البلد “مش رزق سايب”و”الحزب” يفعل ما يريد: المعارضة ستواجه صفقات “الحزب”!

يُروّج إعلام “الممانعة” بأن الأميركيين والأوروبيين يسعون إلى التفاوض مع “حزب الله” والعروض والمقترحات الأميركيّة تُقدّم إليه من أجل حلّ سياسي وديبلوماسيّ للنقاط المتنازع عليها على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، وذلك في سياق تقديم نفسه كمدافع عن لبنان ومصالحه وحقوقه، وكضرورة لأن يحتفظ بسلاحه لضمان التنفيذ الاسرائيلي ومنع الخرق في المستقبل.

أمام هذا الضخّ المقصود لهذه المعلومات قد يشعر المواطنون اللبنانيون أن “البلد رزق سايب”، و”الحزب” يفعل ما يريد، ولا سيما بعد كلمة الأمين العام لـ”الحزب” حسن نصر الله الأخيرة التي فتح فيها الباب أمام التفاوض وفق ما وصفه بـ “الفرصة التاريخية” لتحرير الأرض ووقف الانتهاكات والاعتداءات الاسرائيلية بعد انتهاء حرب غزة. وهذه الشروط توضح أن الحزب يريد انسحاب اسرائيل من كامل النقاط التي تحتلها وترسيم الحدود، ووقف الاختراقات البرية والجوية والبحرية، وبذلك يكون قد تم إنجاز التحرير.

لكن الواقع مختلف حتماً، وتشير المعلومات من مرجعية عليا في المعارضة أن ليس هناك عروض لـ”الحزب” ولم يفتح أحد معه باب المقايضات، ومعظم الموفدين الرسميين الأميركيين والفرنسيين الذين يلتقون المسؤولين اللبنانيين كالرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري أو رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، يطلبون أمراً واحداً: تنفيذ القرار 1701 من دون شروط وفوراً، وخصوصاً أن هؤلاء الموفدين وخصوصاً الوسطاء الفرنسيون سمعوا من اسرائيل كلاماً لا يقبل الالتباس وهو إعطاء مهلة قصيرة للمفاوضات الديبلوماسية مع لبنان لانسحاب “الحزب” على نحو سلميّ، وإذا تعذّر ذلك، فإسرائيل جاهزة لتنفيذ عملية عسكرية لإبعاده من جنوب الليطاني.

في المقابل، تقف المعارضة اللبنانية بالمرصاد أمام طموحات “الحزب”، وتعتبر المرجعية العليا في المعارضة أن “الحزب” ليس في موقع قوة اليوم وهو يُدرك ذلك جيداً، وكلام نصر الله واستدراجه للعروض يعني أنه متيقّن ضمنياً من أنه سينفِّذ مرغماً القرار 1701، فبدأ منذ الآن الكلام عن أن سلاحه خارج النقاش وأن دوره ذا طبيعة دفاعية وردعية وستكون وظيفته حماية لبنان وثرواته في المستقبل.

ويلفت رئيس جهاز العلاقات الخارجية في “القوات اللبنانية” ريشار قيومجيان الى أن المفارقة الساخرة تكمن في كلام نصر الله عن أنه يفتح باب التفاوض بعد نهاية حرب غزة، يعني بعد أن يكون القطاع تهدّم و”حماس” انتهت، فأين أصبحت وحدة الساحات وتحرير القدس؟ وأيّ مبرر لسلاحه إذا انسحب من جنوب الليطاني؟

ويًسلّم قيومجيان جدلاً بفرضيّة أن الأميركيين سيفاوضون “الحزب” ويريدون إعطاءه مكاسب في الداخل اللبناني، إلا أنه يتساءل: من أين سيعطيه الأميركيون؟ لا شك في أنهم سيحاولون الضغط على الفرقاء في الداخل للتنازل، إلا أن “القوات اللبنانية” والمعارضة عموماً ليستا في صدد تقديم تنازلات لأحد، وقد برهنّا أننا أقوياء وفاعلون وتمكّنا من عرقلة انتخاب المرشّح الممانع سليمان فرنجية ونجحنا في التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، ونُطالب موحّدين بتطبيق القرار 1701، وبالتالي لسنا مستعدين لتقديم تنازلات حتى ولو سعى الأميركيون والأوروبيون إلى ذلك، ومن يريد أن يمنح “الحزب” أي مكتسبات، فليعطه من كيسه وليس من كيس اللبنانيين.

ونتساءل ماذا سيكون شكل هذه التنازلات؟ يجيب قيومجيان: “ممكن أن يُطالب برئاسة الجمهورية أو بالنظام اللبناني، ونحن في الحالتين لن نقبل بذلك، وهناك دستور ومجلس نيابي، وتوازنات محلية لا تسمح له بذلك، وسنكون بالمرصاد كمعارضة”.

لا شك في أن عواصم القرار تتواصل مع “الحزب” اليوم وخصوصاً فرنسا وأوروبا، وهذا ما حصل عندما التقى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل وفد “الحزب” برئاسة محمد رعد، لكن المرجعية العليا في المعارضة تؤكّد أن مفاوضتهم مع “الحزب” هي تفاوض غير مباشر مع إيران وليس مع الدولة اللبنانية، ولا أحد من المجتمع الدولي يتعامل معه كفريق سياسي لبناني، إنّما يتمّ التعامل معه كذراع إيرانيّة، ويحصل من منطلق امتلاكه للصواريخ بمعزل عن الدولة اللبنانية، ومصادرته لقرار الحرب تنفيذاً لأجندة إقليميّة، وكونه أحد مكونات المشروع الايراني التوسعي، وبالتالي هو ليس الناطق الرسمي باسم لبنان.

وتعتبر المرجعية أن الموضوع الأساس في كل هذه المفاوضات التي تجري مباشرة أو غير مباشرة عبر مسؤولين رسميين لبنانيين هدفها تجنُّب توسُّع الحرب، فلو كان “الحزب” جزءاً من النسيج الوطني اللبناني، لكانت مكونات المجتمع اللبناني كلّها معنيّة بالقدر نفسه، ولَكان التفاوض يتمّ مع الدولة وتحت سقفها، ولكن التفاوض المستقل معه دليل جازم وحاسم على أنّ مشروعه مستقلّ عن لبنان.

من جهة أخرى، يُخطئ من يظن أن المعارضة غافلة عن الوضع، ولا تعرف ما يبحثه الموفدون الديبلوماسيون الأجانب، وهؤلاء يلتقون مع القوى السياسية المعارضة كما يلتقون مع “الحزب”، ولا أسرار ولا صفقات تحت الطاولة لأنها لا يُمكن أن تُصرف في أي مكان ما لم تكن قوى المعارضة موافقة على أي تسوية أو طرح. بل أكثر من ذلك، يؤكّد قيومجيان أن اجتماعات مكوّنات المعارضة للتنسيق لا تتوقف، ولديها خطة مواجهة تقوم على اتصالات مع القوى الخارجية، ومع الأميركيين والأوروبيين أولاً وحضورها القوي في المجلس النيابي والحياة السياسية ثانياً، والأهم وحدة موقفها ووضعها مصلحة لبنان فوق كل إعتبار ثالثاً.

أما المرجعية العليا في المعارضة فتشير إلى ما يعني أن حدود هذا التفاوض هو تجنّب الحرب فقط ولن يتجاوز هذا السقف، كما أن أي قوة في العالم لا تستطيع فرض تسويات على اللبنانيين تتنافى مع دستورهم وموقفهم، فضلاً عن أن الفاتورة التي يدفعها المجتمع الدولي اليوم أحد أسبابها غضّ نظره عن تطبيق القرارات الدولية، وإذا استمر في التقاعس ستُفشل المعارضة أي عملية مقايضة افتراضية.

وتنتظر المعارضة أن يُكرر “الحزب” أسطوانة جديدة قوامها تسويق فكرة أن إنجاز الترسيم البري ومعالجة المشكلات المتبقية بين لبنان وإسرائيل لا يعني إطلاقاً انتهاء وظيفة سلاحه بحجة أنّه لولا هذا السلاح لما تحقّق التحرير أولاً والترسيم ثانياً، وبحجة أن انتهاء دور السلاح الهجومي لا يُنهي دوره الدفاعي، ومن دونه تعاود إسرائيل احتلالها واعتداءاتها.

لذلك، هو يعدّ العدة للمرحلة الجديدة والتي همه الوحيد فيها بقاء سلاحه، ومعروف أن لا ارتباط أساساً بين سلاحه وبين احتلال إسرائيل للبنان، فسلاحه حجة لتغطية الدور الايراني التوسعي، فلا احتلال إسرائيلي في اليمن ليبرِّر وجود ميليشيا حوثية تمنع وجود دولة فعلية، ولا احتلال إسرائيلي في العراق ليبرِّر وجود حشد شعبي خارج إطار الدولة والمؤسسة العسكرية الشرعية، إنما لكل ميليشيا إيرانية وظيفة داخلية تبرِّر الوظيفة الأساسية لوجودها وهي نشر الثورة الايرانية.

وتختم المرجعية العليا في المعارضة أن معركتنا مع “الحزب” طويلة حتى ولو طبّق القرار 1701، فهو يتصرّف وكأنه مالك هذا البلد وصاحب القرار الأوحد فيه، فيما الشريحة الأكبر من اللبنانيّين تريد دولة تُمسك وحدها بالسلاح، وسلاحه شكّل أولاً انقلاباً على اتفاق الطائف، وهذا الانقلاب ما زال مستمراً منذ 34 عاماً إلى اليوم، وطالما أن “الحزب” لم يسلِّم سلاحه، فان الدولة ستبقى صورية والسيادة منتهكة والفوضى مستمرة والفساد ينخر ما تبقى من هذه الدولة.

وفي المحصّلة، وعلى الرغم من إعلان نصر الله أن معركته مع اسرائيل ستكون بكسب النقاط، إلا أن ما يجري حتى اليوم، هو خسارته عسكرياً في المواجهة معها وما يترتّب عليها من خسائر بشرية هائلة لعناصره في الجنوب، والخسائر المالية على البلد التي تجاوزت مليارات الدولارات، إضافةً إلى تعريض حياة آلاف اللبنانيين للخطر، وتهجير الآلاف من الجنوبيين من منازلهم في أوضاع معيشية صعبة، وذلك كلّه في خدمة المشروع الايراني وعلى حساب لبنان واللبنانيين.

كذلك، يخسر أمام المعارضة في الداخل التي تقدّمت في نقاط عدة عبر جولات سياسية واستحقاقات دستورية ديموقراطية، وبالتالي هو في وضع لا يُحسد عليه بعد سقوط سردياته وشعاراته خلال حرب غزة، وأصبح كلامه ممجوحاً ولا أحد من اللبنانيّين يعتبره مقاومة، إنما يستخدم لبنان كورقة بيد إيران.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة