“نجومية” ودعاية وتسويق… من يحمي الأطفال من الاستغلال؟
استغلال الأطفال في الدعاية والتسويق… من يحمي البراءة والحقوق؟
أثار مشهد إعلاني لطفل يروّج لمحل حلويات بقوله: “تفضلوا عند الجوهري” الكثير من المشاهدين والمتابعين، وتفاوتت الآراء بين من استوقفتهم “هضامة” الطفل الممتلئ الجسم البالغ من العمر خمس سنوات وهو يأكل الحلوى بشراهة، وبين من استفزتهم هذه الدعاية التي تستغل الأطفال وتنتهك خصوصيتهم عبر ادخالهم الى عالم الوجبات السريعة ” “fast foodمن الشاورما الى البيتزا وصولاً الى الحلويات وغيرها الكثير.
علي درويش ليس الطفل الوحيد الذي يتم استغلاله بهذه الطريقة لتقديم الاعلانات، ولم يقف الأمر عند حد الاعلانات التجارية، بل امتد وبصورة مبالغ بها إلى الاعلانات الداعية والداعمة لثقافة التبرع، ويأتي فى مقدمها استخدام الأطفال في دعاية التبرع للمستشفيات، وهو ما يُعد عموماً انتهاكاً لخصوصية البشر وحرمتهم، بما تحويه تلك الاعلانات من مشاهد قاسية جداً للمرضى والمحتاجين، خصوصاً أن استخدامهم بهذا الشكل يعتبر ضد حقوق الطفل المتعارف عليها، فتجد مثالاً لذلك الاستعانة بالأطفال المصابين بالسرطان في إعلانات المستشفيات.
يتعرض الأطفال في عصرنا الحالي لتأثيرات كبيرة نتيجة استخدامهم كأهداف للدعايات والتسويق. ويثير هذا الموضوع قضايا مهمة تتعلق بالأخلاق وحقوق الطفل، ويتطلب فهماً عميقاً لكيفية استغلالهم وتحليل الآثار النفسية والاجتماعية التي قد تنجم عن هذا النوع من الاستخدام.
آثار نفسية واجتماعية
في استعراض تأثير الاعلان والتسويق على نفسية الأطفال وكيف يتشكل تصورهم عن الذات والتفاعل مع المحيط الاجتماعي نتيجة لهذا التأثير، شدد الدكتور في علم النفس عبد الله الجرّاح لـ “لبنان الكبير” على النهي التام عن استخدام الأطفال في أي نوع من أنواع الدعايات سواء كان المضمون ايجابياً أم سلبياً، باعتباره نوعاً من أنواع التنمر الذي يؤدي الى ردود فعل عكسية لدى الطفل تجرّه الى ممارسة سلوكيات غير أخلاقية وصحية.
واستشهد الجرّاح بمثال الطفل الذي يتم التسويق له اليوم وهو يأكل الحلوى ويسوّق للنرجيلة، معتبراً ذلك “نتيجة تفكك عائلي وضعف دفعه الى التسلّح بالتلفزيون تحت قاعدة طالما هني عملو هيك، ليه أنا لا؟”.
يستخدم العدو الاسرائيلي اليوم استراتيجية تسويق الأطفال بإلباسهم “القلوسة” بهدف اثباتهم أن “حماس” تستخدم أقسى أنواع العنف مع الأطفال الاسرائيليين، وهذا التصرف عار على الانسانية ويسيء الى الدين والأخلاق. كما أن مبدأ تلقين الطفل بما يجب أن يقوله يعود الى البيئة المجاورة التي أثبتت الدراساتأانها مريضة ويعاني أفرادها من الضعف والجهل.
وعلى الصعيد الفردي، يخلق التسويق نوعاً من اضطهاد العظمة لدى الطفل لاحقاً، لذلك مهما بلغت الأمور ذروتها من غير المسموح الخدش بالأطفال بحسب الجرّاح، الذي يشير الى أن عمر ١٣ – ١٥ هو مرحلة الطفولة المتأخرة التي لا يدرك الطفل فيها اطلاقاً عواقب التسويق، لافتاً الى أن مراحل الطفولة تأتي على أقسام حتى أصبح عمر ١٣ وما فوق هو عمر المراهقة وهذا الأمر خطير جداً بحيث يخلق لدى الولد نفوراً اجتماعياً وتنمراً على الآخرين أو حتى العكس، لذلك تبرير أي عمل هو جريمة تتحمل مسؤوليتها العائلة في الدرجة الأولى والوسيلة الاعلامية في الدرجة الثانية.
استراتيجيات التسويق المستهدفة للأطفال
يقع الطفل فريسة سهلة في أيدي الفضائيات التلفزيونية من خلال الاعلانات الموجهة الى الطفل مباشرة. وأكدت دراسات عدة خطورة ذلك، والتأثير السلبي لتلك الاعلانات في الأطفال خصوصاً، سواء كانوا هم من يقومون بتمثيل الاعلان، أو ممن يتلقونه كمشاهدين.
الحاجة إلى حماية الأطفال بالقانون
إن أهمية تطوير السياسات والقوانين لحماية الأطفال من الاستغلال في مجال الدعايات، بما في ذلك الرقابة والتشريعات يجيب عنها الدكتور في كلية الحقوق محمد شكر لـ”لبنان الكبير”، قائلاً: “كل دولة لديها قانون عمل يسمح للأطفال القاصرين بعد بلوغ سن معينة بالعمل في بعض الأعمال المحددة بملحق مفسر للقانون وبضوابط محددة، مثل منع الأطفال من العمل لأكثر من ٦ ساعات أو القيام بأعمال مرهقة وتضر بالأخلاق والقيم الاجتماعية والثقافية التي يحرص المجتمع على غرسها في أبنائه”.
وأشار الى أن “القانون حدد العقوبات المفروضة على من يخالفه من الأهل أو رب العمل، كما أن أي عمل يمس بهذه الضوابط يعتبر استغلالاً وانتهاكاً لحقوق الطفل وهناك الكثير من جمعيات المجتمع المدني تلاحق هذه الظاهرة من باب العمل على منع انتشار هذا النوع من الاستغلال غير الاخلاقي، لكن الحق يعود بالملاحقة القانونية الى الجهات المعنية بالدولة فقط”.
وعن الحلول الواجب اتباعها، شدد شكر على حق الأطفال بالعمل أو الالتحاق بورش تدريبية بهدف اكتساب مهنة بعد بلوغ سن ١٣ سنة في لبنان، وهناك دول لا تسمح قوانينها بذلك الا بعد بلوغ الطفل ١٥ سنة”، موضحاً أن هناك عقوبات منصوص عليها في قانون العمل لمن يعمل ولديه عامل طفل من دون التقيد بالحصول على المستندات المطلوبة مثل تقرير طبي وموافقة ولي الأمر.
الطفل سيعيش حالة “نجومية” على مواقع التواصل الاجتماعي وهذا لا يختلف عن الطفل المشارك في الاعلانات التجارية وحملات التبرع، أي أن سلوكياته ستتأثر بصورة سيئة وكبيرة. ومن الناحية الصحية هذا السلوك غير مناسب للحفاظ على صحة الطفل، أو للمساعدة على نموه وتكوينه البدني السليم.
ساريا الجراح- لبنان الكبير