منتخب لبنان خارج كأس آسيا مجدّداً: متى ينتهي هذا البؤس؟
كان زمناً مختلفاً ذلك الذي خرج فيه منتخب لبنان من دور المجموعات في كأس آسيا لكرة القدم التي استضافها عام 2000. البلد، كلّه، كان مختلفاً، إلّا في نتائج هذه اللعبة. تغيّرت (اتحادات)، شُيّدت (ملاعب)، هُجرَت أخرى، اعتزل حُكّامٌ على أرض الملعب وخارجه. اعتزل جيلٌ وأكثر، لا اللعب فحسب، بل المتابعة أيضاً. دُفعت مئات ملايين الدولارات، وهذه اللعبة، كما الشكل العام للبلد، صمدت، بضعفها وفشل منظومتها.
24 عاماً على أوّل مشاركة لمنتخب لبنان في كأس آسيا، أتت أخيراً، بعد استضافته البطولة. قبلها بستّة أعوام، حصل اتحاد طاجيكستان لكرة القدم على عضويّة الاتحاد الدولي «فيفا»، بعد عامين فقط على خوض المنتخب الأول مباراته الرسمية الأولى أمام أوزبكستان. آنذاك، لم يكن هذا المنتخب قد دخل التصنيف بعد، واليوم، يتأهّل إلى الدور الـ16 في نهائيات كأس آسيا التي تقام في قطر، لأوّل مرةٍ في تاريخه، وفي مشاركته الأولى فقط. حدث ذلك، بعدما حقّق فوزه الأوّل، وسجّل هدفه الأوّل، والثاني، أمام لبنان في ثالثة مشاركاته التي فشل فيها مجدداً بالتأهّل إلى هذا الدور، ليضعه في ذيل مجموعته، وخلفه في التصنيف الدولي.
أراد القدر، أو غيره، أن تتأهّل طاجيكستان على حساب لبنان تحديداً، بعد ثلاثة أشهرٍ على فوزه بجائزة أفضل اتحاد وطني، مقدّمةً من الاتحاد الآسيوي للعبة. باعتبار أحد مسؤولي الاتحاد الوطني، فإن هذه الجائزة جاءت «لتعكس مدى شفافيته (الاتحاد اللبناني) وتطوّره على جميع الأصعدة، الفنية والإدارية والمادية». تطوّرٌ ينعكس على الأرض بفشل أي منتخبٍ من أي فئةٍ عمرية بالتأهّل إلى أي بطولةٍ قاريّة. هو التطوّر عينه، الذي هجّر جمهور اللعبة من ملاعبها، وحجّمها في ملعبٍ واحد، وأدّى إلى وصول مستوى الدوري المحلّي إلى أدنى مستوياته. التطوّر نفسه الذي أهدى الهند وتايلند وطاجيكستان انتصاراتٍ تاريخيّة على لبنان في ظرف عامٍ واحد، بل وضع بنغلادش ومنغوليا في مستوى واحدٍ مع «رجال الأرز».
دخلت كرة القدم اللبنانية نفقاً مظلماً منذ أعوام، لا ترى نوراً في آخره. يُمكن التحجّج بكل ما يحيط لبنان، وفي هذه الحجج شيء من الحقيقة فعلاً، لكن كيف لهذه اللعبة، التي باتت تفقد شعبيتها، أن تحمل هذا الفشل الذريع في البلد عينه الذي تحمل فيه كرة السلة ثلاثة منتخباتٍ إلى كأس العالم مرةً واحدة؟ ودون فتح باب الاختلافات بين اللعبتين (وهي ليست كثيرة بل محدّدة)، يُمكن للجمهور أن يستخلص من هاتين النتيجتين مدى الإخفاق في الإدارة في الأولى، وهي إدارةٌ بدأ عهدها بعد عامين أيضاً من استضافة البطولة القاريّة على الأراضي اللبنانيّة، ولا تزال صامدةً على الرغم من كل الإخفاقات، فلا الاستقالات تُقدّم، ولا هي تُقبَل حين تُقدّم، ولا يؤخذ بها حين يطلب أحد أعضاء الإدارة استقالةً جماعية، فيبقى هو أيضاً على كرسيه.
يقول مقدّم برنامجٍ على القناة الناقلة لكأس آسيا 2023، إن الغريب هو كأن البطولة تقام على أرضٍ لبنانيّة بسبب الحضور الكثيف للبنانيين في المباريات. ويعلّق قائد المنتخب سابقاً، رضا عنتر، إن أفضل ما قدّمه لبنان في البطولة، هو جمهوره (والهدف الذي سجّله). ويحقّ لهذا الجمهور الذي يتابع منتخب بلده في كل بلد أن يسأل: «متى ينتهي كل هذا البؤس؟».
وليس من الخطأ حقّاً تحليل المباريات ومحاولة فهم أسباب نتيجة مباراةٍ من هنا وهدفٍ من هناك، بل إن في هذا الفعل تطوّراً مثل الذي يُشير إليه المسؤول. لكنّ البحث (إن كان بُدّ من ذلك، ولو أنه يبدو واضحاً) في الأسباب الكامنة خلف هذه النتائج عموماً، ليس على صعيد بطولة كأس آسيا، أو البطولات والتصفيات التي سبقتها، أو التي ستأتي من بعدها، أو المستوى العام للعبة، هو الهدف غير المسجّل بعد. وإن كان لشخصٍ أن تسوّل له نفسه، إلقاء اللوم في هذه النتائج على خطأ لاعب أو مدربٍ على أرض الملعب، فإنه من الأبدى أن يبحث عن الأسباب الدافعة نحو الفشل العام الذي يُلقي بظلاله حُكماً على اللاعبين والمدربين والإداريين وكل من له شأنٌ في اللعبة. وإن كان لا بدّ من جوابٍ على السؤال، فإن هذا البؤس لا ينتهي.
علي زين الدين