أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات

ما الذي يفسّر سقوط هذه الأعداد المرتفعة من عناصر الحزب...هل تكتيكات المواجهة فاجأت الحزب وعناصره؟؟

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب إعلانات النعي المتتالية أيضاً سقط للحزب إلى حين كتابة هذه السطور ما يتجاوز 160 شهيداً في جبهة الجنوب، وهو العدد الذي يعتبر مرتفعاً نسبياً مقارنة مع حرب تموز ومقارنة مع نوع المواجهة. فاليوم المواجهة تقتصر على الساحة الجنوبية، وتعتبر محدودة نسبة إلى 2006، فما الذي يفسّر سقوط هذه الأعداد المرتفعة من عناصر الحزب؟ هل الأمر متعلّق بخرق أمنيّ ما في الجنوب؟ أم تكتيكات المواجهة فاجأت الحزب وعناصره؟

أشارت مصادر قريبة من الحزب لـ”أساس” إلى أنّ الحديث عن التكتيكات العسكرية التي يعتمدها الحزب في المواجهة الحالية مع العدوّ الإسرائيلي تنقسم إلى مرحلتين:

– الأولى: بدأت من الثامن من تشرين الأول وانتهت في 14 منه حيث تمّت ملاحظة سقوط عدد كبير من الشهداء، بخاصة أنّ المقاتلين معظمهم قاتل في سوريا خلال السنوات الفائتة بمنطق عسكري مختلف حيث الغطاء الجوّي مؤمّن، إضافة إلى ضعف العدوّ في سوريا من الناحية التقنية.
– الثانية: من 14 تشرين الأول حتى اليوم حيث اعتمد الحزب تكتيكاً جديداً وقام بتعديل خططه في الانتشار والتنقّل واضعاً في حساباته غياب الغطاء الجوّي والتفوّق التقني عند العدوّ الإسرائيلي.

من حرب العصابات إلى الجيوش النظاميّة
الصحافي المتخصّص بالشأن الأمني عبدالله قمح يلتقي مع المصادر قائلاً لـ”أساس”: التغيّرات العسكرية الحاصلة على الساحة الجنوبية، حيث إنّ طريقة تموضع الحزب على الجبهة اليوم مختلفة عن ذي قبل، وطبيعة المعركة أيضاً فرضت عليه تكتيكات جديدة هي التي أدّت إلى ارتفاع الكلفة البشرية في صفوف الحزب. ففي حرب تموز كان الحزب يعتمد تكتيكات عسكرية مختلفة عن اليوم، ويمكن تلخيص هذه التغيّرات كالتالي:

– في مرحلة حرب تموز كان الحزب ما يزال يعمل ضمن طراز ما يسمّى بالمجموعات أو حرب العصابات، وهو الأسلوب نفسه الذي كان يعتمده ما قبل التحرير. لكنّ تغيّر المعركة وحاجة الحزب إلى إدخال تكتيكات جديدة وأسلحة جديدة فرضا عليه التغيير.

– في حرب تموز كان التمركز الأساسي للحزب في الأحراش ولم يكن العسكري في الحزب مكشوفاً داخل القرى، ومن كانوا يعملون في القرى ضمن مجموعات صغيرة استشهدوا جميعهم. واستطاع الحزب يومها فرض يد عليا على الجيش الإسرائيلي انطلاقاً من تموضعه في الأحراش ولم يسقط له عدد كبير من الشهداء.

– اليوم الحزب يعمل على صعيد القرى بشكل مكشوف، ولديه ألوية عسكرية في القرى، وهذا ما كان جليّاً عندما أدخل فكرة قوات التدخّل أو الرضوان إلى جسمه العسكري وقسّمها إلى ألوية وكتائب وفرق كالجيوش النظامية، ونشرها إمّا على الحدود في مواقع واضحة وظاهرة، وجزء آخر تركه ضمن المنطقة بشكل مستتر، وجزء ثالث اعتبره خطّ دفاع أوّل، وهو موجود بشكل واضح داخل القرى. وهنا يتوسّع قمح أكثر ويوضح أنّ تغييرات قليلة حصلت في هذه النقطة تحديداً، إذ إنّه بنتيجة سقوط عدد كبير من الشهداء خلال الأيام الأولى من المعركة أعاد الحزب حساباته وعدّل في مقاربته للمعركة بشكل أسفر عن إجراء تبديلات على صعيد التكتيكات المعتمدة، وهو ما قلّص عدد الإصابات أخيراً.

– التطوّرات التكنولوجية ساهمت في ارتفاع التكلفة البشرية أيضاً، فالمسيّرة من قبل كانت ترسل إحداثيات بالأهداف التي ترصدها لغرفة العمليات وتنتظر الردّ لتقصف، وأمّا اليوم فتغيّر الوضع، فنحن أمام مسيّرة تقوم بمجرد رؤيتها للهدف بقصفه مباشرة.

الخروقات الأمنيّة والنازحون السوريّون
بالعودة للخروق الأمنيّة، وهي الفرضية التي ينفيها أكثر من مصدر في الجنوب الخالي تقريباً من أهله اليوم، إلا من المقاتلين ربّما، إذ قارب عدد النازحين 78 ألف نازح من الجنوب اليوم. يؤكّد الجنرال خليل الحلو أنّ ما يحصل في الجنوب ليس خرقاً أمنيّاً، لكنّ ما يتعرّض له الحزب هو حرب استنزاف، “فمواقعهم كلّها مكشوفة في الجنوب وما عادوا يملكون عنصر المفاجأة، حتى إنّ القرى الموجودين فيها قسم كبير منها تهدّم مثل الناقورة”. ويرى أنّ “الاستنزاف الذي نتعرّض له في لبنان أهمّ من الأضرار التي تحصل في إسرائيل”، مؤكّداً في حديثه لـ”أساس” أنّ الخسائر البشرية في صفوف الحزب فرضها ميزان القوى الذي هو الآن لمصلحة إسرائيل لا الحزب.

بالمقابل، أُشيع في الفترة الأخيرة حديث حول إمكانية مساهمة النازحين السوريين إلى حدٍّ ما في كشف ظهر الحزب الأمنيّ في الجنوب، مع طلب البلديات في القطاعين الأوسط والغربي (قرى القطاع الغربي التي تمتدّ من الناقورة إلى يارون والقطاع الأوسط الذي يضمّ قرى مرجعيون والطيبة والقنطرة والعديسة والخيام وكفركلا… إلخ) من النازحين السوريين مغادرة القرى منذ بداية الاشتباكات تقريباً، وتمّ إخلاء هذه القرى من النازحين السوريين، ما عدا عدداً محدوداً جداً، كالنازح الذي يعمل ناطوراً في أحد المباني في تلك القرى وتمّ السماح له بالبقاء بطلب من صاحب الملك وبتعهّد منه بأنّه مسؤول عن تحرّكات وتصرّفات العامل الذي يعمل لديه. وهؤلاء (أي من بقي من السوريين) فُرض عليهم عدم التنقّل إلا بحالات الضرورة وفي ساعات معيّنة، حتى إنّ من بقي من اللبنانيين في تلك المناطق ملتزم أيضاً بالطوق الأمنيّ المفروض في المنطقة من أجل سلامتهم.

وكان “أساس” قد كشف في مقالة سابقة في بداية اشتعال الجبهة عن توقيف عدد من النازحين قيد الشبهة بسبب تحرّكاتهم الكثيرة، لكن بعدما تمّت مراقبتهم والتحقيق معهم لم يثبت عليهم أيّ شيء، ولغاية الساعة لا موقوف على ذمّة التحقيق ولا جناية لأيّ سوري له علاقة بالعمالة في المنطقة.

نهلا ناصر الدين- اساس

مقالات ذات صلة