باسيل والميلاد المستحيل: هل انفرط عقد التحالف هذه المرة بضربة قاضية؟

تراكمت سقطاته الأدبية والسياسية... وبأساليب تحرج «الحزب» ولا تسنده

يبدو أنّ درب التنافر يسود علاقة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بـ»حزب الله». ولن يكون مستغرباً أن يتولى وفد رفيع المستوى من «الحزب» مهمة تهنئة البطريرك الماروني بشارة الراعي بالميلاد المجيد، في حين لن يحظى باسيل إلا بمعايدة شكلية تكشف اهتزاز أواصر الود، لتبقى الشكليات هي الطاغية على الخيط الرفيع، الذي يحاول «الحزب» الإبقاء عليه وإن بالحد الأدنى.

قد يرى البعض الآخر أنّ التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، كان القشة التي قصمت ظهر البعير فانفرط عقد التحالف هذه المرة بضربة قاضية يصعب ترقيع تداعياتها. وقد يردّ البعض الجفاء المتسلل بين الطرفين إلى اختلاف الظروف والحسابات في ظل التغييرات الخارجية والداخلية، التي تؤشر للمرحلة الحساسة، وما سوف ينجم عنها من ترتيبات.

وقد يصنف بعض ثالث ما يجري، بأنه خلاف في التكتيك وليس في الاستراتيجية، وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في مسلسل تباين وجهات النظر بين الحليفين، ولن يؤدي إلى قطيعة دائمة بينهما. لأنّ حاجة كل منهما إلى الآخر تفرض ذلك. وأصحاب وجهة النظر هذه يعتبرون أنّ «الحزب» لا يزال يحتاج إلى غطاء مسيحي، لا يوفره إلا باسيل، الذي يفقد حيثيته إن تخلى «الحزب» عن دعمه له.

ولكن، وفي هذه النقطة المتعلقة بالحاجة تحديداً، هناك ما يجب التوقف عنده، بعد أن رفع باسيل سقف ابتزازاته وباع جلد الدب قبل اصطياده في مسألة التمديد لقائد الجيش، فكان أن تراكمت سقطاته الأدبية والسياسية، وبأساليب تحرج «الحزب» ولا تسنده.

فالتطورات الإقليمية والدولية تجاوزت الحاجة إليه، و»الحزب» يضع أولوياته بناءً عليها، ويهندس سياسته في الداخل اللبناني بما يتلاءم معها. بالتالي قد يجد أنّ المرحلة تفرض غطاء مسيحياً من نسيج آخر، أثبت أنه لا يطعن في الظهر، ولا يتجاوز الخطوط الحمر في ما يتعلق بأمنه، ليس فقط على الحدود الجنوبية مع العدو الإسرائيلي، وانما أينما كان في لبنان… وكوع الكحالة شاهد وماثل في الذاكرة. والمهم أنّ المسيحيين، وتحديداً الموارنة يدعمونه ويتباهون به بمختلف مشاربهم، والأهم أن له علاقته المميزة بالإدارة الأميركية. وأيضاً، التمديد له كشخص وكممثل للمؤسسة شد أواصر التقارب مع مرجعية بكركي.

وإذا ما اعتبرنا أنّ «الحزب» الذي تحالف مع «التيار» عبر «تفاهم مار مخايل» في شباط 2006، عندما كان في بداية الطريق وبحاجة إلى من يغطي سعيه لقضم الدولة ومرافقها ومصادرة سيادتها… إلا أنه في كانون الأول 2023، أتم مهمته وتجاوزها وصار لاعباً إقليمياً ودرة تاج محوره الممانع، تفاوضه الإدارة الأميركية من خلال وسيطٍ هو كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط آموس هوكشتاين، ويعرض عليه العدو الإسرائيلي الاحتفاظ بنقاط مراقبة مع الجيش اللبناني، شرط انسحابه الظاهري إلى شمالي نهر الليطاني.

وباسيل لم يفهم هذا الارتقاء في مكانة «الحزب» وتطوره، ولم يحاول قراءة التغييرات المتسارعة بأفقٍ أوسع، تطوير أساليبه أو تعزيز وضعه بشبكة علاقات مع الداخل والخارج. فالكل خصومه، ولا يقتصر النفور منه على القوى السياسية الأخرى، بل يصل إلى عمق حزبه، حتى لو بقي شيء من التماسك شكلياً حتى تاريخه. لكن إذا ما تراجع أكثر فأكثر سنرى العجائب والغرائب.

بالتالي، فإن ما ينتظر باسيل هو ميلاد مستحيل لدور وازن في المرحلة المقبلة، حتى لو تجنّب «الحزب» القطيعة العلنية معه. لكن يبدو أنّ الصيغة المستقبلية لعلاقتهما لن تختلف عن تلك القائمة مع نماذج هامشية، لا دور لها إلا التصفيق للمحور وممانعته الميمونة. حتى تضمن بقاءها في الصورة.

سناء الجاك- نداء الوطن

مقالات ذات صلة