“أبو عبيدة” رمز القضية الفلسطينية بعد عرفات: شبح ورمز وأسطورة.. هل ينتهي مثل الصحاف؟

هو شخصية العام عربياً ليس بالإنجاز ولا بالأداء. بل بقدرته عبر صورته على احتلال شاشات التلفزة والجسور وأعمدة الكهرباء في العديد من العواصم والطرقات

“أبو عبيدة”: عنوان استعادة فلسطين لأهلها…

 

يحتار المرء من يختار عربياً كشخصية للعام 2023. تُخلط الصور وتُقلّب فتُسحب إحداهن فتكون صورة “أبو عبيدة”، ثم تُخلط الصور مرة ثانية فتُسحب صورة جديدة فإذا بها صورة “أبو عبيدة”. الرجل مجهول الاسم الحقيقي ومجهول الملامح وشبحية تلك الشخصية قد تكون أبرز أسباب نجوميتها.

هو شخصية العام عربياً ليس بالإنجاز ولا بالأداء. بل بقدرته عبر صورته على احتلال شاشات التلفزة والجسور وأعمدة الكهرباء في العديد من العواصم والطرقات.

يخيّل إليك فور سماع اسمه أنّه أبو عبيدة بن الجرّاح. لا اسم له. ولا وجه. يُعرف بصوته فقط، ورأس تلفّه الكوفيّة الفلسطينية الحمراء فلا يبين منه سوى عينيه.

رغم هويّته المجهولة أشهر من أن يُعرّف. تفتح حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي، فتجده يملأ العالم الافتراضي ويشغل رواده النجباء. تنتقل إلى التلفاز، فيطالعك على رأس عناوين نشرات الأخبار، وفي موجزات سريعة، كما في نقل مباشر.
تنزل إلى الشارع، فتلقاه على المفارق، وعند تقاطعات الطرقات. لا يحدث هذا في لبنان فحسب، بل في العالم العربي، وفي أنحاء كثيرة من العالم. على هيئته صُنعت ألعاب للأطفال. بُنيَت مجسّمات من الكتب على شكله المجهول ـ المعلوم.
باسمه تغنّى الفنّانون في بعض الدول العربية. بصوته تدور السيّارات ومكبّرات الصوت في بعض العواصم العربية، وتلبيةً لنداءاته تنطلق التظاهرات. عمليّاً صار هو حماس في ظلّ غياب القياديَّين محمد الضيف ويحيى السنوار.

شبح ورمز
هو الناطق الرسمي الإعلامي باسم “كتائب عزّ الدين القسام”، الذراع العسكرية لحركة حماس الفلسطينية الإسلامية. لكنّه اليوم ناطق رسمي باسم فئة واسعة في العالم العربي يشاهدون المجازر الوحشية التي ترتكبها إسرائيل، ولا يستطيعون إزاءها شيئاً.

تقول إسرائيل إنّ اسمه حذيفة سمير عبد الله الكحلوت، كما نشرت مرّةً صورته، لكن سرعان ما تبيّن زيف ادّعاءاتها. فيما زملاؤه في حماس يقولون إنّ قلّةً فقط تعرف وجهه، وليس له ظهور إعلامي علنيّ. أمّا للرواة المجهولون المنتشرون على وسائل التواصل جزموا أنّه غزّيّ من بلدة نعليا في القطاع، احتُلّت قريته عام 1948، نزحت أسرته إلى جباليا شمال شرق غزة.

يتردّد على نطاق واسع أنّ إسرائيل قصفت منزله مرّتين. الأولى عام 2008 والثانية عام 2012. إلا أنّه لا معلومات مؤكّدة. الثابت الأكيد والوحيد هو أنّ أبا عبيدة، اليوم، شبح ورمز.

شبح لأنّه بلا ملامح، ولا اسم، ولا هيئة كاملة. هو صوت فقط. ظلّ. ظلّ يرعب إسرائيل. هو أيضاً قائد كبير في “القسّام” قائد الحرب النفسية. والحرب النفسية في أيامنا هذه، هي النصر، النصر كلّه.

ظهوره الأوّل
أوّل ظهور إعلامي له كان عام 2006. يومها أعلن نبأ أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، في عملية “الوهم المتبدّد”. ومن يومها برز في محطّات عدّة، أشهرها عام 2020، حين قرَّرت إسرائيل ضمّ الضفة والأغوار، وهو ما عدّه أبو عبيدة “إعلان حرب”، ثمّ خلال معركة سيف القدس في أيار 2021، ومن يومها هو أشهر من نار على علم.

من جهة أخرى هو مجموعة من الرموز (رمز إسلامي – رمز فلسطيني – رمز عربي- رمز للمقاومة العسكرية في بلادنا). شعوب المنطقة تتوق وتميل إلى الرموز والألغاز والمؤامرات وحروب الظلّ. فقد اعتادت الحروب الأخرى على أنواعها.

شعوبنا وليدة الأساطير والخرافات. تنحاز إلى المخفيّ والمستور أكثر ممّا تنحاز إلى الظاهر والمعلَن والساطع. ساهم هذا كلّه في منح أبي عبيدة هذه الهالة. الرجل الآن نجم بكلّ المقاييس. صوره في كلّ مكان. تسجيلاته تطرق الآذان. صوته ينبعث من كلّ الزوايا. لوهلة تخشى أن يظهر لك. بهذا تدور الألسنة والأحاديث.

أيقونة الكوفية
فلسطينياً، يشكّل أبو عبيدة الآن رمز القضية الفلسطينية، بعد رحيل ياسر عرفات “أبي عمّار” أو الأصح هو النسخة المجددة لأيقونة الكوفية السوداء أو الحمراء. لم تعد الكوفيّة على الرأس وفوقها العقال. صارت الكوفيّة تغطّي الوجه كلّه، باستثناء العينين. صارت الكوفيّة بلا عقال. وربّما في هذا أيضاً دلالة على التغيير الذي طرأ على الموازين وبين القوى الفلسطينية: في فلسطين كما في الشتات.

يختم، كلامه دائماً، بجملته الشهيرة: “إنّه لجهاد… نصر أو استشهاد”، هي العبارة الشهيرة المنقولة عن الشيخ عزّ الدين القسّام، قائد ثورة البراق في فلسطين عام 1929، ضدّ الاستعمار البريطاني، قبيل استشهاده في بلدة يعبد في شمال فلسطين عام 1935.

أبو عبيدة واقع. هو واقع تحوّل إلى أسطورة. لكنّ أسطَرَته شعبيّاً تشير إلى مشكلة سوسيولوجية عربية. جرّب قبله أحمد سعيد من القاهرة. ومحمد سعيد الصحّاف من العراق. هل يكون “أبو عبيدة” مثلهم أم أن له كلام آخر في هذا المقام والمقال؟

ايمن جزيني – اساس

مقالات ذات صلة