فياض: “بدّنا نولّعها بالكهرباء” لتصل التغذية الى 15 ساعة
وصول باخرة الفيول في 28 وتعويل على عقد جديد مع العراق
حتى اليوم لم تستطع الدولة بكل ما ومَن فيها حسم ملف الكهرباء وفرض الاستقرار فيه لإنقاذ البلاد من العتمات المتقطعة أو الانقطاع شبه الشامل. ملف لم يعد خنجراً في خاصرة الاقتصاد فحسب، بل عيباً يسجل على لبنان، فيما افقر دول العالم الثالث وأدناها من لبنان قدرات بشرية ومادية تؤمّن التيار الكهربائي لمواطنيها 24 على 24.
فبعدما تبنّت الحكومة خطة وزير الطاقة واستراتيجيته المستقبلية للمحافظة على ديمومة التغذية بالحد الادنى الممكن الى حين الانتقال الى مرحلة الانقاذ المستدام، نجحت المراحل الاولى من الخطة وفق ما يقول لـ”النهار” من حيث “زيادة التعرفة، وحملات نزع التعديات الناجحة، وانخفاض نسبة الهدر الى 35%، اضافة الى تركيب العدادات لمخيمات النازحين السوريين وبدء “مؤسسة كهرباء لبنان” بالفوترة، توازياً مع بدء الفوترة للمؤسسات والادارات العامة ورصد 100 مليون دولار في موازنة الـ 2024 لتسديدها لفواتير القطاع العام، بما يخوّل مؤسسة الكهرباء تغطية كل كلفة الفيول أو على الاقل معظمها”.
لكن معضلة تأمين الدولارات اللازمة من مصرف لبنان وفقدان الثقة شبه الكلّي ما بين المسؤولين، يضاف اليهما احيانا بعض النكد السياسي، جعل كل توقيع جديد وكل عقد استيراد جديد موضع جدال ونقاش فيه القانوني وفيه الاداري بما يعوق التوصل الى الحقيقة الكاملة لان لكل من اطراف الملف قصته ومبرراته المقنعة.
وصلت الامور اليوم الى ما كان حذّر منه وزير الطاقة، وعادت الاوضاع الى مربعها الاول من فقدان تأمين التيار مع توقف معمل دير عمار وخفض القدرة الإنتاجية الحرارية الإجمالية لتصبح نحو 200 ميغاواط فقط، والسبب الخلاف القانوني والاداري مع هيئة الشراء العام، وارباكات الحصول على الدولارات اللازمة بشكل منتظم من مصرف لبنان مع معوقات تتعلق بإجراءات فتح الاعتماد المستندي العائد لتمديد “اتفاقية التبادل العراقية” للسنة الثالثة.
النيّات الحسنة للوزير فياض لم تسعفه كثيرا في اعادة الكثير من الحياة الى الكهرباء، كما ان تجارب هيئة الشراء العام مع اداء معظم الادارات والمؤسسات في ما خص عقود الشراء والتلزيم وخلافه لم تسمح لها باعتبار صدق نيات الوزير كافية لتمرير العقد، فانقطعت الكهرباء، ودفع الناس في الحصيلة الثمن مرتين: غياب كهرباء الدولة من جهة، وارتفاع في فواتير مسالخ المولّدات من جهة أخرى.
على مَن الحق؟ واين الحقيقة؟ العارف يقينا وضع الكهرباء حاليا وازماتها والناظر جليا الى ما حصل منذ بضعة أشهر حتى اليوم يجد ان الحق هو على “الشغور” في الثقة بين مختلف اركان الدولة والمؤسسات والادارات والاجهزة الرقابية من جهة، والتزايد المؤسف والمعيب في البيروقراطية وتبادل المعاملات والتواصل القانوني بين المعنيين في زمن صارت تنفّذ مئات الآلاف لا بل ملايين المعاملات بكبسة زر.
أما وقد وصلت الامور الى خواتيمها، مع عدم رضا هيئة الشراء العام كليا، فإن تباشير عودة تيار “كهرباء لبنان” الى شرايين الشبكات بدءا من 28 الجاري لمدة 5 ساعات على الاقل ولسنة كاملة بعدما تم تأمين فتح الاعتماد المستندي على أن يتخللها توقيع عقد آخر مع العراق يمكن أن يؤمّن التيار ما بين 15 و18 ساعة يوميا وفق ما يأمل الوزير، فإن الاهم هو التزام جميع الافرقاء المعنيين بالملف بمندرجات الاتفاق والمهل، والاهم إبعاد الشبهات وارساء ثقة مستدامة خدمة لمصالح الناس وإبعادا للعيب الكهربائي الذي يصيب البلد منذ زمن.
الوزير فياض يوضح اسباب تأخر وصول الناقلة البحرية ALMI NAVIGATOR التي كانت متوقفة في المياه الاقليمية البحرية العراقية منذ 10 الجاري، “إذ إن البنك المركزي العراقي كان في انتظار توقيع مصرف لبنان على تعديل قيمة الاعتماد المستندي ((SBLC المفتوح لمصلحة شركة تسويق النفط العراقية (SOMO)، لتصبح 700 مليون دولار أميركي بدل 656 مليون دولار تنفيذا لاتفاق مادة زيت الوقود المجدد بين الجانبين العراقي واللبناني للسنة الثالثة”. وأكد أنه تمت معالجة الموضوع على أن تصل أول شحنة من الفيول العراقي (زيت الوقود الثقيل) من الاتفاق (مليون ونصف مليون طن سنويا بما يوازي 125 الفا شهريا) في 28 الجاري.
وفي الانتظار، يعكف وزير الطاقة على تذليل المعوقات التي تعترض توقيع اتفاق تجاري جديد مع العراق يؤمن من خلاله نحو 14 مليون برميل من النفط الخام بقيمة مليار و200 مليون دولار مع تسهيلات بالدفع 6 أشهر من تاريخ التوقيع من دون أي فوائد مترتبة، شرط تأمين ضمانة من مصرف لبنان بأن يسدد ثمن الشحنات في حال لم تستطع الدولة تسديدها. وبما أن فياض يدرك تماما أن مصرف لبنان لن يوافق على هذا الطرح، كشف أنه يمكن أن يقنع العراقيين بأن يوقعوا الاتفاق بناء على ضمانة من الدولة اللبنانية.
وفي حال سارت الامور كما يجب، يتوقع فياض أن تكون سنة 2024 سنة لبنان كهربائيا “بدّنا نولّعها بالكهرباء” لتصبح 15 ساعة يوميا، على أمل ان تسير خطة الصيانة الدورية لمعامل الكهرباء وفق ما هو مخطط لها. ويبدو أن تأمين الدولارات سيصبح متاحا لـ”مؤسسة كهرباء لبنان” بعدما ردت وزارة المال على طلب مؤسسة الكهرباء إبداء الرأي بإمكان إصدار فواتير الكهرباء بالدولار الأميركي والليرة اللبنانية، إذ أكدت وزارة المال أنه يخرج عن صلاحية الإدارة الضريبية في الوزارة، وأنه يعود لوزارة الطاقة والمياه اتخاذ القرار اللازم لجهة السير برأي هيئة التشريع والاستشارات، علماً أنه سبق أن تم إصدار الفاتورة بالدولار الأميركي بالنسبة الى قطاع الاتصالات.
وكانت اللجنة الوزارية المكلفة تقييم خطة الكهرباء الوطنية طلبت من مؤسسة الكهرباء اتخاذ الإجراءات الإدارية المناسبة على ضوء رأي وزارة المال، بما في ذلك نيل المصادقات اللازمة من الجهات المعنية لتباشر من بعدها إصدار فواتير الكهرباء بالدولار الأميركي بدءا من الإصدار العائد لشهر أيار 2023 وذلك استنادا إلى رأي هيئة التشريع والاستشارات. كذلك وافقت على إلغاء نسبة الـ 20% التي كانت مقررة سابقا والتي كانت تمثل سعر الصرف بحسب منصة “صيرفة” وقتها وسعر الصرف في السوق وذلك بدءا من إصدار شهر ايار 2023، وعلى أن يُعتمد سعر الصرف الذي سيحدده مصرف لبنان، اضافة الى تخفيض الرسوم الثابتة من إصدار ایار 2023.
سلوى بعلبكي- النهار