أذرع إيران تلف المنطقة: القبض على السلطة في الداخل وتصدير الثورة الى الخارج!

أذنا الأرنب الإيراني تطل بارزة في خلفية معظم الصراعات المشتعلة في المنطقة الآن. ونظام الملالي يطبق بنجاح تجربة البلاشفة في القبض على السلطة في الداخل وتصدير الثورة إلى الخارج. ومع الإختلاف في السردية الأيديولوجية المؤسسة لقيام النظام، بين بناء الجنة على الأرض وضمان اكتسابها في السماء، يلتزم نظام الملالي بما اعتمده لبلاشفة في تشكيل أذرع في الخارج. وبفعل الأيديولوجية الدينية، لم تتمكن إيران من بناء اذرعها المسلحة سوى في محيطها المسلم بغالبيته، وشكلت في العالم الأوسع ما يسمى بالخلايا النائمة التي تنهض غب الطلب.

بعد إنتصار البلشفية على رديفتها النازية وتمكنها من السلاح النووي العام 1947، تصاعد توجهها نحو دعم العمل المسلح لأذرعها في البلدان المتخلفة ـــ من الصين إلى فيتنام وشبه الجزيرة الكورية. وقد يكون إقتراب إيران من إمتلاك السلاح النووي أحد أبرز العوامل في بروز أذني أرنبها في خلفية كل الصراعات المتفجرة في المنطقة الآن، وآخرها قصف مواقع في باكستان النووية.

اليومية البريطانية Daily Express نقلت في 18 الجاري عن مفتش سابق في الأمم المتحدة تحذيره من أن إيران يمكن أن تنتج ما يكفي من الوقود لصنع ست قنابل نووية في شهر واحد فقط، وحتى إنتاج قنبلة ذرية واحدة في أقل من أسبوع، مع تصاعد المخاوف من تصاعد الصراع الإقليمي.

كما نقلت عن خبير الأسلحة الأميركي David Albright قوله بأن إيران تستطيع أن تنتج بسرعة ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في تصنيع أسلحة نووية كثيرة، وهو أمر “لم يكن بمقدورها القيام به في عام 2003”. أما اليوم فلن تحتاج سوى إلى حوالي أسبوع لإنتاج ما يكفي لصنع سلاحها النووي الأول. وقد يكون لديها ما يكفي من اليورانيوم الصالح لصنع الأسلحة في شهر واحد، وبعد خمسة أشهر من إنتاج اليورانيوم، ويمكن أن يكون لديها ما يكفي منه لصنع إثني عشر سلاحًا نووياً.

موقع القناة التاسعة الإسرائيلية الناطقة بالروسية نشر في 17 الجاري نصاً بعنوان “الحرس الثوري يجر إيران إلى حرب كبيرة”. أشار الموقع إلى قصف إيران لمواقع “إرهابية” في الدولة النووية باكستان، وتصريح الأخيرة بأنها تحتفظ بحق الرد. كما أشار إلى القصف الإيراني لمواقع في سوريا والعراق وتصريحاتها المتناقضة بشأن الأهداف التي طاولها القصف: قصف مواقع إرهابيين، قصف إرهابيين أكراد، قصف قاعدة للموساد الإسرائيلي، قصف الأميركيين الذين نفوا أي قصف لمواقعهم.

موقع Meduza الروسي المعارض نشر في 14 الجاري نصاً بعنوان “”وكلاء إيران” أصبحوا ناشطين في جميع أنحاء الشرق الأوسط”. قدم الموقع للنص بالقول أن تفاقم الوضع في الشرق الأوسط الذي بدأ مع هجوم حماس، إنتقل إلى مرحلة جديدة من التصعيد. ويشير إلى القصف الأميركي البريطاني لمواقع الحوثيين في اليمن وتبادل القصف على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وهجمات فصائل عراقية على مواقع الأميركيين والرد عليها. ويقول بأن هذا الصراع متعدد الأطراف يصفونه عادة بأنه مواجهة بين إئتلافين: إسرائيل، الولايات المتحدة وحلفاؤهما ضد إيران ووكلائها. لكن الموقع يرى في هذا التوصيف تبسيطاً شديدا للصراع إلى درجة التشويه. وللحديث عن وكلاء إيران وما يمثلونه، طلب الموقع من Nikita Smagin صاحب منصة تلغرام “المتابع المناوب لإيران” الذي أسهب في الحديث عن كل من هذه الأذرع الإيرانية.

Smagin الذي تصفه الخدمة الروسية في “الحرة” الأميركية بالعلاّمة في شؤون الشرق الأوسط وإيران، يعرف نفسه بأنه خبير غير مقيم في مجلس الشؤون الدولية الروسي RIAC، خبير في الشؤون الدولية وصحافي يركز على السياسة الإيرانية والروسية في الشرق الأوسط. توجهت إليه “المدن” بعدد من الأسئلة، كان اولها عن هدف إيران من تحريك كل اذرعها في المنطقة، وما إن كانت تسعى لتوسيع رقعة الحرب إلى كل المنطقة، أو أنها تستخدم هذا التصعيد للضغط على الولايات المتحدة للحصول على تنازلات ما.

قال الخبير بأن إيران بالتأكيد لا تريد حرباً شاملة في المنطقة، لكنها تسعى للحفاظ على مستوى مرتفع من الضغط على الولايات المتحدة. وذلك بمواصلة أذرعها الهجمات والعمليات الدائمة ضد المواقع الأميركية لإفهام الولايات المتحدة بأنها غير مرغوب بها في المنطقة. وتتسلح إيران في نهجها هذا بالتجربة الأفغانية في مواجهة الولايات المتحدة وخروجها مهزومة من أفغانستان.

وعن عودة القضية الفلسطينية إلى أجندة الشرق الأوسط والعالم إثر هجوم حماس، وما إن كانت الدول العربية التي طيعت علاقاتها مع إسرائيل معنية مثلها بالقضاء على حماس وما أسفر عنه هجومها حتى الآن. قال الخبير بأن موقف النخب العربية من حماس ليس واحداً، ويختلف عن موقف الشعوب العربية المؤيدة لها إجمالا. وقد تكون النخب التي اختارت تطبيع العلاقات مع إسرائيل معنية بزوال حماس أو إضعاف مواقعها بين الفلسطينيين، ، وقد يجاهرون بذلك في أحاديثهم الداخلية، لكنه لا يرى ما يشير إلى أنهم يتخذون خطوات ملموسة في هذا الإتجاه. وهم يدركون أن مصارحة شعوبهم بموقفهم هذا من حماس ينطوي على نتائج لا تحمد عقباها.

وما إن كانت حماس ستكرر كلمات حسن نصرلله بعد حرب 2006 المدمرة “لو كنت أعلم”، لا يعتقد Smagin أن حماس ستقول مثل هذا الكلام بعد نهاية الحرب، على الأقل علناً. فمثل هذا التعبير سيعني أن حماس تلغي نتائج كل ما بادرت إليه في السنوات الماضية، وخاصة ما أتته في الأشهر الأخيرة وتعتبره إنجازاً لها. وحماس ليست تنظيماً متجانساً، وتضم راديكاليين وبراغماتيين، وقد يطرح النقاش داخل قيادتها بشأن ما حدث، لكنها لن تتخلى كليا برأيه عن الأساليب التي تعتمدها، وإن كان من المحتمل ان تشهد بعض التغيرات.

وعما إن كان يشاطر رأي الخبراء الذين يرون أن حرب إسرائيل على حماس كانت مفيدة لروسيا من جوانب عديدة، وليس فقط في ما يتعلق بالحرب الأوكرانية، لا يساور الشك Smagin بأن روسيا تجني فوائد جدية مما يجري بين إسرائيل وحماس. فالغرب ينصرف عن أوكرانيا، وتعلن الولايات المتحدة أنها ستساعد كلا من إسرائيل وأوكرانيا ماليا وتمدهما بالسلاح. التأزم الحالي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي برز من لا مكان، وهذا اللامكان أصبح إيجابية جدية للسياسة الخارجية الروسية. ويدرك المعنيون في موسكو أن ليس عليهم أن يبذلوا أي جهد للحفاظ على التأزم الراهن، فثمة ما يكفي من المشاكل في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لكي يبقى مطروحا على جدول الأعمال. وهو متأكد من أن ليس لروسيا أي علاقة بما يحدث، وهي في موقف المراقب الخارجي الذي يشهد ما يجري ويجني منه المنافع.

بسام مقداد- المدن

مقالات ذات صلة