حزب الله يفرض استراتيجيته وراضٍ بالثمن: الحديث عن “تنظيف المنطقة” ليس أكثر من فنتازيا”

تدعي إسرائيل أنها تفضّل حلاً سياسياً عند الحدود مع لبنان، لكن “تصعيد ضغطها العسكري (بعمليات اغتيال) قد يقود إلى تصعيد سريع في الحدود الشمالية، ليصل إلى حرب شاملة بين الجانبين. وفي هذه الأثناء، لا يزال حزب الله يفرض حيز القتال”. هذه هي خلاصة ما تناولته بعض الصحف الإسرائيلية، والتي جاء فيها: “صعّدت إسرائيل عملياتها العسكرية ضد حزب الله في لبنان، من خلال سياسة الاغتيالات، إلى جانب قصف واسع نسبياً لمناطق في جنوب لبنان. وفي المقابل، كثّف حزب الله هجماته ضد أهداف إسرائيلية بواسطة طائرات مسيّرة وقذائف مضادة للدروع بالأساس. وتشير تقارير إلى أن الجانبين يمتنعان عن توسيع القتال إلى حرب شاملة. لكن التصعيد الإسرائيلي باغتيال قياديين عسكريين في حزب الله من شأنه أن يسرع التدهور إلى تصعيد خطير، في موازاة الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.

مخاطر أكبر
وأشار المحلل العسكري في صحيفة “معاريف”، طال ليف رام، اليوم الأربعاء، إلى أن اغتيال إسرائيل للقياديين العسكريين في حزب الله، علي حسين برجي، أمس، ووسام الطويل، أول من أمس، يعبر عن “تغيير جوهري في سياسة ممارسة القوة الإسرائيلية في الجبهة الشمالية”. واعتبر أنه في أعقاب عمليتي الاغتيال للمسؤولين في حزب الله، إلى جانب اغتيال القيادي في حماس، صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية في بيروت، معقل حزب الله، “يتعالى استنتاج واحد واضح، وهو أن إسرائيل، لأسباب ومصالح عديدة، لا تزال غير معنية بحرب بكامل القوة. لكن بسبب استمرار الوضع غير المسبوق بإجلاء عشرات آلاف السكان عن بلدات الشمال، الذين تحولوا إلى لاجئين، فإن إسرائيل مستعدة الآن لتحمل مخاطر أكثر”. وحذر من أنه “إثر تصعيد الضغط العسكري قد يقود إلى تصعيد سريع في الحدود الشمالية، ليصل إلى حرب شاملة بين الجانبين”.

وتدّعي إسرائيل أنها تفضل حلاً سياسياً، من خلال تراجع مقاتلي قوة رضوان في حزب الله عن الحدود، مقابل إجراء تعديلات على خط الحدود وانسحاب إسرائيل من أماكن فيه، مثل مزارع شبعا، رغم أنها لم تعبر عن ذلك علناً. وحسب ليف رام، فإن إسرائيل تولي أهمية في هذا السياق لزيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، “كمحاولة أخرى للتوصل إلى حل للطريق المسدود عند الحدود اللبنانية”. وأضاف أن اغتيال المسؤولين العسكريين “من شأنه أن يدفع حزب الله إلى التفكير بأن ثمن الخسارة الذي قد يدفعه جراء حرب بقوة كاملة سيكون مرتفعاً بشكل خاص، وأن الأفضل له أن يجد طريقة للنزول عن الشجرة. والمشكلة الوحيدة لهذا التوجه هي أنه ليس مؤكداً أن حزب الله مستعد فعلاً لتبنيه”.

ورغم الخسائر التي تكبدها حزب الله، بمقتل نحو 150 من مقاتليه، وإلحاق أضرار ببنيته التحتية العسكرية جراء القصف الإسرائيلي، “إلا أنه ليس بالإمكان تجاهل الصورة الإستراتيجية الواسعة التي يستغل حزب الله فيها بشكل كامل الحرب في غزة، من أجل أن يفرض على إسرائيل مواجهة عسكرية بادر هو إليها، ويُملي هو مدى قوتها وحدود المنطقة التي تدور فيها المواجهة في كلا الجانبين”.

جباية الثمن
أما المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، فأشار إلى قائمة الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل في الأسابيع الماضية مضيفاً إليها القيادي في الحرس الثوري الإيراني، رضي موسوي، الذي اغتيل في دمشق، وكذلك اغتيال ناشط في حماس في هضبة الجولان في سوريا. وأضاف أن عمليات الاغتيال هذه “تعكس محاولة إسرائيلية واضحة لجباية ثمن آخذ بالارتفاع من حزب الله وشركائه في الجبهة الشمالية.. والنتيجة الفعلية لهذه العمليات هي أن جزءاً كبيراً من قوات حزب الله، وبينهم مقاتلو رضوان، انسحبوا من منطقة الحدود ويخوضون عمليات من خطوط خلفية تحسباً من خسائر أخرى”. ووفقا لهرئيل، فإن “إسرائيل لا تنجح في هذه المرحلة في ترجمة هذه الإنجازات التكتيكية إلى نتيجة إستراتيجية. على العكس، حزب الله يصرّ على مواصلة الهجمات اليومية، وهو راض من الثمن الذي جباه، بمغادرة حوالى 60 ألف مواطن إسرائيلي للبلدات المحاذية للحدود”.

وأفاد بأن “جهاز الأمن الإسرائيلي لا يزال يدعي أن إيران وحزب الله معنيان بالبقاء تحت سقف الحرب الإقليمية. ورغم ذلك، فإن التوالي السريع للأحداث وخطورتها يقلص حيز مناورة جميع الأطراف. فعندما يكون التوتر الميداني مرتفعاً، ويقع حدث شديد نسبياً كل عدة ساعات، ليس هناك يقين أنه سيكون بالإمكان أن تسير الأمور بشكل لا ينتهي بصدام شامل”. وتابع أنه على خلفية جولة بلينكن في المنطقة، تحاول الولايات المتحدة وقف التصعيد بين إسرائيل وحماس ومنع حرب شاملة، “ولا توجد مؤشرات حتى الآن على نجاح محتمل للمبادرة التي يدفعها مبعوث الإدارة الأميركية إلى المنطقة، آموس هوكشتاين، للتوصل إلى وقف إطلاق نار واستئناف المداولات حول مسار خط الحدود بين إسرائيل ولبنان”.

أضرار كبيرة
كذلك أشار المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوسي يهوشواع، إلى أن الجيش الإسرائيلي، بدعم المستوى السياسي، يسعى إلى إبعاد قوات رضوان عن الحدود “من دون التدهور إلى حرب شاملة، الأمر الذي يسمح للجيش بمواصلة الحفاظ على غزة كساحة قتال مركزية”.

ووفقاً ليهوشواع، فإن “حزب الله ينجح في إلحاق أضرار كبيرة بالبلدات (في شمال إسرائيل) بواسطة قذائف مضادة للدروع، والدمار فيها غير مسبوق، ويكون أحياناً تحت الرادار بسبب هجر السكان للمنطقة. ورغم ذلك، فإن الضرر لإسرائيل هو قومي واقتصادي ومعنوي. وبالإمكان الاطلاع من خلال هذا الوضع على الأدوات المتنوعة التي بحوزة حزب الله، من أجل التسبب بألم في الجبهة الداخلية الإسرائيلية وليس فقط في بلدات خط المواجهة”.

وأضاف أنه “عندما ننظر إلى القتال في غزة، مقابل عدو أضعف بأضعاف، ينبغي الدخول إلى تناسبية حيال الحديث عن “تنظيف المنطقة” في جنوب لبنان. فسيكون لمهمة كهذه ثمناً وسيتستغرق وقتاً يجعل أيام الحرب الـ95 في غزة تبدو مثل مخيم صيفي”. وحسب يهوشواع، فإنه “لا مفر من حل آخر، وهو إبعاد حزب الله ولكن ليس إلى شمال نهر الليطاني، والحديث عن “تنظيف المنطقة” ليس أكثر من فنتازيا”.

منير الربيع- المدن

مقالات ذات صلة