسبب الفوضى في الكلام والانتقال في مناقشة وطرح المواد.
في المحصّلة، أقرّ المجلس قانون الموازنة البالغ 96 مادة وهي سوف تخضع للتصحيح بطبيعة الحال قبل توقيعها من قبل بري وإحالتها إلى رئاسة الحكومة للتوقيع والنشر.
ما جرى لجهة التصويت على الموازنة بلا مناداة بالأسماء لا يمكن تفسيره إلا أنه أخرج الموازنة والحكومة بأقلّ الأضرار ولكي لا تكون نتيجة التصويت هزيلة كما كان متوقّعاً بعدما ارتفع عدد المعارضين لها ليوازي المؤيدين.
كذلك كان ملفتاً مشاركة مختلف نواب المعارضة في النقاش وإدخال التعديلات على بنود الموازنة وكأن الجميع كان مسلّماً بأنّها ستقرّ.
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ردّ قبيل بدء المناقشة بنداً بنداً، على مداخلات النواب بكلمة وجه فيها رسائل سياسية مختلفة كان أبرزها لمن قال بأنه يعتقد البقاء في المشهد السياسي من خلال إستعمال آلة الشتم، لكن فاته أنه لا يستحق الردّ عليه بنفس الطريقة ولا حتى الهجاء أو المديح.
وعندما حاول النائب سليم عون مقاطعته والسؤال عن أموال حقوق السحب، ردّ ميقاتي بالقول بأنها صرفت أيام الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا ومن خلال قرارات مجلس الوزراء وبعدما غادر، بدأنا نوفّر الأموال التي أمّنت الفائض وقد شارك في الرد أيضاً وزير الصناعة جورج بوشكيان على النائب عون.
وتابع ميقاتي بعدما تدخّل عدد من النواب معترضين على مقاطعته، بالتأكيد على موقف لبنان الذي يحترم القرارات الدولية ولا يريد الحرب التي تقرّرها إسرائيل.
ولفت إلى أنّ الحكومة أوقفت الإنهيار وبداية التعافي والموازنة ليست مثالية ولكنها تؤسّس لانطلاق مرحلة جديدة.
وشدّد ميقاتي على أن السلوك الذي تعتمده الحكومه في هذه المرحله يتوافق مع ما قرره المجلس الدستوري وخصوصا في قراره الرقم سته على 2023 وحسم بموجبه مسألة دستورية جلسات الحكومه ودستوريه الآليه المعتمده لعقدها وكيفية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء مشيراً إلى أن أي حجه لتعطيل مجلس الوزراء هي واهية، ومؤكداً أنهم عندما حاججتهم في موضوع الميثاقيه قالوا حرفياً ليس كل من يصلّب على وجهه مسيحي وهذا القول معيب ويشكّل إهانه للوزراء المشاركين في الحكومة ولحضورهم والعمل الكبير الذي يقومون به، مشدّداً على أنه يقوم بدوره ويتحمل مسؤوليته بحسب الماده 64 من الدستور وينفّذ سياسه الحكومه وله حق القيادة والسلطه على مجلس الوزراء والوزراء والادارات والمؤسسات العامة ومراقبة تنفيذ هذه السياسه والاشراف عليها.
وشدد رئيس الحكومة على ان هناك اتهامات تساق للحكومة غير صحيحة فنحن موقفنا الثابت والمكرر يركز على الالتزام بكل القرارات الدولية والاتفاقات منذ اتفاق الهدنة الموقعة عام 49 وصولاً الى القرار 1701 وكل القرارات ذات الصلة كما نكرر مطالبتنا بوقف اطلاق النار في غزة لكونه المدخل الالزامي لكل الحلول وهذا الموقف ينطلق من سياسة تفرض ذاتها واقعية على المستوى اللبناني وعلى المستوى الاقليمي والدولي مستعرضاً ما رد فيه مؤخراً على مراسلة بينه وبين وزير خارجية الولايات المتحده الاميركية بتاريخ العاشر من الشهر الجاري والتي اكد فيها استعداد لبنان لعقد اجتماعات ثلاثية لحل النزاعات المتبقية بين لبنان واسرائيل من خلال معاهدات وقرارات الامم المتحدة انطلاقاً من عام 49 وضرورة فرض وقف دائم للحرب في غزة لتأمين المساعدات الانسانيه واطلاق مبادرة دولية لحل دائم للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني واحياء مبادرة حل الدولتين. وفي موضوع النازحين شدد ميقاتي على ان الحكومة لم توفر جهداً الا واثارت هذا الملف في كل المحافل الدولية وهي تسعى دائما لايجاد حل لهذه المشكلة.
وبعدما استعرض ميقاتي بعض الأرقام والتفاصيل المتعلقة بمشروع الموازنة وما أنجزته الحكومه على هذا الصعيد خلص الى القول بجملة اعتراضية قال فيها «انتخبوا رئيساً وحلّوا عنّا» وهنا تدخل عدد من النواب واعترض على هذا التعبير فطلب برّي شطب هذه العبارة من محضر الجلسة.
اكرم حمدان- نداء الوطن