أموال ستضيع في العام 2024: كلنا ضحايا والمستقبل قاتم!
في مطلع العام 2023، استبشرَ المودعون خيراً مع عودة القضاة عن إضرابهم، الذين كانوا قد نفّذوه خلال العام 2022 اعتراضاً على تدنّي القدرة الشرائية لرواتبهم، فضلاً عن ظروف عملهم غير الملائمة داخل قصور العدل. فالقضاء بالنسبة إلى المودعين، هو السبيل القانوني لاستعادة الحقوق من المصارف.
وبالفعل، ألزَمَت بعض القرارات القضائية المصارف بالإفراج عن عدد من الودائع نقداً أو تحويل قيمتها إلى حسابات للمودعين في الخارج. في حين حجزَت بعض القرارات القضائية على ممتلكات بعض المصارف وأصحابها، في سبيل تحصيل قيمة عدد من الودائع، ما دفعَ المصارف إلى رفض القرارات واعتبارها “تعسفية انتقامية”، فأعلنت الإضراب المفتوح والتوقّف عن تقديم خدماتها، باستثناء الخدمات عبر الصرّاف الآلي ATM. ومع ذلك، أثار ضخ مصرف لبنان للدولارات عبر منصة صيرفة، شهية المصارف فأعادت فتح أبوابها.
لكن ضيقَ أفق الحل من جهة المصارف والطبقة السياسية، والضغط المتواصل الذي يفرضه الوضع الاقتصادي على المودعين، جعلَهم يصعّدون التحرّكات ضد المصارف، وصولاً إلى اقتحام الكثير من الفروع بهدف تحرير ودائعهم بالقوة، فضلاً عن إحراق وتخريب فروعٍ أخرى. ما جعلَ المصارف تعود إلى الإضراب. وسرعان ما تراجعت المصارف، ليتكفَّلَ امتداد تداعيات الحرب على قطاع غزة إلى لبنان، بخفض زخم تحرّكات المودعين، ليبقى الطرفان، المودعون والمصارف، في حالة ترقُّب لما ستقدّمه المرحلة الجديدة خلال العام 2024، على مختلف المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وتالياً انعكاسها على الودائع.
تفاؤلات بداية العام 2023
شكَّلَ تعليق القضاة لإضرابهم، فرصة معنوية للمودعين لتصعيد تحرّكاتهم القانونية لاستعادة ودائعهم. وذهبت رابطة المودعين، على سبيل المثال، إلى تحضير ملفّات ضد عدد من المصارف الكبيرة، بهدف تقديمها للقضاء، وفق ما كانت أكّدته المحامية في رابطة المودعين، زينة جابر. فالقضاء “يجب أن يكون الملجأ الأساسي للمودعين”.
وبخجَل، صدرت بعض القرارات القضائية التي تعيد للمودعين أموالهم، فاعترضت المصارف واستغلَّت القرارات ذريعة للإقفال احتجاجاً على ما وصفته جمعية المصارف بـ”الخلل في بعض القرارات القضائية التعسفية بحقها”.
التفاؤل بالمسار القضائي لم يؤتِ ثماره كما يشتهي المودعون الذين طالبوا منذ العام 2019 بحلٍّ جذري ينصفهم. وعلى عكس ذلك، توالَت سنوات الأزمة وتبخَّرَت قيمة الكثير من الودائع، وسُحِبَ معظمها على أسعار صرف متدنية أفقدت الأموال قيمتها الحقيقية.
سلسلة اقتحامات ومواجهات
إثر الاستجابة الخجولة للقضاء وحاجة المودعين إلى أموالهم، قرَّرَ عدد منهم اقتحام فروع المصارف واستعادة الأموال بالقوة. فكرَّت سبحة الاقتحامات في أكثر من منطقة، وطالت معظم المصارف، منها على سبيل المثال بنك لبنان والمهجر، بيبلوس، بيروت والبلاد العربية، بنك الموارد، مصر ولبنان، الاعتماد اللبناني.. وغيرها.
كما أن بعض التحرّكات ضد المصارف، وصلت إلى إحراق واجهات فروعها وصرافاتها الآلية، وهذا ما دفعها إلى إعلان الإضراب حيناً وإقفال بعض الفروع أحياناً أخرى، خصوصاً تلك التي يستهدفها المودعون. ولم يقف ردّ فعل المصارف عند هذا الحد، إذ لجأ بعضها إلى رفع دعاوى قضائية ضد المودعين، ادّعت في بعضها زوراً، بارتكاب المودعين أعمال تخريب وتهديد الموظفين بالسلاح. علماً أن معظم عمليات الاقتحام كان يحمل خلالها المودعون أسلحة، بعضها حقيقي وبعضها الآخر مزيّف، أو يحملون مادة البنزين ويهدّدون بإحراق أنفسهم، لكنّهم لم يتعرَّضوا للموظّفين بشكل مباشر.
تفاؤل برحيل رياض سلامة
مع انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، علَّقَ المودعون آمالاً على نائبه الأوّل وسيم منصوري الذي استلم منصب الحاكم بالإنابة. فرفعَ المودعون مطالبهم إلى منصوري، وعلى رأسها تعديل التعميم 151 واعتماد سعر منصة صيرفة للدولار بدل اعتماد سعر 15000 ليرة. وكذلك تعديل التعميم 158 ورفع سقف السحب الشهري من 300 دولار إلى 1000 دولار، إلى جانب الضغط على المصارف لوقف عملية إقفالها لحسابات المودعين عنوة، وإصدار شيك مصرفي وإيداعه لدى كاتب عدل، لإجبار المودع على قبول المبلغ وإقفال حسابه.
رهان المودعين على منصوري لم يكن صلباً، ذلك أن الأزمة تجذَّرَت على مدى نحو 4 سنوات وتشابكت مع عدّة عوامل، منها تعقيد الوضع السياسي، خصوصاً في ما يتعلّق بفراغ كرسي رئاسة الجمهورية، وما يحمله ذلك من توتّرات داخلية على مستوى تداعيات الصراع بين القوى السياسية. ومنها أيضاً ما يتعلّق باستمرار رفض المصارف تحمّل نتائج مسؤولياتها التعاقدية مع المودعين وانتظارها الحل السياسي. وفي المقام الثالث، تطبيع المودعين مع الأزمة منذ وقوعها في العام 2019، وتراجع زخم تحرّكاتهم. ويعود ذلك لأسباب كثيرة، منها عدم تجانس المودعين واختلاف طبيعة علاقتهم التعاقدية مع المصارف.
الحرب والمستقبل القاتم
في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، انعدمت السبل أمام المودعين وتوقَّفَت عمليات الاقتحام، ما خلا اقتحام المودع اسماعيل صليبي لفرع بنك فينيسيا في مدينة صور، في نهاية شهر تشرين الأول الماضي. فالحرب الإسرائيلية التي توسّعَت في جنوب لبنان أشاعت جوّاً من القلق على مستوى البلاد، ولم يسلَم المودعون منه. وبنظرهم، يشكِّل القلق جرّاء الحرب حاجة ضرورية لإيجاد طريقة لتسهيل حصول المودعين على أموالهم لمواجهة أي تداعيات محتملة، وفي مقدّمتها احتمالات النزوح من منطقة إلى أخرى، وهو ما شهدته المناطق الحدودية.
لم تتعامل المصارف والسلطة السياسية مع الأزمة الاقتصادية والنقدية بالصورة الصحيحة. وهو ما عمَّقَ نتائجها السلبية على كل اللبنانيين. ولذلك، ليس من المفاجىء أن تتكوَّن صورة قاتمة لمستقبل العلاقة بين المصارف والمودعين، لأن عملية الإفراج عن الودائع لا تزال غامضة وسط تساؤل مهم، هو: ماذا بقي من الودائع؟
لكن في جميع الأحوال، ليس لدى المودعين سوى التمسّك بحقوقهم، وذلك عبر اللجوء إلى القضاء ورفع الدعاوى ضد المصارف للمساهمة في الحجز على ممتلكات المصارف وأصحابها، وهذا ما قد يعطي بعض القوة لصالح المودعين في معركة غير متكافئة لصالح المصارف. وعدم التكافؤ في القوة، يعني من ناحية ثانية استمرار النهج السائد، وتالياً إضاعة المزيد من أموال المودعين في العام 2024 وسط أسعار صرف وسقوف سحب مجحفة.
خضر حسان- المدن