من يتحمل مسؤولية ضياع الودائع ..الدولة او مصرف لبنان او المصارف؟
من أصعب الأحجيات التي لم تجد حلاً في لبنان هي أحجية الودائع و من يتحمل مسؤولية ضياعها و من يتحمل مسؤولية الفجوة المالية الدولة اللبنانية أم مصرف لبنان أم المصارف التجارية أم الثلاثة معاً .
هذا الواقع دفع ١١ مصرفا إلى رفع مذكرة ربط نزاع إلى وزارة المالية بواسطة المحاميين ايلي اميل شمعون وأكرم عازوري، مطالبة فيها الدولة اللبنانية بتسديد ديونها والتزاماتها الى مصرف لبنان لكي يتمكّن الاخير من تسديد التزاماته الى المصارف اللبنانية، لتتمكّن بدورها من اعادة اموال المودعين.
وارتكزت المذكرة في حيثياتها على ميزانيات مصرف لبنان، وعلى نتائج التدقيق الجنائي الذي أصدرته الفاريز اند مارسال (Alvarez &Marsal)، وعلى التدقيق المحاسبي الذي اصدرته اوليفر وايمن Oliver Wyman، بناء على طلب من الدولة اللبنانية.
وبعد سرد مفصّل للطريقة التي أدّت الى تجميع الخسائر في مصرف لبنان، من خلال استخدام الدولة للاموال، وهي اموال المودعين التي اودعتها المصارف في مصرف لبنان بارادتها، او بقوة التعاميم والقرارات التي كان يصدرها المركزي وهي ملزمة للمصارف، لخّصت المصارف المُدّعية مطالبها بالنقاط الثلاث الاتية:
“اولا- مطالبة الدولة بتسديد دينها الى مصرف لبنان والبالغ حوالى 16 مليارا و617 مليون دولار.
ثانيا- مطالبة الدولة بتسديد حوالى 51 مليارا و302 مليون دولار، لتغطية خسائر مصرف لبنان الظاهرة في ميزانيته لسنة 2020 تطبيقا لقانون النقد والتسليف، سيما المادة 113 منه.
ثالثا- تغطية زيادة العجز في مصرف لبنان عن السنتين 2021 و2022، من خلال اتباع طريقة الاحتساب التي اتبعتها الفاريز اند مارسال في تحديد الخسائر حتى العام 2020.
وألمحت المذكرة باللجوء الى مراجعة القضاء الاداري لإلزام الدولة اللبنانية بتنفيذ موجباتها القانونية تجاه مصرف لبنان، في حال عدم تجاوبها مع هذه المطالب”.
*حمود الحكومة ترفض تحمل مسؤولياتها
في السياق أشار الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود في حديث للديار إلى “أن هناك وجهات نظر متضاربة في موضوع تحمل المسؤولية، فالحكومة موقفها واضح وهي ترفض حتى الآن الاعتراف بالمسؤولية ، والمصارف موقفها واضح وهي تعتبر أنه إذا تم استرداد هذه الديون يصبح هناك إمكانية لإعادة الودائع إلى الناس”.
و رأى حمود “أن الموضوع بحاجة إلى قرار باعتبار أن الفجوة هي مسؤولية الدولة ولا يمكن إقامة أي تسوية أو هيركات على سندات اليوروبزندز ، وهذا يعني أن المالية العامة تصبح مثقلة بالديون، مشيراً أنه ليس من السهل أن تتخذ الدولة هكذا قرار و في المقابل المصارف لا يمكنها أن تتقبل أن يكون الحل على حساب رساميلها وعلى حساب المودعين ولذلك دخلت في ربط نزاع “.
وشرح حمود “أن ربط النزاع باللغة القانونية ليست بدعوى إنما هي تمهيد إلى أن يكون هناك ادعاء في حال عدم الوصول إلى مرحلة حل هذا النزاع ، مشيراً أن الموضوع سيذهب إلى مجلس شورى الدولة والدولة عليها أن تتخذ موقفاً واضحاً وكذلك مصرف لبنان” .
ووفق حمود “إذا أصبح هناك ما يسمى بإعادة هيكلة المصارف واعتراف وتعهد واضح وصريح بتحمل الفجوة في مصرف لبنان وسندات اليوروبوندز التي تحملها المصارف وربما بيوت المال الدولية أيضاً تحملها، تصبح المصارف في موقع إما أن يرسملوا أنفسهم و إما أن يخرجوا من القطاع المصرفي ضمن مبادئ الإفلاس، لافتاً إلى أن المصارف لن تقبل أن يقع عليها الإفلاس والدولة غير معترفة بما عليها من واجبات وديون “.
وشدد “على أنه ليس مطلوبا من الدولة أن تضمن أو تعوض أحدا بل الدولة عليها التزام قانوني يتمثل بدينها باليوروبزند و يتمثل بالفجوة الموجودة في مصرف لبنان، لافتاً إلى أن الدولة لا تعترف بهذا الأمر ولا تعترف بأن المادة ١١٣ تلزمها بأن تتحمل فجوة مصرف لبنان”.
ويشير “لا بد من ربط نزاع ولا بد من أن نصل بعد فترة إلى مرحلة الاشتباك القضائي ما بين المصارف ومصرف لبنان والخزينة الممثلة بوزارة المالية “.
ورداً على سؤال لماذا تقدم ١١ مصرفا بربط نزاع و ليس كل المصارف؟؟؟
قال حمود : “هذا ليس عبرة ففي دعاوى الإفلاس إذا أقام أحد الدائنين دعوى يقيمها لحساب جميع الدائنين والأمر نفسه ينطبق على المصارف وإذا ادّعى مصرف واحد وصدر حكم فهو يشمل كل المصارف ، مستبعداً أن تكون باقي المصارف خارج هذا الإطار وهذا السياق”.
*مالك: ربط النزاع صيغة جوهرية
بدوره الخبير الدستوري و القانوني المحامي سعيد مالك يؤكد في حديث للديار : “أنه من الثابت أن مذكرة ربط النزاع التي تقدم بها ١١ مصرفا لبنانيا إلى وزارة المالية لمطالبة الدولة اللبنانية بتسديد ديونها والتزاماتها إلى مصرف لبنان لكي يتمكن هذا الأخير من تسديد التزاماته إلى المصارف اللبنانية لكي تتمكن بدورها من إعادة أموال المودعين، هذا إجراء يفرضه القانون الإداري قبل التقدم بأي دعوى أمام مجلس شورى الدولة “.
واعتبر مالك أن ” مذكرة ربط النزاع صيغة جوهرية يجب البدء بها والمباشرة بها قبل التقدم بأي منازعة قضائية أمام القضاء الإداري، مشدداً على أنها إجراء إلزامي وجوهري من أجل التقدم ومداعاة الدولة بهذا الخصوص”.
و رداً على سؤال حول إمكانية الوصول إلى نتيجة لجهة إعادة أموال المودعين ؟؟
قال مالك: “هذا يعود إلى كيفية أن تُقدم الدولة على إبراء ذمتها تجاه المصرف المركزي لكي يتمكن هذا الأخير من إبراء ذمته تجاه المصارف مقدمة مذكرة ربط النزاع، لافتاً إلى أن الأمر يعود إلى مقدورات الدولة وإمكاناتها وكيفية تصرفها حيال هذا الواقع “.
و رأى مالك “ان ربط النزاع يؤكد أن المصارف اتخذت قرار المواجهة تجاه الدولة وتجاه المصرف المركزي من أجل تحصيل حقوقها حتى تتمكن من إيفاء حقوق المودعين”، علماً أن الحلقة الأضعف في هذه السلسلة تبقى المودعين الذين هم أصحاب حق وهم أصحاب المال بالأساس والذي يُفترض أن يُعاد لهم أقله ضمن الواجب القانوني و الأخلاقي أيضاً”.
اميمة شمس الدين- الديار