“نأي” الضاحية بنفسها عن الاحتفالية هذا العام والمشهد في “الحدت” يختلف جذريًا: ما علاقة التوتر بين حلفاء الأمس المقربين؟

الطرقات في الحدث غصت بالسيارات على مدار الساعة مشكلةً زحمة سير خانقة

مساءً، في ساحة بلدية المريجة، وعند الطريق المؤدية نحو مخفر الدرك، يقترب بائع بالونات الهيليوم من إحدى السيارات، فتؤشر له السيدة بيدها، وتلوّح معتذرة عن شراء البالون الأحمر على شكل “سانتا كلوز” لابنها الذي ألح عليها قبل ثوانٍ معدودة، طالبًا شراء البالون الملوّن. يتراجع البائع، الذي تغيب ملامح وجهه وكذلك معالم الشارع المُظلم من كل جوانبه، إلى الخلف منتظرًا مرور سيارة أخرى.

بين حارة حريك والحدت
صعودًا باتجاه كنيسة “مار إلياس”، تغرق الطريق بظلامٍ داكن، أما الكنيسة التي يقصدها سكان المريجة القدامى من المسيحيين، بدت وكأنها غارقة هي أيضًا بالظلمة ذاتها، التي لم يُعكر صفوها سوى إضاءة خافتة انعكست من أحد شبابيكها؛ الإضاءة التي تنير أحد صالونات العزاء خلال مأتمٍ عائلي. أما الشوارع المحيطة بها فلم تُزيّن. وعلى ما يبدو، إنها المرة الأولى منذ سنوات طويلة التي لم تتزين باحة الكنيسة احتفالًا بولادة المسيح. وتوقفت المظاهر الاحتفالية بهذه المناسبة المقدسة على أكاليل الأزهار التي علقتها مدرسة راهبات المحبة المحاذية لها، وعلى بعض الطقوس الدينية الخاصة بعيد الميلاد التي نظمت داخل الكنيسة في ساعات محددة.

وكان مستغربًا، بأن هذا المشهد تكرّر في منطقة حارة حريك، التي اعتادت ارتداء “حلّة” العيد في كل عام. فالشوارع المحيطة بكنيسة مار يوسف لم تُزين أبدًا، بينما الكنيسة لم تتخلّ عن طقوس عيد الميلاد، ففتحت أبوابها للصلاة والقداس.

على المقلب الآخر، وعلى بعد كيلومترات قليلة، وفي ساحة “الحدت” تحديدًا، يختلف المشهد جذريًا: الزينة الميلادية المعتادة هي ذاتها كل عام، مظاهر ابتهاج وفرح وأشجار عُلقت عليها الأضواء على امتداد الاتوستراد المؤدي باتجاه غاليري سمعان، وصعودًا نحو بعبدا، لم يكن المشهد العام مختلفًا. فالشوارع تجهزت للميلاد، والمحال التجارية عرضت البضائع الخاصة بالأعياد المجيدة على الواجهة الزجاجية المزينة بالأضواء. أما الطرقات فغصت بالسيارات على مدار الساعة مشكلةً زحمة سير خانقة. وعلى أطراف الشوارع الرئيسية في “الحدت”، انتشرت الإعلانات بمختلف أحجامها لعروضات العيد (عروضات على الأطعمة والكحول وتحديدًا النبيذ الأحمر، وحسومات خاصة على زينة الميلاد).

جولة قصيرة على المحال التجارية المخصصة لبيع قوالب الحلوى، كانت كفيلة بتجسيد المشهد العام في المنطقة كلها. عشرات القوالب الجاهزة عُرضت أمام أعين المارة، والقليل من الزبائن. وكان واضحًا بأن المبيعات قد تكون مختلفة إلى حد ما عن العام الماضي. أما المحلات التي يقصدها أهالي المنطقة لشراء الهدايا وزينة الميلاد، فتجمعت أمامها بعض العائلات لشراء حاجياتهم، وللتمعّن في البضائع المعروضة في الداخل.

طابعان أساسيان
الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم، مُحيّدة وبعيدة كل البعد عن أي مظهر احتفالي بمناسبة أعياد شهر كانون الأول (عيد الميلاد ورأس السنة). وذلك لا يرتبط بالخلفية الدينية أبدًا. إذ أثبتت الضاحية طيلة السنوات الماضية انخراطها بهذا العيد الذي يكتسب في لبنان طابعًا عموميًا يشمل أغلبية المواطنين؛ بل لعلّ السبب الأساسي الذي يقف وراء “نأي” الضاحية بنفسها عن الاحتفالية هذا يتخطى الالتزام الديني أو الأزمة المعيشية التي يعاني منها سكان المنطقة، ليتخذ له طابعين لا يمكن تجاهلهما وهما “السياسي والأمني”.

وواقع الأمر، يرتبط الطابع السياسي بتوتر العلاقة بين حلفاء الأمس المقربين، حزب الله والتيار الوطني الحرّ. والدليل الميداني لذلك هو اختفاء كل مظاهر “الود” إن صحت تسميتها من الشوارع، كالمريجة وحارة حريك والسان تيريز وغيرها من مناطق الاختلاط الديني بين المسيحيين والمسلمين، كصور جبران باسيل وميشال عون وأعلام التيار الوطني الحر.

أما الطابع الأمني، فهو الذي يرتبط وينبثق من توجس وخوف أهالي الضاحية الجنوبية من أي حرب محتملة مع الجانب الإسرائيلي في جنوب لبنان، وخصوصًا كون الضاحية الجنوبية تعتبر من أهم نقاط الاستهداف الأول والمباشر للجيش الإسرائيلي.. وأيضًا، هذا البعد يرتبط بحالة الحداد التي يعيشها سكان المنطقة على شهداء حزب الله، وبكل ما يحصل من مجازر إسرائيلية في غزة منذ السابع من تشرين الأول الفائت.

فرح منصور- المدن

مقالات ذات صلة