الحرب الإسرائيلية على لبنان… إذا وقعت ستكون مدمّرة فعلاً على الجانبين!

نتنياهو على ظهر الدبابة لا يعرف كيف سينزل عنها ومن سيُنزله

ليس العام الجديد فعلياً الاّ تغيير في الأعداد. تقلب الروزنامة يوماً وتستبدل الأربعة بالثلاثة وتستمر الحياة بأفراحها ومآسيها. يكاد العدوان الوحشي على غزة يدخل شهره الرابع، وبالتأكيد لا دخل للتغيير في ترقيم السنين بتطوراته ومآلاته. الحرب هي الحرب لا تُحسب بعدد الأيام بل بما يحصل على الأرض، وما يحصل على الأرض حتى الآن لم يصل إلى نهايته، ولذلك الحرب ماضية في طحن الحجر وذبح البشر بوحشية قلّ نظيرها.

ما زال نتنياهو على ظهر الدبابة التي لا يعرف كيف سينزل عنها ومن سيُنزله، أهو الاميركي بواسطة سلم إنقاذ، أم الرأي العام الإسرائيلي، أم أهالي الأسرى لدى “حماس”، أم تطور عسكري ليس في الحسبان، أم الخسائر الإقتصادية التي باتت تنذر بتداعيات خطيرة، أم الرأي العام العالمي واستطلاعات الرأي الدولية التي قلبت الصورة التي جهدت اسرائيل منذ إقامتها لتسويقها عن نفسها كدولة ديموقراطية مزدهرة في محيط معادٍ متخلفٍ؟ ما زالت الطغمة المتطرّفة الحاكمة في تل أبيب تصرّ على انّها لم ترتو بعد ولم “تشبع عينها” من منظر الدماء المسفوكة والأشلاء المتناثرة والمطمورة تحت الركام.

تنزع الروزنامة القديمة وتحلّ محلها روزنامة جديدة، لكن المضمون واحد وعدد الأيام هو نفسه وأسماؤها هي ذاتها وأحداثها تتكرّر بقساوتها التي لا تُطاق وفصولها المتوالية. الحرب لا تعترف بتوالي الايام، ساعات الليل لا تختلف عن ساعات النهار، كلها مضاءة بالقنابل والصواريخ وممزقة بأصوات المدافع وأزيز الطائرات وطنين الزنانات وهدير الدبابات والآليات العسكرية التي تسحق كل شيء في طريقها. لا هدن في الحرب الاسرائيلية على الشعب في غزة، لا ترتاح الآلة القاتلة، واذا تعبت فالمخازن الاستراتيجية الأميركية المخبأة في اسرائيل لوقت “الحشرة” تخرج من باطن الأرض لتغذّي الجبهة بآلاف القذائف التي كانت واشنطن أعدّتها لحروب كبيرة في الشرق الأوسط وربما في أوروبا.

لا يردّ نتنياهو على أحد، حتى على الرئيس الأميركي جو بايدن الذي بات محرجاً بتأييده الكامل للحرب على غزة. لم يغيّر الأميركي رأيه، ولم يستيقظ حسّه الإنساني، ولم تأخذه الشفقة ولا “الحنية” على الضحايا، ولم توقظ ضميره صور الجوع والبرد والعطش والتشرّد. هو فقط محرج لأنّه بدأ يفقد نقاطاً في السباق الرئاسي الاميركي الذي يحلّ بعد عشرة شهور. الحرب على غزة هي حرب اميركية أيضاً، ومثلما يحتاج نتنياهو الى من ينزله عن الدبابة يحتاج بايدن أيضاً الى من يرفعه من الحفرة.

قد يكون كل منهما بحاجة الى الآخر، الى ان يمنح واحدهما شريكه فرصة الخروج من المأزق، لكن نتنياهو ليس مستعداً أبداً ليمنح بايدن هذه الفرصة، الرجل معروف بعناده ووحشيته منذ دخوله عالم السياسة في إسرائيل على أنقاض المتطرّف اليميني ارييل شارون قائد اجتياح لبنان عام 1982 ومنظّر الاعتداءات على المسجد الأقصى والمقدّسات الإسلامية في فلسطين. فكيف إذا كان شركاؤه المؤثرون في الحكومة من عتاة المتطرّفين الإيديولوجيين أصحاب نظرية القتل حتى الإفناء.

لا يشبع نتنياهو من الحرب على غزة وحدها، تراه كل يوم يهدّد لبنان بدمار يشبه دمار غزة، غير آبه بكلفة الحرب العالية على حكومته، انّه يهرب إلى الأمام من استحقاق دفع ثمن فساده وعنجهيته. في مواجهة الأصوات الكثيرة داخل اسرائيل المحذّرة من كارثة مستقبلية تهدّد مصير الدولة برمتها، يسعى نتنياهو إلى حفظ رأسه بإطالة أمد الحرب الباهظة الكلفة وتوسيعها. قال له الأميركيون اترك لنا أمر الحوثي وأمن البحر الأحمر، ودع لبنان وشأنه واكتف على الجبهة الشمالية بقواعد الاشتباك القائمة ريثما تنهي الدبلوماسية الوضع القائم على الحدود مع لبنان وتبادل القصف اليومي “المضبوط” مع “حزب الله”. لكن نتنياهو مصرّ على مهاجمة “حزب الله”، إذا لم يكن اليوم فغداً. الوضع في مستعمرات الشمال غير مريح على الإطلاق، ونحو 100 ألف مستوطن نُقلوا الى الداخل في ظروف حياتية غير ملائمة، وهم يرفضون العودة ما لم يتمّ تأمين الحدود، وتأمين الحدود لن يتمّ الاّ بصفقة دبلوماسية برعاية دولية، او بحرب.

في الجانب اللبناني أيضاً 100 الف مهجّر من القرى الحدودية انتقلوا الى مناطق أخرى وفي ظروف صعبة ومعقّدة، وهؤلاء أيضاً لن يعودوا الى قراهم الّا إذا تأمّنت الحدود. إذن، لا بدّ من ترتيب جديد للوضع على الحدود، لكن الترتيب الجديد ليس أمرا مسلمل به. لا تعديل مقبول لبنانيا للقرار 1701 الذي لم تعد اسرائيل مقتنعة به. تريد إبعاد “حزب الله” بضعة كيلومترات، وهذا مطلب لن يقبل به الحزب حتى لو كانت الحرب هي البديل.

يعرف الاسرائيليون انّ “حزب الله” موجود على الشريط الحدودي منذ 2006 وانّ الـ 1701 هو للاستهلاك الإعلامي، ويعرفون انّ “حزب الله” موجود في كل بيت تقريباً قبالة المستعمرات الاسرائيلية التي كان بعضها يوماً قرى لبنانية، وانّ إخراج الحزب من الشريط يعني إخراج السكان جميعاً، وربما من هذا المنطلق يتحدث عسكريون إسرائيليون عن اجتياح بري وإقامة منطقة عازلة بالقوة. لكن هذه التجربة فشلت سابقاً وستفشل مجدداً. الحرب على لبنان ستكون مدمّرة فعلاً إذا وقعت، لكن الدمار سيكون على الجانبين.

راغب جابر- النهار العربي

مقالات ذات صلة