عشاء كليمنصو بين القديم والجديد والماضي والمستقبل

هل من دلالات لما هو مقبل... أم انها فقط استرجاع ذكريات؟

كسر العشاء الذي أقامه رئيس اللقاء الديمقراطي السابق، وليد جنبلاط، يوم الاثنين الماضي، رتابة الحركة السياسية الداخلية في لبنان، وألقى في بحيرتها الراكدة حجراً كبيراً من شأنه أن يحرك أمواجاً ويؤشر إلى احتمالات، ودلالات مستقبلية عدة قد تكون مقبلة.

والواقع أن اجتماع العشاء، الذي تميز كما يبدو بأجواء دافئة، وودودة ومتقاربة، بين العائلتين، جنبلاط وفرنجية، يكاد يكون من الأحداث القليلة الفريدة والمليئة بإثارة الحشرية اللبنانية والاهتمام، والحاملة للكثير من الإشارات الخاصة والمميزة.

أهم ما في الاجتماع الودود، أنه أكد وأثبت وكرس مرة جديدة قاعدة صلبة وأساسية من القواعد اللبنانية، وهي قاعدة الانفتاح والتقارب والتآلف الاجتماعي، والعيش المشترك الإسلامي المسيحي. وهي القاعدة التي قام ولا يزال عليها لبنان، والتي تشكل أساس استمراره، ونقطته التفاضلية الأساسية المتبقية، بعد تدمير باقي نقاط التميز التي سبق وتمتع بها، والتي كانت نمت وتطورت طوال سنوات تأسيسه وازدهاره منذ 1943 حتى الأمس القريب.

الأهمية الثانية للاجتماع أنه كرس بإفراده حقيقة هذا الاختلاط المميز والكبير والمهم بين اللبنانيين، والذي يبدو أن لبنان بحاجة إليه في الأيام المقبلة، وسط تكاثر ملامح تسويق دعوات ونظريات الانفصال والتباعد المتعددة والمسمومة والكثيفة.

المجموعة العائلية التي تحلقت إلى طاولة العشاء، والتي سبقتها ورافقتها، باقات ورود حمراء، ظهرت أمام اللبنانيين كأنها عائلة واحدة، حملت في طياتها كل ألوان وتلاوين لبنان المهددة بالتحطم والانكسار والاندثار.

تيمور جنبلاط، وارث الزعامة الجنبلاطية ومفاتيح المختارة، ومحرك اللقاء في زيارته إلى بنشعي، متزوج من ديانا زعيتر. وهو الذي كان في استقبال رديفه عند آل فرنجية طوني المتزوج من ابنة صيدا، لين محمد زيدان.

وبطبيعة الحال فإن وليد جنبلاط الأب، معروف أنه متزوج من نورا الشرباتي، السورية الأصل، وهي ابنة وزير الدفاع السوري السابق أحمد الشرباتي. إضافة إلى وجود صهر العائلة الجنبلاطية الجديد، السيد جوي بيار الضاهر المتزوج من ابنة جنبلاط داليا.

عملياً، فإن جمعة عشاء كليمنصو، تكاد من حيث رموزها المكثفة أن تكون واحدة من بين أقوى وأوضح الرسائل التي يحتاجها الاجتماع والعيش المشترك اللبناني والرأي العام في لبنان، المسموم والمأزوم في هذه الأوقات. والذي يحتاج إلى التذكير بنتائج فترات الاستقرار والاختلاط الإسلامي المسيحي برموزه وقياداته، التي تسببت وساهمت بالمحنة الراهنة، والتي لا يمكن محوها أو تخطيها، وفي الوقت نفسه لا يمكن الخضوع لها أو القفز فوقها في المعالجة والتسوية المقبلة إذا ما جاء أوانها.

أوجه شبه وتناقض كثيرة تجمع وتميز بين العائلتين، فوليد جنبلاط ابن لزعيم تم اغتياله، وسليمان فرنجية نجا يوم اغتيال والده عن طريق الصدفة. بمعنى أن الاثنين وليد وسليمان جربا مرارة مأساة مقتل الأب والمرشد وكبير البيت. وبالتالي، اختبرا صعوبة الأحداث والمواجهات الداخلية وأثمانها الدموية ونتائجها الكارثية المحتملة.

أوجه الشبه الثانية، بين العائلتين وهي متعددة وكثيرة، انهما أيضاً من بقايا تركيبة اجتماعية سياسية حاكمة ومسيطرة ومتحكمة ومؤثرة، في مناطقها وطوائفها تكاد تنقرض أو تختفي في الدول والمجتمعات المحيطة في المنطقة العربية والعالم، وباقي المجموعات والبيئات اللبنانية.

أساس تحريك وعقد هذا اللقاء والاجتماع العائلي الناجح، هو الحركة، أو “الروداج” حسب لغة السائقين، على القيادة في الحزب والزعامة في الطائفة والتي انطلق بها تيمور جنبلاط منذ توليه رئاسة الحزب واللقاء الديمقراطي، وهو بدأ بقطع المسافات الأولى وتحقيق نجاحات مسجلة باتجاه نسج تجربة جديدة، ستظهر فصولها في المقبل من الأيام.

نتائج محققة سجلها تيمور، باتت شبه مؤكدة وهي اتصال وعلاقات طبيعية ودية مع أغلب الأطراف من كل الطوائف والمجموعات، انطلاقاً من صفر مشكلات. وذلك أملاً بكسب وتجميع رصيد مقبل. أولها، وهذا مهم درزياً، ضمان شبه مؤكد لتعيين رئيس أركان الجيش حين ينهي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تحضير الظروف المناسبة لعقد جلسة ناجحة ومنتجة لمجلس الوزراء.

موقع جريدة الأنباء الالكترونية، نشر خبراً مفصلاً عن العشاء، مرفقاً بالصور الفوتوغرافية والفيديو للقاء في المنزل الجنبلاطي في كليمنصو، وقال: “اللقاء اتسّم بالطابع العائلي لتأكيد السمة الإيجابية للعلاقة، والانفتاح بين الفريقين، ولاستذكار أن هذه العلاقة وبغض النظر عن كل المراحل السياسية المختلفة في البلد، هي علاقة قديمة وتاريخية بين المختارة وزغرتا، منذ أيام الشهيد كمال جنبلاط ورئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية، ولاحقاً مع وليد جنبلاط وجبهة الخلاص الوطني، وإسقاط اتفاق 17 أيار، وغيرها من المحطات التي شهدت على شراكة وطنية حقيقية بين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المردة وقوى وطنية أخرى”.

موقع تيار المردة بدوره، نشر في اليوم الثاني خبراً عن اللقاء، مسترجعاً نشر صورة لاجتماع “جبهة الخلاص” التاريخي عام 1982 والتي جمعت الرئيس سليمان فرنجية الجد مع الرئيس الراحل رشيد كرامي ووليد جنبلاط ونبيه برّي، والتي كانت مدعومة من سوريا يومها، وساهمت في إسقاط اتفاق 17 أيار.

فهل لهذا الاسترجاع الإعلامي الخجول عند الطرفين، من دلالات لما هو مقبل؟ أو طموحات أو نقاط استرشاد للمستقبل، أم انها فقط استرجاع ذكريات؟

عارف العبد- المدن

مقالات ذات صلة