إيران تفرض إيقاعها: لا جدوى رئاسية للجنة خماسية من دونها!
بقي «الفيتو» الإيراني عاملاً مؤثراً في عدم التوصل إلى تسوية رئاسية، بالمعنى الذي ترضى عنه اللجنة الخماسية.
في وقت تفرض إيران إيقاعها بعد تشعّبات حرب غزة، ومع وقوع لبنان تحت تأثيراتها، لا يمكن الكلام عن تحريك للملف الرئاسي ما دامت إيران خارج اللجنة الخماسية، فضلاً عن أن ثمة تسليماً أوروبياً بأن لا شي جدياً في هذا الملف…
ثمّة سؤال مطروح في دوائر أوروبية عن حقيقة اعتقاد الوسط السياسي اللبناني بأن الملف الرئاسي تحرّك في هذه المرحلة، وأن هناك احتمالات جدّية لوصوله إلى خواتيمه. السؤال مقرون باستغراب عما إذا كان لبنان على دراية بحجم المخاطر العسكرية التي تحيط به، فضلاً عما يحيط بدول المنطقة وجوار إسرائيل، بما لا يسمح بأن يكون الملف الرئاسي مطروحاً بالشكل المتداول لبنانياً. وهذا يعيد إلى المربع الأول الذي كانت خلاله عواصم فاعلة تدفع عبثاً في اتجاه لبننة الاستحقاق، قبل حصول موانع إقليمية، وقت كانت المنطقة شبه هادئة.منذ 7 تشرين الأول، باتت دول المنطقة على نار تحت الرماد. كل ما يمكن أن يتصل بإسرائيل وأمنها، وبالوجود الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، أصبح على بساط البحث، ليس فقط لجهة العمليات العسكرية من قصف واستهدافات متبادلة تطاول ساحات المنطقة من العراق إلى اليمن وسوريا ولبنان.
وضع مصر والأردن أصبح دقيقاً بالقدر الذي يثير لديهما علامات قلق على ما يُعد إسرائيلياً لهما على الصعيد الفلسطيني. وهذا من شأنه كذلك أن يمدد المخاوف إلى لبنان بطبيعة الحال. كل ذلك في كفة مع عدم تبيان أي ملامح حل لحرب غزة على المدى المتوسط. وفي كفة أخرى، يعود الحضور الإيراني ليتخذ زخماً متجدداً في إدارة الأنشطة في المنطقة وأبعد منها، في شكل يتعدى ما كان مطروحاً في مراحل سابقة لجهة الملف النووي الإيراني.
اليوم، ومع دخول الولايات المتحدة السباق الرئاسي ومع مستوى الضغط الإسرائيلي في وجه إيران، تصبح الأخيرة أكثر حضوراً في ملفات المنطقة، كلاعب أساسي يصعب تخطّيه. حتى الحوار السعودي – الإيراني والإيراني – الخليجي، لم يصل إلى مراحل تسوية يمكن الركون إليها. أقصى ما وصل إليه حتى الآن تفاهم بالحد الأدنى على خصومة نائمة تستفيق حين تدعو الحاجة.
في هذه الصورة المتشابكة، يتكرّس وضع لبنان بين حدّي الحرب التي تهدد بها إسرائيل والانهيار المؤسساتي وعلى رأسه الشغور الرئاسي. وفي كليهما تصبح للنفوذ الإيراني كلمة فصل، فيصير الكلام المتجدد رئاسياً عن تفعيل اجتماعات اللجنة الخماسية وسفراء دولها في لبنان كلاماً عبثياً.
اليوم ثمة تسليم من دول معنية بأن لا شيء متقدماً في ملف الرئاسة على عكس ما يوحى به لبنانياً. صحيح أن هذا الملف لم يوضع على الرف، لكن عدم تحييده بالمطلق لا يعني أنه أولوية طارئة، رغم التسليم الأميركي والأوروبي بالحاجة الملحّة إلى وجود رئيس للجمهورية في أي مفاوضات يُعمل عليها . لكنّ الوقت لم يحن بعد لخرق على هذا المستوى. فانشغال واشنطن بتطورات الخليج والبحر الأحمر وغزة، بصرف النظر عن أي حركة فاعلة على هذا المستوى التي تتطلب توافقاً إقليميا ودولياً، ورغم نوايا فرنسا الدائمة لإيجاد حلول رئاسية، إلا أن دورها اليوم أصبح ملتصقاً باللجنة الخماسية ككل، من دون أن تمتلك هامشاً وحدَها. ولكل من السعودية وقطر ومصر اهتمامات متفاوتة اليوم بوضع لبنان في ظل تطورات غزة واحتمالاتها المستقبلية.
ما لم تسلّم به طهران قبل تطورات الأشهر الأربعة الأخيرة، لن تسلّم به اليوم
في المقابل، ومنذ أن توسّع إطار البحث الدولي حول وضع لبنان من ثنائي إلى ثلاثي فلجنة خماسية، طُرح موضوع مشاركة إيران في النقاشات التي كانت دائرة. لكنّ إيران ظلت خارج الإطار الرسمي، وبقيت على تواصل عبر قطر. لكن مع ذلك، بقي «الفيتو» الإيراني عاملاً مؤثراً في عدم التوصل إلى تسوية رئاسية، بالمعنى الذي ترضى عنه اللجنة الخماسية.
مع حرب غزة، أصبح الوضع الإيراني أكثر دقة، وفي الواجهة أكثر فأكثر. ما يعني، أن ما لم تسلّم به طهران قبل تطورات الأشهر الأربعة الأخيرة، لن تسلّم به اليوم، في وقت لم تنقشع بعد الرؤية الدولية لما يُرسم للمنطقة. ورغم أن باب التفاوض الدولي معها لا يزال مفتوحاً منذ ما قبل غزة، إلا أن إيقاع الخضات العسكرية في المنطقة يسير في خط متواز، كما حال الحرب في لبنان. ما يفترض حكماً أن كل ما دون ذلك من ملفات عالقة لن يكون في أولويات إيران في الوقت الراهن. من هنا، يتحول لقاء اللجنة الخماسية أو لقاءات سفرائها في لبنان إلى مجرد حركة روتينية من باب تسجيل الوجود الدبلوماسي لا أكثر ولا أقل. وما دامت إيران في مكان آخر، واللجنة الخماسية أو سفراؤها يتنقّلون في بيروت حيث لم تجر العادة أن يكون هناك قرار مركزي، وحيث لا كلمة للقوى السياسية يؤخذ بها، يصير الكلام عن الرئاسيات خارج المنطق السياسي. لا يعني ذلك أن الدول الممثّلة في اللجنة الخماسية ستسلّم برأي إيران وحزب الله في اختيار مرشحهما الرئاسي. هذا الأمر محسوم في شكل قاطع. لكن ذلك يعني أولاً وآخراً أن الكلام الجدّي في الرئاسة لم يبدأ بعد، وباريس وواشنطن تعرفان ذلك. أما في لبنان فتضخيم الحركة الرئاسية، والالتهاء بجدول أعمال الموفدين، يساهمان في تغطية العجز السياسي ويصرفان النظر عن حقيقة ما يدور من مفاوضات تتعلّق بالحرب والسلم.
هيام القصيفي- الاخبار