برّي يُنقِذ ميقاتي… و”الانقلاب الأكبر” نفّذه باسيل

رسميّاً، نَفَض رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يده تماماً من “مُهمّة” التمديد لقائد الجيش فاتحاً الطريق بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري لحسم المسألة في مجلس النواب.

وفق المعلومات، في كلّ مراحل الأخذ والردّ، وتحديداً خلال الجلسات التي جَمَعته بمعاون الأمين العام للحزب الحاج حسين خليل، كان “الحجّ نجيب” يشترط حضور وتصويت وزيرَيْ الحزب على أيّ “توليفة” قانونية قد تتبنّاها الحكومة. ومثلما رفض السير بالتعيين، مع العلم أنّه الأكثر رِبحاً لحكومته لأنّ ذلك يعطيها مشروعية لكلّ مراسيمها من جانب الخصم الأول باسيل، إلا أنّه رفض، كما قال، “تحدّي” الفريق المسيحي الرافض وعلى رأسه بكركي.

في المقلب الآخر، رفض أيضاً السير بصيغة تمديد تستجلب “وجع رأس” من جانب الحزب المُحرَج بدعم باسيل، وطعناً محتّماً قد يتقدّم به، في سابقة هي الأولى من نوعها، ليس “ضابط صاحب صفة ومصلحة” (استُبعِد هذا الاحتمال) بل وزير الدفاع موريس سليم نفسه لأنّه “صاحب صفة” في حال وجد أنّ الحكومة “استولت” على صلاحياته.

التمديد الأسبوع المقبل

عملياً، يُمهّد اجتماع هيئة مكتب المجلس يوم الإثنين المقبل لانعقاد الهيئة العامة التشريعية للتمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون بعد جلسة التمديد لقائد الجيش الأسبق إميل لحود عام 1995 لثلاث سنوات بالتزامن مع تمديد ولاية الرئيس الياس الهراوي.

يوضح مصدر نيابي لـ “أساس”: “يتبلّغ النواب عادة جدول الأعمال قبل 48 ساعة، ولذلك يُرجّح أن يدعو الرئيس بري لجلسة يوم الأربعاء أو الخميس”.

تشير المعطيات إلى أنّ نصاب الجلسة مكتمل والأكثرية المطلوبة للتمديد متوافرة (نصاب الحضور 65 نائباً)، ويحتاج إقرار اقتراح القانون إلى أكثرية النصف+1 من نصاب الحضور.

ستشارك “القوات اللبنانية” للمرّة الأولى في جلسة تشريع بغياب رئيس الجمهورية، لكنّ نوابها لن “يتفاعلوا” مع كلّ اقتراحات القوانين التي ستُطرَح ويصوَّت عليها قبل طرح اقتراح رفع سنّ التقاعد من الخدمة الفعلية، في ظلّ انفتاح قواتي على عدم حصر التمديد بشخص قائد الجيش فقط بالصيغة التي قدّمتها “القوات”، ووعدوا الرئيس بري بعدم مغادرة الجلسة فور إقرار التمديد.

يتكتّم باسيل حول القرار المُتّخذ في شأن الجلسة التشريعية، خصوصاً أنّ المشاركة وحدها ترفع تلقائياً من “عدّاد” النواب المشاركين في جلسة التمديد، وهذا طبعاً يُزعِج باسيل. هذا وعكست النقاشات الداخلية ضمن التيار انقساماً في شأن المشاركة من عدمها.

تدرس كتلة “الكتائب” وعدد من نواب التغيير ممّن رفضوا سابقاً التشريع حتى تحت عنوان “الضرورة” مواقفهم في ظلّ مواقف واضحة من جانب بعض “التغييريين” الذين أعلنوا سلفاً مقاطعتهم للجلسة. مع العلم أنّ النائب سامي الجميّل أيّد الفتاوى الدستورية التي تتيح للحكومة التصرّف بالتمديد للقائد، فيما تربط “كتلة الاعتدال الوطني” ونواب سنّة التصويت لرفع سنّ تقاعد قائد الجيش بأن يشمل القانون التمديد للّواء عماد عثمان. والمؤكّد أيضاً أنّ نواب الحزب سيشاركون، وقد يصوّتون لرفع سنّ التقاعد، وأنّ مجموعة من النواب ستلعب على وتر “القوانين الملحّة” التي ستُدرج على جدول الأعمال لتبرير مشاركتها بعد مسار من مقاطعة جلسات التشريع.

أزمة رئاسة الأركان

في هذا السياق، لا يزال النائب السابق وليد جنبلاط يفاوض بري والحزب في شأن عدم ترك موقع رئاسة الأركان شاغراً، وهو مطلب مشترك مع قائد الجيش، حيث إنّ التمديد في مجلس النواب يحلّ مشكلة رأس القيادة ويريده “اللقاء الديمقراطي” شاملاً يطال العسكر والمديرين العامّين في الإدارات العامّة، لكنه يُبقي موقع رئيس الأركان شاغراً منذ إحالة اللواء أمين العرم إلى التقاعد في 24 كانون الأول 2022.

هي أزمة أبقت قائد الجيش على مدى عام أسير عدم السفر إلى الخارج واعتذاره عن قبول الكثير من الدعوات واللقاءات، باعتبار أنّ رئيس الأركان هو الذي ينوب عنه “عند غيابه ويمارس كلّ مهامّه وصلاحياته طوال فترة غيابه”.

من جهته ربط وزير الدفاع أيّ تعيين بسلّة كاملة تشمل كلّ أعضاء المجلس العسكري الشاغرة مواقعهم وعلى رأسهم القائد الذي يرأس المجلس، ولذلك يُستبعد أن يَرفع اقتراحاً بالتعيين خارج إطار هذه السلّة.

توحيد الاقتراحات

حتى الساعة يجري العمل على توحيد اقتراحات التمديد ضمن اقتراح واحد في ظلّ ضغط كبير لعدم حَصرِه فقط بقائد الجيش لأنّ ذلك ممكن أن يعرّضه لمراجعة طعن أمام المجلس الدستوري، ولأنّ بعض النواب يحاولون أن يحقّقوا مكاسب شعبية، ربّما محقّة، على قاعدة “رفض تطويع القانون من أجل شخص، ولأنّ التمديد لعون وحتى للّواء عماد عثمان فقط يشكّل ظلماً كبيراً بحقّ باقي الضباط من دون استثناء”.

بين انقلاب باسيل… وجعجع!

هكذا سقط التعيين الذي كان سيجرّ باسيل إلى تنفيذ انقلاب على نفسه في ظلّ معارضته السابقة لاجتماعات الحكومة، وسيتولّى بري الإخراج في ظلّ “انتصار تشريعي” سيسجّله بوجه القوات اللبنانية.

خصوم باسيل يأخذون عليه ليس فقط تأييده التعيين بعدما كرّس على مدى عام عدم مشروعية اجتماع حكومة تصريف الأعمال و”اغتصابها” لصلاحيات رئيس الجمهورية، بل وتناسيه توقيع رئيس الجمهورية السابق ميشال عون قبل يوم واحد من مغادرته قصر بعبدا، في سابقة هي الأولى من نوعها، مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة بهدف سياسي هو تكبيلها بالكامل وانتزاع أيّ مشروعية لجلساتها.

يومها أعلن ميقاتي، في خطاب وجّهه إلى رئيس مجلس النواب، رفضه توقيع الرئيس عون مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، مسلّماً “بافتقاره إلى أيّ قيمة دستورية وأنّه يرتدي الطابع الإعلاني وليس الإنشائي” لأنّ الحكومة مستقيلة أصلاً منذ بدء ولاية مجلس النواب الجديد وتمارس مهامّ تصريف الأعمال دونما حاجة إلى قرار من رئيس الجمهورية.

“فَعَلها” ميشال عون بعد تكليفه ميقاتي، مُرغماً، تشكيل حكومة في 26 تموز 2021 عقب اعتذار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن عدم تشكيل حكومة بعد تكليفه بالمهمّة قبل تسعة أشهر، مبرّراً يومها الخطوة بـ”عدم حماسة ميقاتي لتأليف حكومة لأسباب مختلفة، ولقطع الطريق أمامه على عقد جلسات لمجلس الوزراء”، بما يخالف “مفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق”.

هكذا يرى خصوم باسيل أنّ الأخير لا يستطيع معايرة سمير جعجع على “انقلابه” على موقفه الثابت من رفض التشريع في ظلّ غياب رئيس الجمهورية كرمى التمديد لقائد الجيش حتى لو خاض هذه المعركة حصراً بلغة النكايات، فيما “الانقلاب الأكبر” نفّذه باسيل في إعطاء حكومة “مُغتصبة” للسلطات وغير شرعية وفاقدة للصلاحيات، برأيه، مشروعية إجراء تعيين في الموقع الماروني الثاني وسط شغور الموقع الماروني الأوّل.

ملاك عقيل- اساس

مقالات ذات صلة