تشخيص “اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط” عند البالغين ليس “موضة”
عندما رأيت عنواناً رئيساً اعتبرت فيه المعالجة النفسية والكاتبة فيليبا بيري “’اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط‘ ADHD أمراً ’رائجاً‘ (أو ’موضة‘)”، أصبت بخيبة أمل. أنا معجبة جداً ببيري. قدمت لأخي عند ولادة طفله البكر كتابها عن التربية وأنا أتابع حسابها على “تويتر”/إكس بسبب كل النصائح الرائعة التي تسديها. لكنني كنت فرغت للتو من تأليف كتاب حول تشخيص اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط بعنوان “إنها ليست موضة لعينة” وهي من آخر الأشخاص الذين كنت أتوقع أن يبرهنوا سبب اختياري لهذا العنوان.
إن الاقتباس الكامل لما قالته بيري صحيح وعادل، وهي ذكرت أن معاناة أعراض شبيهة بأعراض هذا الاضطراب لا تعني بالضرورة الإصابة به، وأن التسميات قد توفر للناس أعذاراً كي يتنصلوا من تحمل المسؤولية. لكن تلميحها بأن هذا الاضطراب جزء من موضة، أو أنه “مصطلح الصحة النفسية المتداول على لسان الجميع” وجاء بديلاً لـ”’اضطراب ثنائي القطب‘ الذي كانت معاناته في الماضي هي ’الموضة‘”، هو ما أثار استياء كثيرين يعانون “اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط” لأن حصولهم على تشخيص قد يكون صعباً جداً، ويوازي صعوبة العيش في حال من الفوضى من دون تشخيص. وأنا أعلم ذلك علم اليقين لأنني شُخصت منذ ثلاثة أعوام في 2020، بعمر الـ37 بـ”اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط” بعد معاناة دامت سنوات مع الاكتئاب والتفكير بالانتحار والقلق المرضي واضطرابات الطعام والأرق والشعور الغامر بأنني أعاني علة عظيمة.
لا تتشابه أدمغة الناس، كما اكتشفت أثناء قيامي بالأبحاث لتأليف كتابي “إنها ليست موضة لعينة: استيعاب الحياة من منظور بالغ مصاب بـ’اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط‘” It’s Not A Bloody Trend: Understanding Life as an ADHD Adult، وقد ضمنته ردي على المواقف كافة التي عبرت عنها بيري. لم يأتِ عنوان كتاب مساعدة الذات “أتعني أنني لست كسولاً ولا غبياً ولا مجنوناً؟” You Mean I’m Not Lazy, Stupid, or Crazy؟! من فراغ، وقد حقق الكتاب الصادر عام 1993 والموجه إلى البالغين الذين يعانون ’اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط‘ نجاحاً ساحقاً.
عادة، أكتب عن الفنون والثقافة، لكنني أملك من المعلومات المتفرقة والممتعة عن هذا الاضطراب الشيء الكثير الآن. أحقاً لم تعترف المملكة المتحدة بمعاناة البالغين هذا الاضطراب سوى في 2008؟ كلا، تأسست أول عيادة أوروبية معنية بعلاجه في جنوب لندن في 1994. هل الاضطراب وليد الصدمة، حسبما ألمح البرنامج الوثائقي “بانوراما” الذي بُث في مايو (أيار)؟ يأتي جواب السؤال على شكل نفي مدوٍّ من المعالجين الذين قابلتهم – من الضروري أن تكون أعراض الاضطراب موجودة قبل الصدمة لكي تؤدي إلى التشخيص به. هل العيادات الخاصة مريعة فعلاً؟ نعم ولا- عليكم دائماً البحث عن معالج نفسي يعمل أيضاً في هيئة الخدمات الصحية الوطنية إلى جانب العيادة الخاصة حرصاً على اتباعه المعايير السريرية.
أردت أن أؤلف هذا الكتاب أيضاً لأنني سئمت من مقالات زملاء مخضرمين يكتبون عن أن الجميع يعتقدون بأنهم مصابون بشيء من ’اضطراب قلة الانتباه وفرط النشاط‘ وأن الموضوع غير حقيقي وأن الجميع يرغبون في معاناة مشكلة معينة. تاريخياً، الجيل الأقدم هو الذي ينتقد الجيل الأصغر سناً دائماً، لكن الموضوع لافت بصورة خاصة عندما تفكر في أن الجيل الأكبر سناً هو أكثر من يُشخص بهذا الاضطراب بعد سن الرشد.
ويقع ضمن هذه الفئة الأهل في منتصف العمر الذين غالباً ما يصطحبون أطفالهم لتشخيص حالهم ليجدوا أن هذه المعايير تنطبق عليهم. إحدى المشاركات في استطلاع الرأي الذي قمت به في إطار أبحاثي موظفة حكومية في الستينيات من عمرها. أخبرتني أنها عانت طوال حياتها من أجل التركيز على المهمات الموكلة إليها، كانت شخصاً حالماً، ومليئة بأفكار لا تطبقها. ولم تعتقد بأنها تعاني فرط الحركة لكن وتيرة أفكارها المتسارعة وشت بأمر مختلف كلياً. وعلى غرار كثيرين يبحثون عن إجابات، خاضت رحلة من نقطة الاكتشاف وصولاً إلى التشخيص.
خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، أخبر روبي ويليامز، 49 سنة، كايتلين موران بأنه يعاني “خلل الأداء التنموي وعسر القراءة واضطراب ’نقص الانتباه وفرط النشاط‘ والتنوع العصبي واضطراب تشوه الجسم وفرط التيقظ… أجمعها كلها مثل أوسمة الكشافة”. ليست أياً من هذه الاضطرابات جديدة لكنها حظيت في النهاية ببعض الانتباه، بدلاً من أن يستخف بها وتعتبر مشكلات وقصوراً شخصياً، كما كتب في أغنيته “الثمانينيات” الصادرة عام 2006 “كانت المدرسة مضحكة/ لم يكن لديهم اضطراب نقص الانتباه/ سموني غليظ الذهن/ مرة تلو الأخرى”.
ويستعرض فيلم “نتفليكس” الوثائقي عن ويليامز، مسار الإدمان والمشكلات النفسية والأذى الذاتي، مما يعطي شعوراً كبيراً بالراحة لوجود سبب يبرر تصرفات المرء.
عندما شُخصت بالاضطراب، أصبح كل شيء منطقياً فجأة. ساعدني ذلك على ربط وفهم أكثر من 20 عاماً من الصراع مع الكحول والقهوة والطعام والتبضع حتى. وكان سبباً لتشتت طاقتي وتركيزي ولعجزي عن التخصص في مجال واحد في العمل كما الباقين. في البداية، شعرت عائلتي بأن ذلك يفوق قدرتها على الاحتمال – كنت أعاني أيضاً مشكلات خصوبة مبهمة وتشوهاً في مفصل الورك لذلك اشتد عليهم الموضوع – لكنهم قاموا بالأبحاث اللازمة ويساندونني جداً. عندما نجحت أخيراً في العثور على برنامج علاجي فاعل وبدأت بجلسات التدريب والعلاج النفسي من خلال المنحة الحكومية “الوصول إلى العمل”، شهد كل من حولي تأثير هذه المقاربة فيي من حيث استقراري.
أوضحت فيليبا بيري لاحقاً عبر “تويتر”، “لست أقول إن ’اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط‘ غير موجود، ما أقوله إنه يجب ألا يتحول إلى هوية وألا يخضع للتشخيص الذاتي”. لكن التشخيص الذاتي يشكل الخطوة الأولى في طريق العلاج بالنسبة إلى عدد كبير من البالغين. وهناك احتمالات كبيرة في أنهم زاروا أطباء صحة عامة وأطباء صحة نفسية طوال أعوام، من دون أن يفهم أحد حقيقة الموضوع. اعتدت زيارة طبيب الصحة العامة منذ عمر الـ10 عندما شُخصت بالصرع وهو مرض غالباً ما يرافق “اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة” لدى الأطفال. صرحت للجهاز الطبي الرسمي عن إصابتي بالاكتئاب بعمر الـ18 ومعاناتي الأرق بعمر الـ20 والقلق المرضي بعمر الـ30 وباضطراب نهم الطعام بعمر الـ32 لكن تشخيصي وعلاجي استغرق سنوات طويلة. غالباً ما كنت أفترض بأن شعوري يعود لوجود خلل بي، ولذلك من المستحسن أن أبذل جهداً أكبر من غيري بخمس مرات لكي أبدو إنسانة عادية.
الآن، تستغرق عملية إحالة المرضى للحصول على تشخيص عبر هيئة الخدمات الصحية الوطنية ثلاثة أعوام بالمعدل للبالغين والأطفال، وغالباً أكثر من ذلك. في الحي الذي أقطنه في جنوب لندن، أخبروني أن التشخيص يحتاج إلى سنة واحدة لكنني شعرت بأن المدة طويلة جداً واستخدمت مدخراتي من الضرائب لكي أستشير عيادة خاصة. لا ينشد الناس التشخيص لكي يطلقوا على أنفسهم تسمية معينة، بل ما يريدونه هو العثور عن إجابة لسبب “العلة” بهم.
بعد مرور 20 عاماً عندما زرت طبيب الصحة العامة وحملت معي ملفاً من الأدلة والإثباتات، حصلت على الإجابة في النهاية. وطبعاً، لا شك في أن لا أحد ينتقد من يطلب فحوصات السرطان ويعتبر أنه يتبع “الموضة” لأنه رأى الموضوع على “إنستغرام”.
جرى تشخيصي بعد استشارة طبيب خاص لمدة 90 دقيقة، اطلع فيها على سجلي الطبي الكامل وتحدث مع زوجي ووالدي. تبدأ علامات “اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط” بعمر الـ12 لدى الفتيات، أو أبكر حتى – ولأن والدي لم ينتبه لذلك، ولم يكن لدينا أي تقارير مدرسية، خضعت لفحص إضافي يقيس قدرتي على التركيز. حتى بعد تلقي النتائج- وجود الحالتين الاضطراب وفرط النشاط – لم يتوافر العلاج فوراً. كنت قد عالجت إدماني الكحول ومر عام لم أتناولها، لذلك خضعت لفحوصات عدة عبر طبيب الصحة العامة للتأكد من أنني سأكون مرشحة جيدة لتناول الأدوية المنشطة. بعد أربعة أشهر من تشخيصي، بدأت بالدواء الأول، وتطلب الأمر سنة تقريباً للتوصل إلى البروتوكول المناسب لي. حالفني الحظ: إحدى النساء اللواتي قابلتهن انتظرت عامين إضافيين قبل تناول الأدوية بعد تشخيصها الأولي في هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
لكن الموضوع ليس ببساطة تناول حبة دواء (عادة يذكرون ريتالين هنا). فالتوصل إلى النوع والعيار المناسب من الدواء مسألة معقدة، وتتباين ردود الفعل بين الأفراد. وقد يتوجب التنبه إلى مشكلات أخرى كذلك: حالياً، أنا أتناول دواء غير منشط يتراكم في جسدي مع الوقت، ودواء منشطاً يعمل على فترة أطول، ودواء منشطاً يعمل على فترة قصيرة ويتخلص جسمي منهما كلياً بعد 12 ساعة ودواء مضاداً للقلق وآخر مضاداً للاكتئاب. لا أتناول كل هذه الحبوب يومياً لكنها تعمل مع بعضها بعضاً مثل السقالة التي تمسك بالبنيان كاملاً.
أثناء قيامي بالأبحاث اللازمة لكتابي، اكتشفت من خلال البروفيسور فيليب آشرسون الذي وضع مع البروفيسورة يونغ معايير عمل المعهد الوطني للصحة والتميز في الرعاية عام 2008 بخصوص “اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط” لدى البالغين، أن “المعيار الذهبي” للعلاج يجب أن يتضمن الدواء والتدريب والعلاج النفسي المختص بالاضطراب. وكما قالت لي البروفيسورة يونغ شخصياً “الحبوب لا تعلم المهارات”.
يحتاج الأفراد المصابون بـ”اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط” إلى تدريب على تفكيك استراتيجيات التأقلم غير الصحية التي راكمناها وإيجاد بدائل مفيدة. وبرأيي أن العلاج النفسي ضروري لمساعدتنا في تقبل أنفسنا والتعامل مع الحزن الذي قد يسببه التفكير في شكل الحياة الممكن لو أدركنا هذا التشخيص قبلاً. نحمل جميعاً عبئاً ثقيلاً. وسواء كانت هذه الطريقة في التفكير “على الموضة” أو لم تكن، الحقيقة هي أن التعامل مع الموضوع يحسن كل شيء، لنا ولجميع من حولنا.
“إنها ليست موضة لعينة: استيعاب الحياة من منظور بالغ مصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط”، دار النشر روبنسون، يصدر في الأول من فبراير 2024.
اندبندنت