الحزب لن يعطي حجة لإسرائيل ولكل المنتظرين “على الكوع”: الحرب على الجبهة اللبنانية… قرار إسرائيلي

الوقائع على الأرض تشي بأن الحرب على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية تقترب أكثر فأكثر يوماً بعد يوم، رغم الضغوط والمساعي الدولية لمنع انفجارها، لكن اندلاعها ليس حتمياً، فما زالت “اللعبة” مضبوطة إلى حد كبير، وطرفا الحرب، إسرائيل و”حزب الله”، يديرانها وفق قاعدة صاروخ بصاروخ أو قذيفة بقذيفة وموقع بموقع. خروق محدودة لكن متصاعدة ومتوسعة، وحتى الآن تحت سقف توازنات إذا اختلت ستكون نتائجها مدمرة على الطرفين اللذين يتجنبانها حتى الآن.

الواضح أن “حزب الله” لن يبادر إلى شن حرب واسعة، عبر عن ذلك في خطابي أمينه العام السيد حسن نصر الله وفي مجمل مواقفه خلال فترة الحرب على غزة، وإن كان أكد في معرض قراءته لهذه الحرب استعداده لخوضها ومشاركته بها منذ اليوم الثاني لاندلاعها في غزة. الحزب يده على الزناد وعسكره في المواقع، لكنه ليس صاحب القرار في بدئها. هذا خياره السياسي والعسكري الذي بات واضحاً. من يبدأ الحرب إذاً؟ إسرائيل طبعاً. قرار بدء الحرب على الجبهة اللبنانية هو قرار إسرائيلي من الآن فصاعداً، والطبقة السياسية والعسكرية الإسرائيلية بدأت تلوح بهذا الخيار.

يهدد نتنياهو المنتشي بمشاهد الدم والدمار والتهجير في غزة وبالدعم الأميركي والغربي غير المحدود لحربه الدموية على المدنيين لبنان بمجازر ودمار على شاكلة ما يفعله في غزة. يعلم الجميع أن هذه الحرب تجاوزت الرد على عملية “طوفان الأقصى” وتحولت إلى حرب إبادة ذات أهداف أبعد من تحرير رهائن أو ضرب “حماس” واقتلاعها من مدينة غزة وتفجير أنفاقها. يستخدم نتنياهو العنف المفرط ضد المدنيين في غزة ليهول على لبنان واللبنانيين في حرب نفسية استباقية ويمهد الأرضية لحرب إذا اندلعت سيستخدم فيها كل آلة التدمير والقتل كما يقول هو وأركان حربه ودعايته المليئة بالأكاذيب. الأكاذيب جزء صميمي في الكيان الإسرائيلي الذي قام أساساً على مجموعة من الأكاذيب السياسية والدينية والأخلاقية.

ويقول رئيس أركان جيشه هرتسي هاليفي إن خطة الحرب على الجبهة مع لبنان أصبحت جاهزة دفاعاً وهجوماً، وإن على القوات المستنفرة انتظار مرحلة قاسية، في اعتراف ضمني بأن الحرب مع “حزب الله” تختلف عن الحرب في غزة المحاصرة المعزولة لأسباب تتعلق بجاهزية الحزب ونوعية تسليحه وحجمه وتدريب مقاتليه ومساحة حركته الأوسع من مساحة حركة “حماس” في غزة… وكذلك بخصوصية الوضع اللبناني والتعاطف الدولي مع لبنان في حال الاعتداء عليه.

يقول الأميركي إنه يضغط لمنع فتح جبهة لبنان ويعمل الفرنسي على ذلك أيضاً، لكنهما مع حلفائهما لا يمانعان ضمناً ضربة لـ”حزب الله”. الغرب إجمالاً يرى أن الفرصة متاحة لحرب تغير المعادلات والأوصاع برمّتها في المنطقة، وذلك لا يتم إلا بكسر التوازنات القائمة جذرياً. وقد يكون ذلك وجهة نظر عربية أيضاً.

لقد أتاح الدعم الغربي السياسي والعسكري والإعلامي لإسرائيل فرصة طويلة لتدمير غزة وتحقيق إنجاز لنتنياهو يحفظ ماء وجهه بادعاء أنه أخرج “حماس” من شمال غزة ودمر بنيتها العسكرية في المدينة. لكن ماذا لو أراد نتنياهو فرصة إضافية لحرب ثانية؟

يعرف نتنياهو أن “حزب الله” سيقاتل وحيداً إذا شن حرباً على لبنان. و”حزب الله” يعرف ذلك أيضاً بعدما سقطت نظرية “وحدة الساحات” الإيرانية في حرب غزة وتحولت إلى “جبهات مساندة” لم تقدم ولم تؤخر في مجريات الحرب على غزة. الحزب لن يبادر إلى إعلان الحرب وسيحتفظ بصبره الطويل ولن يعطي حجة لإسرائيل لضرب لبنان ولكل المنتظرين “على الكوع” لتحميله مسؤولية حرب يتسبب بها. طبعاً إسرائيل لن تعدم حجة لإعلان الحرب، وقد تخلقها عبر حدث أمني ترتكبه بنفسها. لكن الحزب يبدو مصمماً على عدم الانزلاق إلى إعطاء المبرر لإسرائيل.

الوقائع الميدانية والمواقف المعلنة تشير إلى أن فتح جبهة لبنان، إن حدث، سيكون قراراً إسرائيلياً.

مع حكومة إسرائيلية مثل حكومة نتنياهو وعصابات “الهاغاناه” و”شتيرن” المتجددة حوله كل شيء وارد، فهذا الرجل الذي يتحدث العالم عن قرب نهاية حياته السياسية وضع ظهره إلى الحائط وما زال متعطشاً إلى رؤية مزيد من الدم.

في كل الحالات ليست الحرب على الجبهة اللبنانية قدراً محتوماً، ولكن الأكيد أنها إذا وقعت لن تكون قراراً لبنانياً بل ستكون عدواناً إسرائيلياً مكشوفاً.

راغب جابر- النهار

مقالات ذات صلة