التمديد العسكري” ليس اختباراً رئاسياً

"القوات اللبنانيّة" تبني على ما حصل ورياشي لـ "الديار": لا بدّ من واقعيّة سياسيّة

سد مجلس النواب في تشريعه لقانون التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، الشغور الذي كان سيحصل في 10 كانون الثاني المقبل، مع احالة قائد الجيش الى التقاعد، وفي ايار من العام المقبل اللواء عثمان، فحل المجلس النيابي، مكان الحكومة، وقام بعمل تنفيذي هو من صلاحياتها، وحصل ذلك، من ضمن العقلية السياسية اللبنانية القائمة على المناكفات والكيديات والمصالح والتي انتجت التمديد العسكري، والذي كان لا بدّ منه، في هذا الظرف الخطر، الذي يواجه فيه لبنان، اعمالاً عسكرية او حرباً موضعية عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة بين المقاومة والعدو الاسرائيلي.

وحاول كل فريق سياسي، المؤيد والمعارض لهذا التمديد، ان يطرح الاسباب التي دفعته الى ذلك، فربط دعاة التمديد لجوءهم اليه، لاسباب امنية، والمعارضون وتحديداً “التيار الوطني الحر”، الى اسباب شخصية تتعلق بسلوك قائد الجيش اكثر منها قانونية، وهذا ما عبّر عنه رئيس “التيار الحر” جبران باسيل، قبل ثلاثة ايام من التمديد، بوصف العماد عون، بانه خان الامانة، ولم يكن وفياً للتيار، حتى وصل به الامر الى التلميح الى شبهات مالية تتعلق بالمساعدات التي تقدم الى الجيش، فاظهر باسيل المعركة مع قائد الجيش “بالوجودية”، اذا ما بقي على رأس المؤسسة العسكرية، التي منها قد ينتقل الى القصر الجمهوري، كأبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية، والذي يلقى تأييداً داخلياً وخارجياً.

وبعد التصويت على التمديد في مجلس النواب، خرج نواب “القوات اللبنانية” في “كتلة الجمهورية القوية”، كمنتصرين، اذ ان اقتراح القانون الذي قدموه برفع سن التقاعد سنة واحدة لقائد الجيش دون غيره، سلك طريقه في مجلس النواب، وهم كانوا متخوفين، من ان لا يعرضه الرئيس نبيه بري، الذي كان يردد بان التمديد او عدم التسريح، هما من وظيفة الحكومة، وليس مجلس النواب، لكن عند حضور نواب القوات لجلسات التشريع، وفى بري بوعده لهم وعرض اقتراحهم للتمديد، بعد التصويت على 16 قانوناً، بعد ان تم دمجه مع اقتراح ثان تقدمت به “كتلة الاعتدال الوطني” بالتمديد للواء عثمان، وهذا لا يعتبر انتصاراً “للقوات اللبنانية” التي تراجعت عن مقاطعة جلسات التشريع، ومثلها حزب الكتائب ونواب “تغييريون ومستقلون”، وكان وصف الرئيس بري صحيحاً، عندما قال ان الصراع ماروني ـ ماروني على التمديد لقائد الجيش وانتخابات رئاسة الجمهورية، وهذا ما اظهرته المواقف، بان سخر كل من رئيس القوات سمير جعجع ورئيس الكتائب سامي الجميل، من رهان باسيل، بعدم التمديد، لكنه خسره، الا اذا حصل الطعن في القانون امام المجلس الدستوري، وابطله، عندئذ يكون باسيل حقق رغبته.

لكن باسيل، لم يخسر معركة عدم التمديد لقائد الجيش فقط، بل لم يربح داخل “التيار الوطني الحر” الذي رفضت غالبية من اعضائه، خوض معركة شرسة ضد قائد الجيش، وبهذا الاسلوب الفظ، اذ يكشف معارضون لباسيل، ان “الحالة العونية” نشأت في ظل كنف قائد للجيش هو ميشال عون، وسارت معه وفق شعاراته، وهي لا تعتبر قائد الجيش الحالي بعيداً عن هذه الحالة، حيث كان احد الضباط الذين اصيبوا في ادما “عرين” جعجع في اثناء “حرب الالغاء” وهو لم يخطىء مع الرئيس عون، الذي سماه لقيادة الجيش، فكان يطلعه صباح كل يوم على التقارير الامنية، ووضع المؤسسة العسكرية، الا ان باسيل حاول ان يتدخل في كل شاردة وواردة، فوقع الخلاف والتباعد، وفق ما يشير المعارضون لباسيل ويردون على من يتهم العماد جوزاف عون، بانه تساهل مع “الحراك الشعبي” في 17 تشرين الاول 2019، وهذا تقدير خاطىء، لان الجيش استخدم القوة عندما كان يرى ضرورة لذلك كفتح الطرقات، ولجأ الى الليونة تاركاً للمتظاهرين والمعتصمين ان يعبروا عن غضبهم ونقمتهم على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والفساد والطبقة السياسية.

فلم يربح اي طرف سياسي وحزبي، ما سمي معركة التمديد لقائد الجيش، بل المؤسسة العسكرية، التي ابعد عنها الشغور، الذي كان سيملؤه، لو لم تكن رئاسة الاركان شاغرة، رئيس الاركان الذي يكون محل قائد الجيش وفق قانون الدفاع الوطني، وحصل ذلك سابقاً، كما في حاكمية مصرف لبنان، فحل النائب الاول، ولبى الرئيس بري رغبة البطريرك الماروني بشارة الراعي، في الا يحصل شغور في قيادة الجيش، ويمدد للعماد جوزاف عون، مع تعذر انتخاب رئيس للجمهورية، حتى ان “حزب الله” ارسل الى بكركي من ابلغها، بانه لن يكون حجر عثرة في التمديد لقائد الجيش، وسيكون للميدان السياسي والقانوني كلمته، سواء عُرض الموضوع في الحكومة او مجلس النواب، وهذا ما حصل، فأمنت “كتلة الوفاء للمقاومة” النصاب، وخرج نوابها عند البدء في التصويت، فلم تخرج من حليفيه بري وباسيل، وان كان التمديد حصل لكن “حزب الله” وقف مع باسيل بعدم التصويت وترك لحلفائه الحرية.

انتهى استحقاق التمديد لقائد الجيش قبل عطلة الاعياد، بتسجيل نقاط، في مجلس النواب، حيث قام تحالف موضعي بين اضداد، انتج استمرار العماد جوزاف عون في قيادة الجيش، الذي حاول البعض ربطها برئاسة الجمهورية، وان التصويت للتمديد هو اختبار للرئاسة الاولى، لكن هذا ما نفته اوساط عين التينة، التي اكدت على تأييدها لترشيح سليمان فرنجية، وهذا موقف “حزب الله” ايضاً وحلفاء لهما، دون اسقاط اسم قائد الجيش من لائحة المرشحين للرئاسة.

وتحاول “القوات اللبنانية” ان تؤسس لمرحلة ما حصل بعد جلسة التمديد، على انتخابات رئاسة الجمهورية، بفتح قناة حوار مع الرئيس بري، الذي استجاب لها في التمديد، بعد ان حضرت التشريع، حيث لا يستبعد النائب ملحم الرياشي، ان تمارس “القوات اللبنانية” الواقعية السياسية، وتبادر الى ملاقاة بري في الحوار حول رئاسة الجمهورية لانهاء الشغور فيها، اذ لا يرى رياشي لـ “الديار” مانعاً من ذلك، وان يجري فتح الابواب الداخلية، تمهيداً لاعادة فتح باب مجلس النواب، امام انتخاب رئيس للجمهورية.

كمال ذبيان- الديار

مقالات ذات صلة