شارع الحمراء “شانزليزيه بيروت” وملتقى المشاهير والنخب الثقافية…أصبح ملجأ للمتسولين!
هوية جديدة لشارع الحمراء
شارع الحمراء أو كما يطلق عليه “شانزليزيه بيروت” المعروف بحركته الدائمة وجماله الخاص، يُعَدُّ من أشهر المعالم التي تميز العاصمة اللبنانية، ليس لكونه مركزاً تجارياً بارزاً وحسب، بل لأنه ملتقى شهير للنخب الثقافية.
يؤكد أحد أبناء بيروت المخضرمين الذي يعتبر نفسه ابن الحمراء، أن هذه المنطقة لها دائماً انطباع مختلف وحياة خاصة سواء في سلام البلد أو في زمن الحروب. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “كنا بعز دين الحرب الأهلية نحضر مسرح وسينما… اسلام ومسيحية والحياة ماشية”.
تُعد هذه المنطقة مجمعاً للثقافة والحضارة، حسب صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” التي اعتبرت شارع الحمراء أهم منطقة متحضرة في لبنان، حيث يجتمع فيها مختلف أطياف البشر من الأديان المختلفة.
كان هذا الشارع يعتبر موطناً للعديد من الأدباء والشعراء والكتاب اللبنانيين والعرب البارزين، وملاذاً للمثقفين وموقعاً يحتضن الابداع والتعبير الفني. ففي شوارعه الضيقة، استقرت أرواح الأدباء الكبار مثل محمد الماغوط ومحمود درويش وعمر أبو ريشة وأنسي الحاج ومحمد الفيتوري ونزار قباني وبلند الحيدري وغيرهم من المبدعين، وتحولت الحمراء إلى ملتقى الأدب والشعر والفن في أجواء مليئة بالالهام.
ومثلما كانت نقطة تجمع الكتاب والشعراء، تحوّلت أيضاً إلى مصدر إلهام للفنانين الموسيقيين، بحيث أصبحت أغنية “سياسية عاطفية”، للفنان خالد الهبر، معزوفة تترنّم بها الأصوات في شارع الحمراء، التي غنّت لها أيضاً الشحرورة صباح معبرةً عن جمال هذا الشارع الفريد.
وتجلى دور الحمراء أيضاً في الاحتفاء بشعراء المقاومة، بحيث استضافت بيروت فعاليات لتكريم الشاعر محمود درويش وتأبينه على أرض الحمراء، كواحد من أعمدة المقاومة والتعبير الثقافي.
ويكتسب هذا الشارع قدراً كبيراً من الاهتمام والتقدير كرمز للتنوع الثقافي والفني في بيروت، وهو مكان يستحق الزيارة لمن يهوى الأدب والثقافة ويرغب في التعرف على تاريخ المدينة وتجارب الكتّاب والشعراء الرائعين. ولكن هذا كان في الماضي… فكيف حاله اليوم؟
الشاب عمر توفيق أحد أبناء بيروت يقول لـ “لبنان الكبير”: “مضت أكثر من ثلاثة أشهر لم أزر فيها الحمراء مع العلم أن هذا الشارع هو الأغلى على قلبي، لكنه أصبح يشبه أي شيء الا الحمراء”.
من الثقافة الى التسول
تجاوزت الأزمة الاقتصادية الوضع الاجتماعي والثقافي في الحمراء، وأصبحت الشوارع مكاناً يعج بالمتسولين والمحتاجين، ما أثر بصورة كبيرة على الطابع العام للمنطقة، فلم يعد هناك وجود بارزٌ للمثقفين الذين كانوا يمثلون رمزاً للتنوع الثقافي والحضاري.
وبحسب العديد من الآراء فان انخفاض نسبة وجود المثقفين يعود إلى الأزمة الاقتصادية التي تسببت في ارتفاع الأسعار وإغلاق معظم المقاهي التي كانت تعد مقصداً رئيساً لهم. فقد ارتفع سعر فنجان القهوة إلى مستوى لم يعد يتناسب مع قدرات الطبقة النخبوية الثقافية، وبالتالي فقدت الحمراء جاذبيتها ورونقها السابق، ومشهد من يفترش الأرض ويلاحق المارة لكسب ما يستطيع، غلب على مشهد الجريدة والقلم والمناقشات الثقافية الممتعة.
منطقة الحمراء المعروفة بتنوعها وحيويتها، يلجأ اليها المتسولون باعتبارها محطة للأغنياء، على الرغم من أن نسبة هذه النوعية من الناس لم تعد موجودة في هذه المنطقة كالسابق بسبب تغير وجهتها.
الجهات المعنية في بلدية بيروت اتخذت بعض الاجراءات للحفاظ على شكل المنطقة كما هي عليه الآن، ومع ذلك لا تزال هذه الاجراءات غير كافية، في هذا الشارع المميز، فشكاوى أصحاب المحال التجارية كبيرة من وجود المتسولين وافتراشهم الأرض بالقرب من مكان عملهم ورزقهم.
الحمراء جامعات ومدارس ومكتبات وصالات سينما ومسارح ومقاهي ومطاعم ومتاجر عدة، واليوم العديد منها يختفي مع اختفاء الازدهار في لبنان، ويتجنب كثيرون الذهاب اليها خوفاً من مطاردات المتسولين الذين أصبحوا وبكل أسف هوية جديدة لشارع الحمراء.
عمر عبد الباقي- لبنان الكبير