عن إقحام رأس السلطة بين الرؤوس الكبرى… في لعبة لا ناقة له فيها ولا جمل

هل ما زال التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة يحتاج إلى المزيد من الوقت من أجل إتاحة المجال للمزيد من القتل وصولاً إلى اتهام الدولة العبرية بالإبادة الجماعية؟ وهل يحتاج وقف النار في غزة إلى المزيد من مغامرات إيران التي تضحي بالمقاتلين اللبنانيين التابعين لـ»حزب الله» في جنوب لبنان، وتستخدم المراهقة الحوثية في اليمن لإقحامه في حرب دولية ضد خطوط الملاحة الدولية عبر باب المندب، وتوظّف قصف حلفائها العراقيين للجيش الأميركي في بلاد الرافدين وفي سوريا في إطار طرح مطلب الانسحاب الأميركي من العراق وسوريا؟

وهل ما زالت واشنطن مصرة على إدارة الحرب بطريقة تضمن لحليفتها إسرائيل التخفيف من الخسائر جراء ضربات «حماس»، وتتيح تراجع السخط الدولي والأميركي الداخلي حيال هذه الإدارة؟ وهل تتخلى واشنطن عن مناورات الحديث عن إيصال المساعدات الإنسانية لغزة وحل الدولتين… للصراع الدائر، لإقفال الباب على توجيه الانتقادات لدعمها الأعمى لإسرائيل كي تهزم «حماس»؟ أم أنها ستنتقل إلى صف الداعين إلى وقف الحرب؟ توسعت الحرب لتشمل جبهات أخرى، لم يكن يتخيلها أي متابع أو مراقب، على رغم تكرار واشنطن وطهران لازمة عدم الرغبة في توسيعها. يسير إيقاع الحرب على وقع مصالح أميركية داخلية، إضافة إلى مصالحها الخارجية. فما علاقة لبنان بكل ذلك؟

محاولة استثمار حرب غزة ذهبت بطهران إلى حد قصف أربيل، فاستفزت حلفاءها العراقيين، وتوجيه الضربات في باكستان فاستدرجت إليها ضربة مقابلة في الداخل الإيراني. استغلت التساهل الأميركي مع أذرعها في اليمن، فإذا بواشنطن تعود إلى سياسة دونالد ترامب المتشددة…

حتى الطرف الأكثر قدرة على توسيع هذه الحرب، أي إسرائيل لا يملك أجوبة واضحة على هذا الاحتمال. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي قال: «لا أعرف توقيت الحرب في الشمال، لكنني أستطيع أن أقول إنّ احتمال نشوبها في الأشهر المقبلة أكبر مما كان عليه في الماضي».

مشهد التعقيدات الإقليمية والدولية التي تحيط بالحرب الإسرائيلية على غزة، كما ظهر في الأيام الماضية، معطوفاً على ربط «حزب الله» تهدئة الجبهة اللبنانية بوقف هذه الحرب، وتبني رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي هذه المعادلة، يقحم لبنان في لعبة كبرى لا ناقة له فيها ولا جمل. إذا كانت «الواقعية» كما وصفها وزير الخارجية عبدالله بو حبيب تقتضي من الأمين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصر الله أن يرهن أي بحث بإعادة الاستقرار إلى الجنوب بوقف الحرب على غزة، وإذا كان المحللون يعتقدون بأن رسو الجبهة في لبنان وغيره من الدول المحيطة على معادلة تضمن التهدئة مرتبط بما سيؤول إليه ميزان القوى بعد انتهاء حرب غزة، فإنّ بلوغ نهاية الحرب ما زال غامضاً وبعيداً. وفي اعتقاد أوساط دبلوماسية معنية أنه إذا لم يحصل الاتفاق على اليوم التالي الذي سيعقب وقف الحرب في غزة، فإنّ إنهاءها سيبقى سراباً.

مع صحة هذا الاستنتاج، هل يعني ذلك تسليم السلطة السياسية ممثلة بميقاتي بالترابط بين حفظ الاستقرار اللبناني وبين نهاية الحرب؟ أم أن المسؤولية تقتضي الدعوة إلى فصل التهدئة المطلوبة في لبنان عن مجريات الحرب، لتفادي مزيد من الانعكاسات السلبية على وضعه التعيس، حتى لو تعارض ذلك مع الوقائع؟

هل بات «الحزب» محشوراً في تلك المواجهة المجبر على خوضها وعلى تقديم التضحيات في إطار اللعبة الإقليمية، إلى درجة الحاجة إلى أن يردد رأس السلطة ما يقوله قادته، وأن يتماهى مع تبريره لخوض الحرب، فيما الحد الأدنى من الفطنة يقتضي، ولو بالشكل، نوعاً من توزيع الأدوار، فيكتفي من يمثل الدولة بالسعي إلى وقف المعارك (حتى لو لم تتوقف) في الجنوب والدعوة لوقف خروقات إسرائيل، وبالتضامن السياسي في حده الأقصى مع غزة؟

وليد شقير- نداء الوطن

مقالات ذات صلة