لا إغداق في التوقّعات: جعجع وانتظاره فرنسا “عاطفيّاً لا عمليّاً”… أيّ مَعَانٍ؟

اتّخذ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من “أسلوب العَتَب” وسيلة للتعبير عن بعض ملاحظاته السياسية حيال نقاط لا يحبِّذها في سياسة الإدارة الفرنسية المنتهجة تجاه لبنان، وبدا لافتاً صدور مواقفه المعبَّر عنها في حديثه إلى مؤسّسة إعلامية فرنسية “Valeurs Actuelles”التي لم تخلُ من “المنحى العاطفيّ” في إعراب جعجع عن استمرار انتظاره فرنسا من هذه الناحية للمساعدة على إيقاظ الجذور اللبنانية، لكنّه أردف “عدم توقّعه شيئاً على المستوى العمليّ”. وتطرّق رئيس “القوات” إلى بعض الأمثلة في إيضاح وجهة نظره بدءاً من استحقاق رئاسة الجمهورية، في قوله إنّه “لا يمكن قبول الجهود التي كانت بُذلت فرنسياً لانتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية”. وأكّد جعجع عدم تلاقيه مع فكرة “عدم الأخذ في الاعتبار إلّا توازن القوى، وعدم وجوب مضايقة “حزب الله” بسبب قوّته العسكرية والدعم الإيراني لنفوذه”. وإذا كانت التساؤلات تتمحور تحديداً حول الطوايا المراد التعبير عنها في مضامين المواقف الصادرة عن رئيس “القوات”، فإنّ ثمّة حرصاً بارزاً على نطاق الجهاز الإعلامي “القوّاتي” وجهاز العلاقات الخارجية على السواء في ضرورة إبقاء التصريح ضمن محتواه الذي لم يقصد منه الإساءة إلى فرنسا أو إلى العلاقات الاستراتيجية القائمة بين البلدين، بل إنه يشكّل بمثابة “سرد تعبيريّ” عن تعارض كان حاصلاً على امتداد أشهر سابقة بين معراب والاقتراح الذي سبق لموفدين فرنسيين أن جسّوا الانطباعات حوله مع القوى السياسية اللبنانية، وفحواه “المقايضة بين منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة” أو ما عُرف حينذاك بمعادلة “سليمان فرنجية ونوّاف سلام”.

وإذ تضع “القوات” التصريح المنبثق عن رئيسها في خانة استعراضه المسار العام الذي طبع الأشهر الماضية، فإنّه لا يعني فعل “استغناء” عن فرنسا أو مِن فرنسا، بل إنّ الحريّ بالنسبة للمواكبين “القواتيين” للمقابلة التي أدلى بها جعجع، وضع مضمونها في “سلّة اعتراضية” على بعض التصوّرات التي اعتمدها الإليزيه لناحية المسألة اللبنانية. أمّا وقد انتقل الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى مبادرة باحثة عن “الخيار الرئاسي الثالث”، فإنّ التعارض الذي كان قائماً مع مقاربة “القوات” للاستحقاق الرئاسي انتفى حالياً، في تأكيد المعنيين، مع اطمئنان ضمنيّ لاعتباره “فحوى الحلّ” الذي سيُنتهج عندما تنفرج آفاق انتخابات الرئاسة. لكن، الخشية التي تبديها معراب تتحلّق أيضاً حول “المدى غير المنظور” أو الظاهر للوصول إلى أفق رئاسي منشود، ما يرتّب بعض التساؤلات الإضافية من منظارها حيال ما يمكن للمبادرات الخارجية أن تفعل من الناحية العملانية إذا استمرّ تعنّت محور “حزب الله” قائماً ومن خلفه راعيته الإقليمية إيران بمرشح أوحد لرئاسة الجمهورية وتعطيله للدورات الانتخابية الموصدة حتى اللحظة.

ومن هنا، فإنّ عدم توقّع جعجع شيئاً عملياً يوضع، بحسب المصادر “القواتية”، في سياق التصريح الذي لا يرجّح تطوّرات انفراجية لاعتبارات تعقيدات الوضع الداخلي اللبناني وعدم قدرة المساعي الخارجية على فكفكتها رغم كلّ الجولات من جهة، وانتفاء الرهان العملي طالما أنّ تأزم الأوضاع الإقليمية بُعَيد اندلاع الحرب الدائرة في قطاع غزّة على حاله. ولا إغداق في التوقّعات بالنسبة إلى جعجع، وسط استمرار النشوب الحربي وانخراط الجبهة الجنوبية جزئياً في المناوشات المتصاعدة، ما يجعل المجهر الدولي مركَّزاً على تجنيب لبنان توسّع الحرب والبحث عن “إخمادها” في غزّة، وكلّ ما عدا ذلك من ملفّات لبنانية شمولاً باستحقاق الرئاسة يستمرّ خارج “السبيل العملي” حتى خفوت أصوات الذخائر الحربية.

هذه القراءة التي تتبناها أوساط “القوات اللبنانية”، يُضاف إليها أيضاً عدم ترجيحها أن يحرّك “حزب الله” ساكناً على مستوى الاستحقاق الرئاسي قبل انتهاء الحرب في غزّة. فهل يعني ذلك انتفاء الرهان حالياً على جدوى المبادرات التي كانت تحرّكت بدينامية في غضون الأشهر الماضية؟

بحسب المعطيات التي استقتها “النهار”، فإن اللقاء الماضي الذي جمع رئاسة “القوات اللبنانية” مع الموفد الفرنسي لودريان، كان بمثابة جلسة مداولات تلاقى فيها المكونّان في غالبية الطروحات ولم تعرف تباينات شبيهة بالمرحلة السابقة. وبرز في اللقاء المذكور توافقٌ على مضامين هامّة بدءاً من ضرورة تطبيق بنود القرار الدولي 1701، مروراً في التأكيد على أولوية التمديد لولاية قائد الجيش العماد جوزف عون، ووصولاً إلى استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية مع وجهات نظر متطابقة حول “الخيار الرئاسي الثالث” الذي أخذ الحيّز البارز من المداولات في اعتباره الحلّ الممكن رئاسياً. وتجدر الإشارة إلى أنّ التداول التفصيلي حول الوضع الأمني جنوب لبنان كان حصل خلال زيارة الموفد الأمني الفرنسي، مع التأكيد على انتفاء القدرة على الابقاء على “ستاتيكو” ما قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي جنوباً، وأولوية نجاح الديبلوماسية في تطبيق القرار 1701 وإنشاء منطقة أمنية عازلة خالية من وجود “حزب الله” جنوب الليطاني تجنّباً للحرب في وقت ثمة استعجال إسرائيلي للوصول إلى حلول على الحدود الشمالية.

الأكيد والمؤكّد في الاستنتاج العام للذين حضروا الاجتماع الحديث بين جعجع ولودريان، أنّ “القوات” متمسّكة برسوخ العلاقة اللبنانية الفرنسية التاريخية رغم بعض ملاحظاتها حول الأشهر السابقة، استناداً منها إلى تلقّفها استمرار الاهتمام الفرنسي بأوضاع لبنان ومساندتها له انطلاقاً من مساعدات إنمائية واجتماعية وامتداد ثقافي وكتيبة فرنسية في “قوات اليونيفيل” وحراك هادف للتوصل إلى خواتيم في استحقاق رئاسة الجمهورية من خلال دعم “المرشح الثالث”… وارتباط وجدانيّ.

مجد بو مجاهد- النهار

مقالات ذات صلة