أمير الكويت الجديد يوجه انتقادات لاذعة للحكومة والبرلمان عقب تأدية اليمين

أدى الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح الأربعاء اليمين الدستورية أميرًا للكويت أمام مجلس الأمة المنعقد في جلسة خاصة ولم يتردد في توجيه الانتقادات للنواب والحكومة في كلمته التي ألقاها على الإثر.

وأقسم الشيخ مشعل على أن “أحترم الدستور وقوانين الدولة وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله وأصون استقلال الوطن وسلامة أراضيه”.

وبذلك، صار الأمير السابع عشر للكويت خلفا لأخيه الأمير نواف الذي توفي السبت الماضي عن 86 عامًا.

وقال الأمير مشعل في كلمته “أكدنا في خطاباتنا السابقة بأن هناك استحقاقات وطنية ينبغي القيام بها من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح الوطن والمواطنين”.

وتابع “بالتالي لم نلمس أي تغيير أو تصحيح للمسار، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك عندما تعاونت السلطتان التشريعية والتنفيذية واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد وما حصل من تعيينات ونقل في بعض الوظائف والمناصب التي لا تتفق مع أبسط معايير العدالة والانصاف”.

وأضاف “لهذا جاء قرارنا بوقف جزء من هذا العبث من خلال وقف قرارات التعيين والترقية والندب والنقل لأجل مسمى”، مشيرًا إلى قراره في الخامس من ديسمبر الذي أمر فيه بإيقاف التوظيف في قطاعات الدولة لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد.

وجاء القرار بعد تزايد الانتقادات من قبل نواب في البرلمان وعدد من القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية لما يُعتقد أنّه عمليات ترضية ومكافآت لجأت إليها حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح عبر إسناد عدد كبير من الوظائف لأشخاص محسوبين على دوائر نافذة دون مراعاة لمعيار القدرة والكفاءة، ودون أن تكون بعض المؤسسات في حاجة فعلية إلى المزيد من الموظفين في مناصب واختصاصات معيّنة.

والشيخ مشعل الذي يتولى السلطة عن عمر يناهز 83 عاماً شغل مناصب رفيعة في أجهزة الأمن والدفاع الكويتية، واعتاد على تسيير شؤون الحكم نظرًا لتوليه على مدى العامين الماضيين المهام الرئيسية للأمير الراحل الشيخ نواف.

ومع توليه رسميا قيادة الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) يُنتظر منه أن يدير شؤون الكويت التي تعاني من عدم استقرار سياسي. فهو يرث دولة شهدت تشكيل خمس حكومات خلال سنة واحدة وتنظيم ثلاثة انتخابات برلمانية في ثلاث سنوات.

وتمتلك الكويت، المتاخمة للمملكة العربية السعودية والعراق، سبعة بالمئة من احتياطيات النفط الخام في العالم. وليس لديها سوى القليل من الديون كما تدير أحد أقوى صناديق الثروة السيادية في العالم.

ومع ذلك، فهي تعاني من المواجهات المستمرة بين النواب المنتخبين ووزراء الحكومة التي يعين الأمير رئيس وزرائها. ومن ثم فإن أسرة الصباح تمسك بزمام الحياة السياسية، على الرغم من النظام البرلماني المعمول به منذ عام 1962.

وحال التعثر السياسي دون إقرار الإصلاحات الضرورية لتنويع الاقتصاد وتفاقم الوضع بسبب العجز المتكرر في الميزانية وتدني الاستثمار الأجنبي.

وأدى عدم الاستقرار السياسي في الكويت إلى إضعاف شهية المستثمرين في بلد يعد أحد أكبر مصدري النفط في العالم. وينجم عدم الاستقرار عن خلافات بين شخصيات من الأسرة الحاكمة والبرلمان. وخلال السنة المنصرمة، شهدت البلاد تشكيل خمس حكومات. كما شهد عهد الأمير نواف تنظيم ثلاثة انتخابات برلمانية.

ويقول متابعون للشأن الكويتي إن المهمة الأولى لأمير البلاد ستكون تأمين الاستقرار السياسي الداخلي من خلال رعاية حوار بأفق جديد بين البرلمان والحكومة ومن ورائهما الأسرة الحاكمة، وذلك من أجل التوصل إلى مدونة سلوك سياسي تحافظ على استقلالية البرلمان وصلاحياته وحقه في الاختلاف مع الحكومة وانتقادها ومساءلتها، وفي نفس الوقت الحفاظ على سير مؤسسات الدولة دون عرقلة أو تعطيل بهدف الإرباك والمزايدة السياسية بين الكتل أو الأفراد بمن في ذلك من ينتمون إلى الأسرة الحاكمة.

وأعاق الانقسام بين البرلمان والحكومة الإصلاح المالي والاقتصادي في الكويت، في الوقت الذي بدت فيه المعارضة المسيطرة على البرلمان في السنوات الأخيرة غير واعية بالتحديات التي تعيشها البلاد، وتمسكها بنموذج قديم للرفاهية يحصر دور الدولة في الإنفاق السخي بدل تبني برامج جديدة وإصلاح المنظومة المالية والاقتصادية لمسايرة التطورات الكبيرة التي تشهدها دول الجوار الخليجي.

وأدت الأزمة السياسية التي استمرت بين الحكومة والبرلمان على مدى عقود إلى إجراء تعديلات وزارية وحل البرلمان عدة مرات. ولم تعد الكويت قادرة على تحمل أعباء هذه الأزمة سياسيا واقتصاديا خاصة مع التعطيل المتواصل للقوانين والإصلاحات الاقتصادية، ما يعوق أيّ برامج حكومية داخليا وخارجيا.

وفي أكتوبر من السنة الماضية، طالب الشيخ مشعل أعضاء السلطة التشريعية “بالارتقاء بالممارسة الديمقراطية والبعد عن إضاعة جلسات المجلس بمهاترات ومشاجرات ورفع الجلسات قبل موعدها”.

ودعاهم إلى “التركيز بدلا من كل ذلك على تعزيز الدور الرقابي للمجلس وعلى تفعيل دوره التشريعي بإصدار القوانين”.

ويرى المتابعون أن شخصية الشيخ مشعل القوية، والتي لا تخشى في الحق لومة لائم، ستعمل على تحميل مختلف الأطراف مسؤولياتها بمن في ذلك الأسرة الحاكمة التي تعيش على وقع صراع المواقع والمكاسب بين مكوناتها لاسيما ممن لم يحصلوا على المناصب التي سعوا لها وجنحوا إلى التمترس وراء نواب من البرلمان لإدامة الأزمة.

ومن الصعب أن تنجح مساعي الشيخ مشعل لمواجهة مختلف أشكال الفساد في مؤسسات الدولة من دون توافق داخل الأسرة يضع ضوابط أمام الجميع داعمة لمسار الإصلاح الذي يتبناه الشيخ مشعل، والذي يفترض أن يشمل الجميع بما في ذلك الأسرة الحاكمة.

وتتجه الأنظار في الكويت إلى تعيين الشيخ مشعل وليا العهد، حيث ينص دستور الكويت على أن الأمير يجب أن يكون من ذرية مؤسس الدولة الشيخ مبارك الصباح. وتقليديا، تناوب على الحكم فرعا العائلة السالم والجابر، لكن هذا التقليد لم يتكرر خلال العقد الحالي، إذ ينتمي كل من الشيخ صباح والشيخ نواف والشيخ مشعل إلى فرع الجابر.

واعتمدت دولة الكويت المحافظة، التي تحكمها أسرة الصباح، النظام البرلماني منذ 1962. ولكن، منذ ذلك الحين تم حل المجلس التشريعي مرارا. وفي حين يُنتخب النواب، يتم تعيين وزراء الحكومة من قبل عائلة الصباح المهيمنة على الحياة السياسية.

ومن المرتقب أن يختار الشيخ مشعل رئيسا جديدا للوزراء لتشكيل حكومة جديدة، وهي خطوة ستحدد طبيعة العلاقات مع مجلس الأمة الذي يضم في صفوفه ممثلين عن المعارضة.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية اليوم الأربعاء بأن الحكومة قدمت استقالتها لأمير البلاد الجديد بعد وقت قصير من أدائه اليمين أمام مجلس الأمة.

وذكرت الوكالة أن الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح نجل الأمير الراحل قدم استقالة الحكومة للشيخ مشعل.

العرب

مقالات ذات صلة