الموقف التفاوضيّ مع إيران يزداد سوءاً: رسائل… لا ضربات
زاد الموقف الأميركي سوءاً في التفاوض مع إيران بعد الضربات التي وجّهتها، مع بريطانيا، إلى 60 هدفاً عسكرياً للحوثيين.
خرج الرئيس الأميركي جو بايدن ليقول بعد الضربات إنّ “إيران لا تريد الحرب”، وعندما يقول إيران فإنّه يعنيها بكلّ مندرجاتها، ومؤدّى ذلك أنّ ما تفعله ميليشياتها في كلّ الساحات ليس حرباً، بل إمّا مشاغلة وإمّا رسائل تفاوضية.
لا تحتاج الضربة الأميركية – البريطانية للحوثيين إلى تحليل طالما أنّ رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك تكفّل بذلك أمام مجلس العموم في بلاده. قال إنّ الضربات “محدودة، لا تصعيدية”، وإنّها “ردّ متناسب وضروري على تهديد مباشر”.
أردف وزير دفاعه في مقابلة تلفزيونية بأنّه لم يزعم أصلاً بأنّ الضربات ستقضي على القدرات الحوثية، بل إنّ “الهدف هو إرسال رسالة شديدة الوضوح”.
رسائل… لا ضربات
يكمن الإشكال هنا في مضمون الرسالة وعنوانها. فما هو شديد الوضوح أنّ الولايات المتحدة لا تضع الحرب في حسبانها، ولا تكفّ عن التعبير عن ذلك في التصريحات المعلنة، بل وفي “الرسالة المباشرة” التي كشف بايدن أنّه وجّهها لإيران، وهذا ما يتيح للإيرانيين الضغط أكثر. ولا أدلّ على ذلك من الجواب العسكري بعد الغارات الأولى، إذ احتجزت البحرية الإيرانية ناقلة نفط في خليج عمان، حتى قبل أن يختتم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن زيارته للمنطقة. وفي اليومين الماضيين، هاجم الحوثيون بارجة أميركية من دون أن يصيبوها، ثمّ أطلقوا صاروخاً باليستياً على سفينة حاويات تجارية قبالة عدن، بذريعة أنّها مملوكة لشركة أميركية.
يوم الإثنين، استهدف الحرس الثوري الإيراني مواقع في أربيل قال إنّها “لمراكز تجسّس” إسرائيلية، كما وردت أنباء عن سقوط صواريخ في محيط القنصلية الأميركية في عاصمة إقليم كردستان.
ما كان للتجرّؤ الإيراني أن يصل إلى هذا المدى لولا أنّ الولايات المتحدة وضعت إطاراً سياسياً وعسكرياً يفرغ الضربات العسكرية من قوّتها الرادعة ويحوّلها إلى قنابل صوتية في خلفية العمل الدبلوماسي الذي لم يتوقّف.
ما موقع غزّة في كلّ هذا الأخذ والردّ؟
بدا من جولة بلينكن الأخيرة في المنطقة أنّ الأميركيين مشغولون بإعداد خطة لإنهاء الحرب على غزة وإدارة الوضع السياسي والأمني فيها بمشاركة عربية وتركية، وبمعزل عن أيّ انخراط إيراني. وربّما أعطت “حماس” إشارات مباشرة إلى تجاوبها مع تلك النقاشات، وهي التي انخرطت قبل ذلك في الحوار مع القاهرة حول مبادرتها لإنهاء الحرب.
تبدو القناعة متجذّرةً لدى الأميركيين بعدم جدوى الخطة الإسرائيلية لإعادة احتلال القطاع أو تقليص مساحته من خلال إقامة شريط عازل، وليست الإدارة الأميركية مقتنعة بطرح الحكومة الإسرائيلية لفكرة “الإدارة المدنية” الفلسطينية تحت سطوة البنادق الإسرائيلية. كما أنّها تدرك خطورة المخطّط الإسرائيلي لتهجير سكّان القطاع نهائياً، إلى مصر أو الكونغو أو أيّة دولة أخرى مستعدّة لاستقبالهم. وما يقوله الأميركيون لأصدقائهم في تل أبيب هو أنّ إعادة الاحتلال لها تبعاتها القانونية التي تجعل إسرائيل مسؤولة عن أمن المدنيين الفلسطينيين، وعن توفير الخدمات الأساسية لهم. وليست الدعوى التي أقامتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية إلا عيّنة من المخاطر القانونية الدولية التي تحيط بمشروع نتانياهو، فضلاً عن مخاطر تلطيخ السمعة التي تلحق بإسرائيل والولايات المتحدة معاً.
لذلك كان لا بدّ للأميركيين من اللجوء إلى العرب وتركيا للمساعدة في تشكيل سلطة تحكم غزة والضفة الغربية، وتدير إعادة الإعمار، بما يتيح انسحاب إسرائيل من القطاع.
لكنّ ما سمعه الأميركيون في الرياض هو المهمّ هنا. فما قاله السعوديون بوضوح أنّ البديل عن الانقسام الفلسطيني وحكم حماس في غزة لن يكون احتلالاً إسرائيلياً صريحاً أو مبطّناً، بل دولة فلسطينية مستقلّة. وبغير ذلك لا سبيل لمساعدة العرب.
عبادة اللدن- اساس