روبرتو فيرمينو: صلاح وماني لم يكونا صديقين
كنا في نفق الملعب عائدين إلى غرفة خلع الملابس بعد تحقيق فوز مقنع بثلاثية نظيفة على بيرنلي، وكان من الواضح للجميع أن الأجواء متوترة للغاية. ورغم النتيجة الجيدة، شهدت المباراة غضباً شديداً من جانب ساديو ماني عند استبداله في الدقائق الأخيرة. لقد التقطت الكاميرات كل شيء، فلم يكن ساديو غاضباً فقط بسبب استبداله، فقبل ذلك بقليل حاول محمد صلاح التسديد على المرمى بينما كان ماني يقف بمفرده داخل منطقة الجزاء وينتظر من اللاعب المصري التمرير له. لغتي الإنجليزية ليست رائعة، لذلك لا أستطيع أن أخبركم بالضبط بما صرخ به ماني عند خروجه من الملعب، لكنه لم يكن شيئاً لطيفاً على أي حال! حاول جيمس ميلنر تهدئته، لكن ساديو ظل غاضباً، وجلس غاضباً على مقاعد البدلاء، وظل يشيح ويشير بيديه مراراً وتكراراً.
كنت أعرف هذين الرجلين جيداً، وربما أفضل من أي شخص آخر. لقد كنت هناك داخل الملعب، وألعب معهما، ورأيت بنفسي النظرات والغضب ولغة الجسد وعدم الرضا عندما يكون أحدهما غاضباً من الآخر. كان من السهل أن أشعر بذلك. لقد كنت أنا همزة الوصل بينهما في الخط الأمامي لليفربول، كما كنت أمتص غضبهما في مثل هذه اللحظات. بالنسبة للكثيرين، كان هذا الخلاف بين ساديو وصلاح هو الأول، وبالنسبة للبعض الآخر كان الخلاف الأول والأخير، لكنني كنت أعلم أن هذا الخلاف بدأ يتكون منذ الموسم السابق 2018–2019، وكان من واجبي أن أعمل على نزع فتيل هذا الخلاف المتوقع بينهما، وليس تأجيجه.
عادة ما تمر اللحظات المتوترة بسرعة داخل النادي، وفي المباراة التالية كانا يمرران الكرة لبعضهما – أو يمررها أحدهما لي ثم أمررها أنا للاعب الآخر – وكنا نحتفل معاً بهدف آخر لفريقنا. كانت هناك مشكلات صغيرة بين صلاح وماني من قبل، لكن في تلك المرة حدث كل شيء على أرض الملعب، ورأى العالم كله ما حدث. لقد شهد ذلك اليوم، في بيرنلي، إزاحة الستار عن تلك المشكلات أمام الجميع. وبينما كنا نصعد السلم بعد خروجنا من الملعب، كانت الأجواء حزينة، ولم نكن نشعر بالسعادة التي كنا نشعر بها عندما نحقق مثل هذا الانتصار – الفوز الرابع لنا في 4 مباريات في الدوري الإنجليزي الممتاز. وكنت أنا مرة أخرى مَن يتوسط الاثنين، حيث كنت خلف صلاح وأمام ماني في النفق، وكانت الكاميرات مسلطة علينا مباشرة. عندما رأيت تلك الكاميرات، لم أستطع منع نفسي من الابتسام وكأنني أقول لها: «هل رأيتم ذلك؟! لقد توترت الأمور بين هذين الرجلين اليوم، لكن لا تقلقوا، فسيكون كل شيء على ما يرام».
لم تكن الأمور تدعو إلى الضحك، وكان من الممكن أن تتسبب لنا في الكثير من المشكلات الكبيرة. لكنني ابتسمت تلك الابتسامة الساخرة لأنني كنت أعلم تماماً أن ما حدث لن يؤدي إلى أي شيء خطير. ربما كان المدير الفني يورغن كلوب وبعض الآخرين يشعرون بالقلق، لكنني لم أكن قلقاً! أعتقد أن مشجعي ليفربول ضحكوا ونحوا مخاوفهم جانباً عندما رأوا ردة فعلي، وذهبوا للاحتفال بانتصار آخر مع أصدقائهم.
لا أعلم إن كان صلاح على علم بذلك أم لا، لكنه كان يصيب الجميع بالإحباط عندما لا يمرر الكرة. كنت أعرف كيفية التعامل مع هذا الموقف بشكل أفضل من معظم اللاعبين الآخرين. لقد تحدث كلوب عن هذه المسألة أمامنا جميعاً، وقال إنه يتعين علينا التمرير عندما يكون أحد زملائنا في وضع أفضل. لقد كان ذلك تلميحاً واضحاً موجهاً إلى صلاح. ويجب أن أشير هنا إلى أن هذا الجانب من طريقة لعب صلاح قد تحسّن بشكل ملحوظ على مر السنين. لقد تعلم تدريجياً أن يكون أقل أنانية وأكثر تعاوناً، على الرغم من حقيقة أنه مهاجم وهداف، وكل الهدافين يميلون إلى أن يكونوا «طماعين» قليلاً أمام المرمى. هذا أمر عادي.
كان ماني أكثر قوة في اللحظات الجيدة والسيئة. لقد كان الأكثر انفعالاً بيننا نحن الثلاثة، وكان أيضاً الشخص الذي حظيت معه بأكبر مقدار من الحرية لمناقشة هذه القضية. كنت أتحدث معه دائماً وأقدم له النصائح وأحاول تهدئته. كنت أطالبه بأن يهدأ ويلعب من أجل الفريق. لم يكونا قط أفضل صديقين، وكان من النادر أن تراهما يتحدثان معاً، ولست متأكداً مما إذا كانت لذلك علاقة بالتنافس بين مصر والسنغال في المسابقات الأفريقية. أنا حقاً لا أعرف. لكنهما أيضاً لم يقطعا قط العلاقات بينهما ولم يتوقفا قط عن الحديث معاً، فقد كانا يتصرفان دائماً بأقصى قدر ممكن من الاحترافية.
لم أكن منحازاً لأي منهما، ولهذا السبب كانا يحباني: كنت أمرر الكرة دائماً لكليهما، وكانت الأولوية بالنسبة لي هي مصلحة الفريق ومساعدته على تحقيق الفوز. يركز كثيرون على ما كنت أضيفه إلى الثلاثي الهجومي من الناحية التكتيكية، لكن ربما كانت الناحية الإنسانية لا تقل أهمية: دوري صانع السلام ومساعد لتحسين العلاقات. لو لم أفعل ذلك، لرأينا عواصف بين الاثنين داخل الملعب! ربما لهذا السبب كنت أنا اللاعب الذي يستبدله كلوب في أغلب الأحيان. كانت شخصياتنا نحن الثلاثة مختلفة تماماً عن بعضها، وكان المدير الفني يعلم أنني لن أرمي زجاجة على الأرض أو أفعل أي شيء من هذا القبيل عندما يتم استبدالي. فلو شعرت بالانزعاج، كنت أتحدث معه على انفراد بعد ذلك. فلو كان الفريق بحاجة إلى إجراء تغيير، كان من الأسهل إخراج فيرمينو بدلاً من إزعاج أي من الاثنين الآخرين!
كان الجميع، بمن فيهم اللاعبون الآخرون، يعرفون أن هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور. لقد كان هذا الأمر معروفاً للجميع في ليفربول، وبطبيعة الحال لم يسألني أحد على الإطلاق عما أفكر فيه أو ما أشعر به! هذه هي طبيعتي دائماً، فأنا أضع مصلحة الفريق أولاً وقبل أي شيء آخر، وكان المدير الفني يعرف ذلك جيداً.
انضممت إلى ليفربول في صيف عام 2015، ثم جاء ساديو ماني في العام التالي، وفي عام 2017 جاء محمد صلاح. لم يكن أحد منا يعرف ما الذي سيحدث خلال السنوات الخمس التي لعبناها معاً.
لقد قال كلوب ذات يوم: «لم أتخيل في أفضل أحلامي أن الأمور ستسير على هذا النحو». في كرة القدم، تبحث الأندية باستمرار عن نفس الشيء: الانتصارات وأحياناً الألقاب والبطولات. ولدى هذه الأندية فرق ضخمة من الكشافة ومحللي الأداء، وتستخدم برامج متقدمة من أجل التعاقد مع لاعبين قادرين على تحقيق النجاح. إنها رياضة تحرك مليارات المشجعين، وتجني الكثير من الأموال، وتجذب الكثير من القلوب. ويسعى الجميع لتحقيق أقصى عائد ممكن من خلال الحد الأدنى من الاستثمار. لكن لا يمكن لأي شخص أن يتوقع ما الذي يمكن تحقيقه عند التعاقد مع لاعبين جدد.
كرة القدم لعبة رائعة لأنه من المستحيل التنبؤ بالسحر الذي يمكن أن تستمتع به على أرض الملعب عندما يلتقي لاعب قادم من مصر بآخر من السنغال وثالث من البرازيل. الله وحده يعلم ما الذي سيحدث، لكن البشر لا يمكنهم التنبؤ على الإطلاق، ولا حتى كلوب نفسه. أولاً، يجب أن أوضح شيئاً. لقد تحدث بعض الأشخاص عن أنني كنت سعيداً للغاية وأنا أعطي القميص رقم 11 لمحمد صلاح عندما وصل إلى النادي، وأن هذا قد ساعد على أن تسير كل الأمور بشكل جيد بعد ذلك. لقد بدت هذه الخطوة وكأنها إشارة لإنكار الذات من جانبي، وهو ما كان يناسب طريقة لعبي، في سياق قصة الثلاثي الهجومي القوي الذي شكلته مع هذين اللاعبين.
لقد كان يُنظر إليّ دائماً على أنني الأكثر تعاوناً بين الثلاثي الأمامي، والمهاجم الذي يقوم بالعمل الدفاعي الصعب حتى يتألق الثنائي الآخر ويتوهج أمام المرمى. إنها القصة المثالية، مثلي تماماً: روبرتو فيرمينو، الرجل اللطيف الذي تخلى عن الرقم الذي كان يرتديه في النادي وأعطاه لزميله الوافد حديثاً! أنا آسف، لكن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق، أو بالأحرى لم يكن كذلك بالضبط، فقد حدث ذلك لأنني قررت أن أرتدي القميص رقم 9، الذي كان متاحاً منذ الموسم السابق، بعد رحيل كريستيان بينتيكي، لكن في صيف عام 2017 فقط اعتقدت أنني أستطيع التحول من اللعب في مركز المهاجم الوهمي إلى اللعب في مركز المهاجم الصريح.
ليس من السهل على الإطلاق أن تكون المهاجم الصريح لنادٍ عريق بحجم ليفربول. إنه قميص تاريخي ارتداه نجوم النادي مثل روبي فاولر وإيان راش وفرناندو توريس. ربما استغرق الأمر مني بعض الوقت لكي أدرك ذلك. لقد ارتديت القميص رقم 10 في فئات الشباب، وبعد ذلك، في هوفنهايم، تركت القميص رقم 22 وارتديت القميص رقم 10 عندما أتيحت لي الفرصة.
بالنسبة للبرازيليين، وفي كل مكان آخر تقريباً في العالم، فإن رقم 10 هو الرقم الذي يرتديه النجوم، فهذا هو الرقم الذي خلّده بيليه. لكن رقم 10 في ليفربول كان يرتديه صديقي فيليب كوتينيو. دائماً ما كان القميص رقم 9 محبباً للبرازيليين، وكان يرتديه رونالدو، وقد أحببته على الرغم من أنني لم أرتده من قبل، وقد رأيت أن الوقت قد حان لارتدائه في ليفربول.
الشرق الاوسط