ماذا لو أنّ “الحزب” و”الحشد الشعبي” والحوثيين… لم “يساندوا” غزة!؟

تأخذ الجبهة اللبنانيّة التي فتحها “حزب الله” ضد إسرائيل بهدف “مؤازرة” مقاومة “حركة حماس” والتنظيمات الحليفة لها في قطاع غزّة، حيّزاً صغيراً جدّاً من اهتمام كبريات وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة في العالم، تماماً كالحيّز الذي تأخذه في الاهتمام السياسي والدبلوماسي الدولي، إذ إنّ أعلى مستوى أوفده البيت الأبيض إلى لبنان كان على مستوى مستشار حمل إلى “أصدقاء زمن الترسيم النفطي” معاني الكلمات القليلة التي يوجهها رئيسه جو بايدن، عبر المنابر، إلى “ملالي إيران” محذّراً إياهم من مغبة تحويل الحرب على “حركة حماس” إلى حرب إقليميّة.

ولكنّ هذا الحيّز الضئيل نسبيّاً ينعكس سلباً على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، إذ يتم تقديم ما يقوم به “حزب الله”، كدليل على أنّ “حماس” ليست، بالمحصلة، سوى تنظيم يخدم “أجندة” الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، ولذلك تحاول أذرع إيران، أينما وجدت، أن تنصر “المقاومة الفلسطينيّة” بعدما شجعتها على القيام بالهجوم الصاعق في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) ضد غلاف غزّة وسكانه.

إذاً، إنّ ما سمّاه الأمين العام لـ”حزب الله” في خطابه الأخير بـ”جبهات المساندة” لا تخدم، إعلاميّاً ودبلوماسيّاً وسياسيّاً، أهدافها المعلنة، بل يبدو أنّ العكس صحيح!

ولكن ماذا عن المستوى الإسرائيلي، وهو بيت القصيد من “جبهات المساندة” هذه؟

اشترطت إيران وبعدها قادة “جبهات المساندة” في لبنان وسوريا والعراق واليمن لوقف هجماتها على إسرائيل أن توقف إسرائيل عملياتها البريّة في قطاع غزّة.

ومنذ قبل بدء هذه العمليات البريّة قادت الدبلوماسيّة الإيرانية حملة تحت هذا العنوان، محذرة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية من نفاد صبر “قوى المقاومة”.

ولكنّ القيادة الإسرائيليّة، بدعم حقيقي من البيت الأبيض، بدأت عمليّاتها وتستمر فيها.

ومن الواضح عملانيّاً أنّ القوات العسكريّة الإسرائيليّة التي جرى تخصيصها، منذ إطلاق إسرائيل لحرب “السيوف الحديديّة”، لقطاع غزّة لم تتأثر، بأيّ شكل من الأشكال، لا بالتصعيد على الجبهة اللبنانيّة ولا بالصواريخ الحوثيّة على إيلات ولا بالهجمات على القواعد الأميركية في كل من سوريا والعراق، فيما تولّت قوات إسرائيليّة أخرى هذه المهمّة “غير الضاغطة” في معظم الأوقات.

وتواصل القوات الإسرائيليّة عملياتها في قطاع غزّة غير آبهة إلّا بقدرات المقاومة الموجودة داخله، أي إنّها لا تخشى على نفسها لا من “حزب الله” ولا من “الحشد الشعبي” ولا من “أنصار الله”.

الأدهى من ذلك أنّ لبنان الذي حوّل “حزب الله” منطقته الحدوديّة إلى “جبهة مساندة” بات بحاجة إلى مؤازرة، بحيث تعمل الدبلوماسيّة اللبنانيّة، على الرغم من سقوطها تحت رحمة “محور المقاومة”، على إقناع الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وقطر والجامعة العربية ومؤتمر القمة الإسلامي والدول المشاركة في “اليونيفيل” بالعمل لمنع إسرائيل من توسيع الحرب ضد كلّ لبنان.

وللمفارقة، فإنّه بعد أسابيع من فتح الجبهة اللبنانيّة، انقلب السؤال المحوري رأساً على عقب، فبعدما كان يتمحور حول إمكان أن يوسّع “حزب الله” الحرب ضد إسرائيل، بات يتركز على نقطة واحدة لا غير: هل توسّع إسرائيل استهدافاتها لـ”حزب الله” على امتداد لبنان وصولاً إلى بيروت؟

إنّ “جبهة المساندة” التي فتحها “حزب الله” من الجنوب اللبناني لم تفد “المقاومة الفلسطينيّة” بشيء ولكنّها، في المقابل، ألحقت أضراراً كبيرة ستكون لها تداعيات كثيرة على لبنان.

إنّ الخسائر المادية والبشريّة التي لحقت بإسرائيل، من خلال فتح الجبهة اللبنانيّة، لا تقارن بالخسائر الجسيمة التي لحقت بلبنان.

هل سَنَد “حزب الله” سكان غزة فعلاً أم آذَى لبنان فقط؟
ولكنّ الخسائر على هذا المستوى لا تقارن بالخسائر المرتقبة، فـ”حزب الله” أثبت أنّ الجيش اللبناني ومعه قوات “اليونيفيل” لم يقوموا بالأدوار المسندة إليهم، بموجب القرار الأممي 1701، وبالتالي عاد الجنوب اللبناني إلى واجهة الاهتمام الإسرائيلي، إذ إنّ القيادة الإسرائيلية تبحث حالياً ضمن كوادرها ومع الحلفاء الدوليّين، بالتزامن مع محاولة رسم مستقبل قطاع غزّة بعد الحرب، في إعادة ترتيب وضع الجنوب اللبناني الذي لا يمكن الاطمئنان إليه، بعد كل ما حصل.

والأهم من ذلك أنّ “حزب الله” قدّم، بالدليل القاطع، على أنّه صاحب القرار النهائي في لبنان، في حين أنّ السلطات الدستوريّة ليست سوى “ألعوبة” بين يديه، الأمر الذي سوف ينعكس سلباً، أكثر من أيّ وقت مضى، على التعاطي الإقليمي والدولي مع لبنان، إذا لم تحدث فيه تغييرات سياسيّة جذريّة.

يمكن إطالة الحديث عن الأضرار التي لحقت بلبنان من جرّاء تحويل جنوبه إلى “جبهة مؤازرة” لقطاع غزّة، ولكن هذا لا يعطي لتحليل المعطيات أيّ إضافات نوعيّة. لذلك، فإنّ أصحاب “العقول الباردة” يدعون “حزب الله” إلى تفعيل استراتيجية الانسحاب من حرب تؤخّر ولا تقدّم، تؤذي ولا تنفع، ولا تسند غزّة بل تُلحق لبنان بها.

لقد أثبتت التطورات في الأسبوعين الأخيرين أنّ إسرائيل لم يؤذها حملة الصواريخ، بل هؤلاء الذين ساروا في مدن كبريات الدول منددين بحربها الإجرامية وسلوكياتها الإرهابيّة.

وثمّة من يعتقد بأنّ هؤلاء المتظاهرين كانوا أضعافاً مضاعفة وانتشروا في أماكن أكثر فاعليّة لو أنّ “حزب الله” و”الحشد الشعبي” والحوثيين لم “يساندوا”!

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة