عاد ملف “قيادة الجيش” برمته الى نقطة التعقيدات والمراوحة

مع ان موقف بكركي، كما شريحة واسعة من القوى السياسية والكتل النيابية من رفض تعيين قائد جديد للجيش واي تعيينات أخرى قبل انتخاب رئيس الجمهورية معروف وليس جديدا، فان إعادة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي التشديد على هذا الموقف امس، وسط ظروف احتدام الخلاف السياسي حول ملف القيادة العسكرية ودلالاته، اكتسب طابعا مفصليا سيترك تأثيرات حاسمة على النقاش والجدل المتصلين بهذا الملف. بدا موقف البطريرك بمثابة تثبيت الـ”لا الكنسية” لخيار تعيين قائد جديد للجيش الذي اندفع به رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أخيرا على خلفية محاولته محاصرة ووأد خيار التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون.

وإذ شكل موقف بكركي اسنادا قويا لا يمكن تجاوزه لخيار التمديد للعماد عون وانتكاسة لاندفاعة في محاولة “تهريب ” تعيين قائد للجيش يدعم تسميته “التيار العوني” في جلسة سريعة وخاطفة لمجلس الوزراء جرى الترويج لمزاعم عقدها اليوم الاثنين، تهاوت كل هذه المحاولات وعاد الملف برمته الى نقطة التعقيدات والمراوحة خصوصا بعدما ثبت ان الرهانات على مماشاة الثنائي الشيعي لرغبة باسيل في التعيين كانت محصورة بموقف غير نهائي بعد لـ”حزب الله” من دون الرئيس نبيه بري الذي لم يعط أي موافقة على التعيين. كما ان موقف رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي لم يتبدل ابدا في اشتراطه التوافق على أي مخرج أولا، وعدم مصادمة المرجعية المسيحية الأساسية المتمثلة ببكركي ثانيا.

عند هذه الخطوط العريضة بات في حكم المؤكد ان الـ”لا الكنسية” للتعيين صارت حاجزا محكما يمنع تعيين قائد جديد للجيش، ولكن ذلك لن يكفل في المقابل مرور التمديد لقائد الجيش بسهولة قبل ان يكفل موقف الثنائي الشيعي الموافقة على هذا الخيار بما يوفر له أكثرية كبيرة.

ولعله كان لافتا في هذا السياق انه على رغم التصعيد الواسع المتدحرج في المواجهات الجنوبية افرد رئيس كتلة نواب “حزب الله” محمد رعد موقفا خاصا امس لملف وضع قيادة الجيش بنبرة مرنة ولو لم يكشف بوضوح أي خيار يؤيده الحزب.

واما الموقف الحاسم للبطريرك الراعي فجاء في سياق تكرار موقفه من موضوع تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية ثم قال: “إنّنا نؤكّد نداء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان: في هذا الظرف الأمني الدقيق، والحرب دائرة على حدودنا الجنوبيّة، من الواجب عدم المسّ بقيادة الجيش العليا حتى انتخاب رئيس للجمهوريّة. ولا يجوز الاعتداد بما جرى في مؤسّسات أخرى تجّنبًا للفراغ فيها. فالموضوع هنا مرتبط بالحاجة إلى حماية شعبنا، وإلى حفظ الأمن على كامل الأراضي اللبنانيّة والحدود، ولا سيما في الجنوب، بموجب قرار مجلس الأمن 1701، فإي تغيير على مستوى القيادة العليا في مؤسّسة الجيش يحتاج إلى الحكمة والتروّي ولا يجب استغلاله لمآرب سياسيّة شخصيّة”.

وليس بعيدا من هذا المناخ اثار متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة ملف الفراغ الرئاسي مجددا ولفت الى ان “الإصلاح الموعود تعثر لسبب نجهله، مسيرة النهوض توقفت، أموال الناس تبخرت، حتى تحقيق المرفأ عثر وصرف النظر عنه. لقد عجزوا عن انتخاب رئيس، والبلد يدار من حكومة تصريف أعمال تكبلها ارتباطات أعضائها أو مصالحهم، و#مجلس النواب لا يعمل، لا ينتخب ولا يشرع ولا يراقب ويحاسب، والشغور يكاد يعم معظم الإدارات العامة شبه المقفلة. والأخطر عدم احترام الدستور وتفسيره بما يناسب المصالح” وقال إن “الإستهانة بالموقع الأول في البلد يؤثر على الحياة الوطنية بأسرها، على وحدة البلاد ودورها، وعلى أداء المؤسسات وملء الشغور فيها. ألم يحن الوقت بعد لتخطي الأنا والإلتفات للمصلحة العامة، خاصة في هذا الظرف؟ “.

اما النائب محمد رعد فتحدث عن “الاستحقاقات الداهمة المرتبطة بمواعيد زمنية كالفراغ الذي يتهددنا حين تخلو قيادة الجيش من القائد مع انتهاء ولايته”. وقال “علينا ان نملأ هذا الفراغ لحفظ نظام الوضع القيادي في هذه المؤسسة الوطنية التي تقوم بدورها الوطني في لبنان.

هذا الانتظام مطلوب ان نصونه وان نحفظه، ولذلك قدمنا كل الخيارات التي تسهل اختيار الخيار المناسب لتأمين نظم وضع القيادة للجيش اللبناني. لم نتوقف لا عند نقطة ولا فاصلة تسهيلا لهذا الامر لكن بعض الحساسيات والتنافسات الصغيرة التي تحصل بين بعض الاطراف للاسف هي التي تعرقل وتمدد عمر انجاز هذا الاستحقاق، وهذا لا ينسينا على الاطلاق ان امامنا استحقاق اساسي تستند اليه والى معالجاته كل الاستحقاقات الاخرى وهو استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية”.

في غضون ذلك حذر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط خلال جولة له في المتن الأعلى من ان “الوضع اليوم قد يكون أصعب بكثير مما مررنا به زمن حصار بيروت واجتياحها، لذلك نطلب التضامن ووحدة الصوت والكلمة. واليوم خلافاً للماضي، لا نملك أي قدرة على التغيير في قرارات الدول، فهي لها حساباتها، ونرى كيف أن شعباً بأسره يُضحى به بالرغم من المظاهرات الكبرى خاصة في الغرب. إلا أن القرار يبدو استكمال حصار غزة وتدميرها، والله أعلم ما هو مصير الشعب الفلسطيني في غزة والضفة”. أضاف “نتمنى اليوم الا نُستدرج إلى الحرب، ولكن إن وقعت الواقعة فلا حول ولا قوة. إلا أنه لا يجب أن نُستدرج، والأمر يعود إلى الفريق المقاوم وإلى إسرائيل، وعندما نرى الكم الهائل من الأساطيل على المرء أن يحسب أن شيئاً آتٍ. وعندما تبدأ الحرب ما من أحد يستطيع أن يمسك بزمام انتهائها. هذه قاعدة تاريخية”. ولفت الى انه “في الداخل، كان الأجدى لو أن هناك حدا أدنى من الوحدة الوطنية وانتُخب رئيس أياً كان. اليوم الخلاف على تعيين قائد جيش، جيشنا صامد وكبير وضروري. لكن لا أفهم الخلافات لأجل رئاسة قد تأتي أو لا تأتي”.

النهار

مقالات ذات صلة